هل ستغير احتجاجات قمة العشرين حقيقة شيئا؟
(مترجم)
الخبر:
تجمع عشرات الآلاف من المتظاهرين المناهضين للرأسمالية من جميع أنحاء العالم في مدينة هامبورغ الألمانية احتجاجا على قمة مجموعة العشرين التي عقدت يومي 7 و8 تموز/يوليو بحضور قادة 20 دولة من الدول الأغنى في العالم. ومثل المتظاهرين مجموعة من القضايا المختلفة، بما فيها تلك التي تدعو إلى إنهاء الفقر العالمي، والتباين الفاحش في الثروة، والحروب الاستعمارية في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن الداعمين للبيئة. وعلى الرغم من تنوع الرسائل إلا أن جميع المتظاهرين اتفقوا في صب غضبهم على الرأسمالية وسياسات العولمة ويلقون باللائمة عليها كونها سبب الفوضى والظلم وعدم المساواة والبؤس المطلق في الدول والعالم أجمع.
التعليق:
هذه الاحتجاجات الضخمة ضد اجتماعات قمة مجموعة العشرين، أو المظاهرات الحاشدة لمكافحة سياسات التقشف والمظاهرات التي قامت ضد الرأسمالية والتي تجري في بلدان من جميع أنحاء العالم كمثل تلك التي جرت في بريطانيا في الأول من تموز وحضرها الآلاف، تظهر بوضوح عدم الرضا الكبير عن هذا النظام العالمي الرأسمالي. وهذا الأمر لا يثير الدهشة، فقوانين وسياسات هذا النظام ركزت الثروة في أيدي نخبة قليلة، وتسببت في إثراء البنوك والشركات على حساب عامة الناس، كما تسببت في احتكار موارد العالم وإفقار الملايين، وخلفت حروباً مدمرة تهدف إلى نهب ثروة البلاد الأخرى. وبالتأكيد، فقد كان يوما سيئا لهذا النظام! لكن مع ذلك، وللأسف فإن هذه التجمعات الجماهيرية تفشل في رأب صدع النظام الرأسمالي العالمي الحالي أو حتى إحداث أي تغيير سياسي كبير. ونرى على سبيل المثال كيف أن حركة “احتلوا وول ستريت” التي قامت احتجاجا على عدم المساواة الاقتصادية العالمية والتأثير غير المبرر لهيمنة الشركات على الحكومات، والتي انتقلت لتشمل مدنا في جميع أنحاء العالم لم يكن لها تأثير يذكر في تغيير الوضع الراهن.
وذلك لأن هذه الحركات والمظاهرات تقدم قائمة بمطالب ومثل عليا ترغب في تحقيقها لتحسين حياة الناس ورفع الظلم عنهم إلا أنها تفتقر إلى رؤية واضحة ومسار محدد، فضلا عن نموذج سياسي بديل موثوق، مع حلول اقتصادية واجتماعية سليمة صحيحة لتحقيق هذه الأهداف. وعلى سبيل المثال، يقول مويسيس نايم، وهو محرر مساهم في مجلة ذي أتلانتك: “هناك محرك سياسي قوي يعمل في شوارع العديد من المدن. هو يتحرك بسرعة كبيرة وينتج الكثير من الطاقة السياسية. لكنه محرك ليس مرتبطا بعجلات. وبالتالي فإن “الحركة لا تتحرك”. وعلى سبيل المثال أيضا، غالبا ما يدعو الناشطون إلى سياسات جديدة لا تطالب إلا بإصلاح جزئي في دولهم، مع المحافظة على الإطار العام للنظام الرأسمالي – على الرغم من حقيقة أن هذا النظام كله لا شيء فيه صالحاً. أو أنهم يدعون إلى تغيير ضمن ذات إطار النظام الديمقراطي، بحجة أنه ينبغي أن يكون هناك تحسين في أسس الدول الديمقراطية لمحاربة سلطة الشركات أو السياسات الرأسمالية المجحفة. ومع ذلك، فهم يفتقرون إلى نقطة كون النظام الديمقراطي، حيث التشريع للبشر، قد فتح الباب على مصراعيه أمام النخبة الحاكمة لتضع قوانين تحافظ بها على ذاتها، وربحها الخاص ولتعود الفائدة على الأثرياء وأصحاب القوة لا العامة من الناس.
وعلاوة على ذلك، يبدو أن أولئك الذين يؤيدون النظام الاشتراكي ليكون بديلا عن النظام الرأسمالي يتجاهلون الفشل التام للتجربة الاشتراكية في بلدان مثل كوبا وفنزويلا حيث يعيش الكثيرون الآن في فقر مدقع، وفي بلدان كفرنسا واليونان والأرجنتين وأماكن أخرى حيث فشلت الأحزاب الاشتراكية في معالجة الأزمة الاقتصادية في بلدانهم. وفي بريطانيا، يبدو أن أولئك الذين ينظرون إلى رئيس حزب العمال الاشتراكي جيرمي كوربين كمسيح جديد، وأن باستطاعته معالجة المظالم الاقتصادية والمصائب في البلاد، قد نسوا بأن الحكم الاشتراكي في بريطانيا في السبعينات أدى إلى “شتاء السخط” عندما انفجرت الإضرابات وأطاحت بسياسة ضبط النفس وجعلت البلاد تجثو على ركبتيها. وقد نظمت هذه الاضطرابات من قبل نقابات عمالية قوية معارضة لتحصيل الأجور من حكومة حزب العمال الاشتراكية آنذاك للسيطرة على التضخم. لذلك فإن الاشتراكية لا تقدم إلا “وهما سياسيا يدغدغ الشعور” لمواجهة المآسي التي تسببها الرأسمالية.
والواقع هو أن النظم الرأسمالية والاشتراكية قد فشلت جميعا في تنظيم اقتصاداتها لضمان العدالة والازدهار الاقتصاديين اللذين يتميزان بالاستدامة ويتمتع بهما الجميع لا القلة فحسب. إن النظام الاقتصادي الإسلامي الذي تطبقه الخلافة على منهاج النبوة هو النظام الوحيد الذي سجل نجاحا دائما في حل مشكلة الفقر، فضلا عن تحقيق الازدهار الاقتصادي في الدولة. ويرجع ذلك أولا إلى المبنى الأساسي للنظام والذي يركز على التوزيع الفعال للثروة عوضا عن التركيز على الإنتاج (كما هو الحال في الرأسمالية)، وثانيا إلى مجموعة المبادئ والقوانين الاقتصادية المتينة الرصينة التي تحقق توزيعا عادلا للثروة، وجيلا من الازدهار. ويشمل ذلك حظرا للفائدة وتوزيعا للثروة على نحو يمنع تكدسها في أيدي قلة قليلة، وتحريم خصخصة الموارد العامة، وضمان استفادة الجميع من الموارد، وتطبيق نظام الذهب النقدي الذي يمنع التضخم، ونظاما ضريبيا منخفضا يشجع على الاستثمار والتوسع في الأعمال التجارية والعمالة. ولذلك فإن الخلافة على منهاج النبوة وحدها النظام السياسي البديل الموثوق الذي يمكنه أن يضع حدا لمآسٍ خلفتها الرأسمالية العالمية.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير