انقلاب في السعودية
انقلاب في السعودية
الخبر:
قام الملك سلمان بتنحية محمد بن نايف عن ولاية عهد الملك في السعودية وتعيين نجله محمد وليا للعهد.
التعليق:
تتويجا للغنائم التي حصدها ترامب في زيارته الأخيرة للسعودية، أقدم ملك السعودية على تنصيب محمد بن سلمان العميل الأوفى لأمريكا وليا لعهد ملك يشرف على نهايته. وبذلك تكون أمريكا قد ضمنت ملكا للسعودية شابا قد يمكث في الحكم عشرات السنين إن لم يحصل تغيير قسري للملك. وبالتالي فإن أمريكا تنظر بعين ثاقبة إلى أكبر بلد نفطي في العالم وصاحب أقوى تأثير في العالم الإسلامي ليكون تابعا مخلصا لها ولسياساتها في المنطقة. وليس غريبا بالتالي ما قام به ترامب من عملية تنصيب للسعودية لتكون رأس حربة سياساتها ومفتاحا لاستراتيجية هيمنتها على المنطقة، إذ جلبت أكثر من 50 حاكماً من حكام البلاد الإسلامية ليشهدوا تتويج السعودية لهذا المنصب الخطير. ومع ذلك فتاريخ العمالة والتبعية الحديث ومنذ الحرب العالمية الثانية يظهر أن انتقال الدول من حضن أمريكا إلى حضن بريطانيا وبالعكس أمر طبيعي.
وهكذا باتت أمتنا بعد أن فقدت راعيها الشرعي، مطية لدول استعمارية كبرى لا ترقب في شعب إلا ولا ذمة. وبات الانعتاق من هيمنة أمريكا وبريطانيا صعب المنال. فالصراع على الحكم والملك في السعودية بين أجنحة العائلة إنما هو صراع على انتقال المملكة من نفوذ هذا إلى نفوذ ذاك، وليس واردا أن يكون صراعا من أجل الانعتاق كليا من التبعية. ذهب فيصل وجاء فهد (بعد خالد) فتحرك رمل الصحراء من أنجلو سكسون بريطانيا إلى أنجلو سكسون أمريكا. ثم جاء عبد الله وعادت السعودية إلى قواعدها الإنجليزية. والآن سلمان وابنه أعادوا كثيب الرمل وحملوه على طائرة ترامب إلى واشنطن. فتعسا لما آلت إليه حالة خير الأمم على أيدي تجار باعوها وتآمروا عليها لمصلحة أعدائها.
والحقيقة أن وضع الأمة المأساوي لا يختلف كثيرا سواء أكان الملك يرقص في لندن أم يقامر في أمريكا. فالأمر سيان خاصة فيما يتعلق بالحرب على الإسلام والحيلولة دون ظهوره. فالسعودية دفعت مليارات الدولارات لحماية مبارك وعرشه والحيلولة دون سقوطه، ثم إذا فشلت في ذلك عادت لتدفع أموالا ضخمة للإطاحة بمحمد مرسي لصالح جنرالات مصر ولدعم انقلاب السيسي. وقادت تحالفا ضخما في اليمن وأنفقت عشرات المليارات ليس حربا ضد الحوثيين كما يعلن، ولكن لمنع انعتاق اليمن من الهيمنة الغربية. أما في سوريا فكان دور السعودية من أشد الأدوار تنكيلا بالثورة منذ أن جعلت أموالها حقائب مبثوثة لشراء الذمم وحرف الثوار عن مسارهم، وربطهم بمال رجز لم يجر عليهم سوى الفشل والخيبة.
والحقيقة كذلك أن السعودية ليست ضربا من الصدف أو حالة استغراب في بلاد المسلمين خاصة في منطقة الخليج. فما من أمير ولا شيخ ولا ملك إلا ويرقد في أحضان أمريكا أو بريطانيا دون خجل من نفسه ولا وجل من شعبه. وقد أزاحت أزمة مقاطعة قطر التي أعلنتها السعودية أوراق التوت التي كادت أن تستر عورات أولئك المتهالكين على الحكم على حساب شعوبهم ولصالح أعدائهم. فقطر وأمراؤها لم يتوانوا عن التبجح بأنهم يتمتعون بحمايات متنوعة أمام ما اصطلح عليه بحصار قطر. فمن الاحتماء وراء قاعدة العُديد، وتأمين مصالح أمريكا، واستجداء روسيا وبريطانيا إلى غير ذلك من دهقنة العمالة والارتماء. وكل ذلك مصحوب بكشف المستور من علاقات حكام الإمارات وعمالتهم.
أما مركز مكافحة (الإرهاب) الذي عهدت به أمريكا لمحمد بن سلمان ليتولى كبره فقد تم تصميمه ليكون مرصدا يحصي أنفاس كل من يعمل لإعادة الإسلام السياسي للحياة متمثلا بدولة الخلافة على منهاج النبوة. لقد اخترعت أمريكا قصة (الإرهاب) منذ سبعينات القرن الماضي، وعملت على تعريفها وتبويبها وتصنيفها ورعرعتها وتضخيمها إلى أن أدخلتها ضمن استراتيجياتها المتعلقة بالهيمنة على العالم الإسلامي والحيلولة دون نشوء نظام إسلامي يتحدى الرأسمالية العفنة والديمقراطية الكاذبة. لقد نصبت السعودية نفسها بزعامة محمد بن سلمان حارسا أمينا ومنفقا سخيا على حرب الله ورسوله ودينه الحنيف بالوكالة عن أمريكا والغرب، وهم كالذي اتخذ مسجدا ضرارا وإرصادا وتفريقا لكلمة المسلمين، فأتى الله على بنيانه من القواعد.
إنه مهما عملت أمريكا ومعها عملاؤها في السعودية ومصر وتركيا وغيرها على حرب الإسلام ودعاته، فإن الحقيقة التي لا يعلمها كثير من الناس أن الذي أنزل دين الإسلام على رسوله قد تعهد بحفظه وانتشاره ولو كرهت ذلك أمريكا وعملاؤها. والله تعالى قد قال في محكم كتابه العزيز ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾. وهو الذي قال كذلك ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾. ثم أكد الله تعالى في القرآن الحكيم أن الغلبة في النهاية ستكون لدين الله ورسله ودعوتهم ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
فأمريكا ترهب الناس وتخوف من يدعو إلى دين الله، وتهددهم بحربها وآلتها الصماء، وتجلب عليهم بجيشها وعملائها ظنا منها أن الدعاة إلى دين الله سيصيبهم اليأس وينقلبون على أعقابهم، ولم يدركوا أن الله تعالى قد استبقهم بطمأنة أصحاب هذا الدين، وحملة الدعوة بل والمستضعفين في الأرض أن تهديد أمريكا وعملائها وتخويفها ووعيدها ليس له أثر أمام قوة الإيمان بالله وصدق الدعوة إليه والإخلاص الخالص لرب العالمين. والله تعالى يقول ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد الجيلاني