أسباب فشل تنظيم الدولة والإمارات الإسلامية في الصمود
الخبر:
هنأ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي بتحرير الموصل من تنظيم “داعش”، داعيا إلى تأمين المناطق المحررة ومنع عودة التنظيم إليها.
وأعلن البيت الأبيض اليوم في بيان صحفي، أن ترامب اعتبر، في مكالمة هاتفية مع العبادي، أن النصر في الموصل “علامة فارقة” في المعركة ضد التنظيم.
وأشاد ترامب ببطولة الجنود العراقيين والأمريكيين في المعارك، مجددا التزام بلاده بإحراز الهزيمة الكاملة ضد التنظيم.
وكان العبادي أعلن أمس، من الموصل، تحرير المدينة بالكامل على يد القوات العراقية من قبضة “داعش”.
التعليق:
أعلن تنظيم الدولة الإسلامية خلافته المزعومة في 29/6/2014 وبايع أبا بكر البغدادي خليفة وسيطر على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا، ولكنه فقد خلال عام واحد، أي من عام 2014 إلى عام 2015 ما بين 25 إلى 30 بالمائة من أراضيه في العراق بعد قيام تحالف من دول عربية واستعمارية على حربه.
وظل التنظيم في حالة كر وفر مرة يخسر أراضيه ومرة يسترجعها ويكسب أراضي جديدة كالأنبار عام 2015، ولكنه بعد مجيء ترامب وإعلانه حربا حقيقية على التنظيم خسر التنظيم معظم الأراضي التي بين يديه.
والسؤال هنا لماذا خسر تنظيم الدولة الإسلامية رغم أنه أعلن خلافته الوهم وأنه يريد تطبيق الإسلام ووصل إلى المصير نفسه الذي وصلت إليه الإمارات الإسلامية بدءا بأفغانستان إلى الجزائر إلى الصومال إلى مالي.
إن الملاحظ للإمارات التي قامت يجد أنها لا تحمل مشروعا إسلاميا متكاملا، وإنما تحصر الإسلام في الحدود والأخلاق والعبادات والملبوسات والمطعومات، أما المعاملات المتمثلة في نظام الحكم والاقتصاد والتعليم والسياسة الخارجية فلا يوجد عندها شيء واضح، وهي لا تخرج في تطبيقها للإسلام عما فعلته طالبان، وذلك بإجبار الناس على تطبيق الفهم الضيق للإسلام الذي تتبناه.
وكان الأصل أن تستعين بمن لديهم مشروع متكامل لدولة الخلافة، الذين درسوا كل صغيرة وكبيرة في كل ما يتعلق بدولة الخلافة والذين لديهم باع طويلة في الفهم السياسي للدول الكبرى وألاعيبهم ومؤامراتهم وتضليلهم…
الأمر الآخر الملاحظ على هذه الحركات أنهم لا يفرقون بين الإدارة المدنية والإدارة العسكرية، ومن المعروف أن الدولة إذا حكمها العسكريون عانت من أسوأ أنواع الحكم في العالم، لذا يجب أن يظل المقاتلون في جبهات القتال، أما المدن فيجب أن يديرها المدنيون ويحكمها السياسيون حسب أحكام الشريعة.
أمر آخر هو الوقوع في الأخطاء التاريخية نفسها التي وقع بها المسلمون قديما، فقد وقع المسلمون قديما في فتنة خلق القرآن عندما قام خلاف بين العلماء في قضية هل القرآن مخلوق أم لا، فتبنى المأمون قضية “أن القرآن مخلوق” وأجبر العلماء على تبني هذه العقيدة، فأحدث فتنة بين المسلمين سجن على أثرها أحمد بن حنبل وعُذب في السجن، ولو أن المأمون ترك القضية للعلماء لتبين وجه الصواب فيها دون حدوث فتنة، وكذلك تنظيم الدولة تبنى آراء في العقيدة ظنية وألزم الناس بها، وصار يتهم من لا يرى رأيه بالكفر، فيسفك دمه ويستبيح ماله، ولم يكتف بذلك بل تبنى أحكاما شرعية خلافية تتعلق بالسلوك الشخصي مثل وجوب إعفاء اللحية ولبس الدشداش القصير للرجال وغطاء الوجه للمرأة، وإجبار الناس على ذلك، مما أدى إلى نفور الناس منهم، وكان الأولى أن يترك ذلك لاجتهاد المجتهدين، وأن لا يتبنى إلا فيما يتعلق بالحكم والاقتصاد والاجتماع والتعليم والسياسة الخارجية فقط، بعد عرض فهمه على الناس ومناقشته معهم قبل أن يقر ذلك في قوانين ويجبر الناس على العمل بها.
أمر آخر عدم فهم الأحكام الشرعية المتعلقة بالتجارة الخارجية فقاموا ببيع الغاز والبترول إلى النظام السوري وإلى الدول الأخرى مما أوجد لدى النظام القدرة على صناعة البراميل المتفجرة التي قتلت مئات الألوف من الشعب السوري.
أمر آخر وهو الاعتماد الكلي على القتال والصدمة والترويع وتشويه أحكام الإسلام في نفوس الناس، مع أن دولة الخلافة هي الرحمة المهداة للعالمين، التي تجمع ولا تفرق والتي تكسب القلوب قبل كسب الأراضي والسلاح، ولو اعتمد تنظيم الدولة كسب معاركه السياسية لَكَسِبَ تأييد الناس والفصائل له ووقوفهم إلى جانبه ولكنه قام يكفّر ويقاتل أقرب الناس له “النصرة” مما دفع الناس للخوف منه.
لا بد من البعد عن تقاطع المصالح والتذاكي على قوى الكفر، ولا يظن تنظيم أو فصيل أنه يمكنه الاستفادة من الدول بالحصول على السلاح والمال ثم يقلب لهم ظهر المجن، بل هم القادرون على استغلاله إلى أبعد الحدود والتخلص منه عند نهاية صلاحيته!
ولن ينتصر فصيل مسلح إلا إذا أخلص النية لله وحده وخلع يده من كل دولة إقليمية أو دولية ورفض المال السياسي القذر والتزم بالحكم الشرعي فقط، حتى لو اضطر أن يضع الحجارة على بطنه، فالله لا يقبل إلا العمل الخالص لوجه الكريم ولا يقبل شريكا.
وأخيرا إن التشويه الذي حصل من تنظيم الدولة للخلافة جعل الناس يقفون في خندق العدو لقتال بعضهم بعضا، وكان ذلك سببا في وقوع المسلمين ضحايا التضليل الإعلامي فأصبحوا لا يفرقون بين عدوهم وصديقهم، وهذه من أعظم الفتن التي تعرض المسلمون في الوقت الحاضر.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه… آمين
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نجاح السباتين – الأردن