الأردن ومأزق معارك أبو تايه
الأردن ومأزق معارك أبو تايه
الخبر:
أصدرت محكمة أمن الدولة في الأردن حكما بالأشغال الشاقة مدى الحياة على الجندي معارك أبو تايه بعد إدانته بتهمة القتل القصد لثلاثة جنود أمريكيين في قاعدة الجفر الجوية.
التعليق:
بعد أن كانت الحكومة الأردنية قد أعلنت أن الجندي معارك أبو تايه كان قد طبق قواعد الاشتباك العسكري وأنه قام بواجبه أثناء تأدية الخدمة والتي نتج عنها مقتل ثلاثة من الجنود الأمريكيين في قاعدة الجفر الجوية، إلا أن الحكومة الأردنية وتحت ضغوط سياسية كبيرة من أمريكا أعادت النظر في موقفها وحكمت على الجندي الأردني خلافا لما تفعله أمريكا نفسها مع جنودها حين يرتكبون جرائم قتل في قواعدهم التي يديرونها سواء داخل أمريكا أو خارجها، كما حدث في قضايا القتل والاغتصاب التي ارتكبها جنود أمريكيون في اليابان وألمانيا…
وأثار الحكم الصادر بحق الجندي معارك أبو تايه قبيلة الحويطات التي ينتمي لها معارك أبو تايه وهي من أكبر قبائل جنوب الأردن، ولها ينتمي عودة أبو تايه الذي رافق لورنس العرب في حربه ضد الجنود العثمانيين في حامية العقبة ومعان، وهو من أوائل من أيد مجيء الأمير عبد الله إلى الأردن وتنصيبه أميرا لإمارة شرق الأردن الانتقالية، وكان يسمى عودة أبو تايه الأمير من قبل لورنس العرب.
ولا يخفى على أي سياسي ذي خبرة ولو بسيطة في مداخل الأعمال السياسية أن الحكم الصادر بحق الجندي معارك سوف يثير حفيظة القبيلة التي تعتبر نفسها أم الحكم وحاميته في الأردن. وذلك ما حصل بالفعل حيث تحرك أبناء عشائر الحويطات ومعهم عشائر أخرى للتنديد بالحكم واتهام الحكومة بتنفيذ قرارات سياسية أملتها عليها أمريكا.
كذلك لا يخفى أن أمريكا نفسها تعلم أن الحكم على الجندي سوف يسبب قلاقل ليست هينة لحكومة الأردن وللعائلة الحاكمة، أي للملك نفسه. فالمتتبع للسياسة الأمريكية المتعلقة بالأردن يجد أنها خلال الأعوام السابقة تعمل على الزج بالأردن في أزمات متلاحقة قد تؤدي إلى هز كيانها السياسي بحيث يسهل إحكام الهيمنة الأمريكية عليه.
فقد حاولت أن تزج بالأردن في معركة ميدانية مع تنظيم الدولة حين قامت الأخيرة بإعدام الطيار معاذ الكساسبة. ويذكر أن خبر الإعدام قد جاء في اللحظة التي كان ملك الأردن مجتمعا مع باراك أوباما في البيت الأبيض وعاد من أمريكا متحمسا لحرب تنظيم الدولة. إلا أن بريطانيا ساعدت الملك على الخروج من المأزق ولم يتورط الأردن في حرب التنظيم. ثم رفض الأردن وبكل حزم دخول قواته البرية إلى الأراضي السورية بحجة إقامة مناطق آمنة فيها، وبالتالي التورط بحرب برية. وبعد مجيء ترامب لحكم أمريكا عاود الكرة لإقحام الأردن بمعركة قد تزلزل النظام حتى وإن نجحت عسكريا، وامتدح ترامب الأردن بقوله إن في الأردن جنوداً شجعان. وهكذا لم تترك أمريكا فرصة إلا اتخذتها لإيجاد أرضية خصبة لزعزعة النظام في الأردن. ولا تزال تمسك أمريكا بصاعق قنبلة موقوتة وهي الديون المتراكمة على الخزينة، والتي يكفي أن يقوم البنك وصندوق النقد الدوليين بمطالبة الأردن بمزيد من الإصلاحات ورفع الأسعار وعدم جدولة الديون المتراكمة.
والآن وجدت أمريكا في قضية الجندي معارك فرصة ذهبية للزج بنظام الحكم في الأردن في أتون الصراع مع كبرى القبائل والتي تعتبر نفسها من مؤسسي المملكة ومن أهم دعائم الحكم فيها. فالحكم على معارك بالسجن مدى الحياة ليس له قيمة مهمة لدى أمريكا خاصة وأن تبرير العملية من الناحية العسكرية معقول. وكان من الممكن أن تقبل أمريكا بتعويض مادي تدفعه الحكومة بكل سرور كما حصل مع أحمد الدقامسة حين قتل سبعة من يهود في الباقورة. وأمريكا لا تجهل أبدا نتائج هذا الحكم على زعزعة نظام الحكم في الأردن وإعادة النَّفَس ونفخ الحياة في الحراك الذي جمد منذ فترة ليس في الأردن فحسب بل في العالم العربي كله.
إن النظام في الأردن قد اتخذ مواقف عدائية من شعبه سواء على الصعيد الاقتصادي الذي أرهق حياة الشعب وزاد من فقره وشظف عيشه، أم على الصعيد السياسي الذي لا يزال يقف لكل مطالب الناس الإصلاحية بالمرصاد، وبدل أن يتجاوب معها إيجابيا عمد إلى إصدار قانون عقوبات مغلظ يجعل ما بين السجن وبين الشخص كلمة أو تعليقا ولو حتى إعجابا على صفحات الفيسبوك. ولذلك لا يوجد ما يجعل المرء يتحسر على هذا النظام سواء بقي أم زال. ولكن الذي يثير الامتعاض أن هذا النظام نفسه لا يهتم بذاته وقوته واستقراره. فهو إذ حكم على معارك بالأشغال الشاقة المؤبدة يكون قد حكم على نفسه بالإعدام شنقا حتى الموت. وإذا كان في النفس أسفٌ على هذا المصير فإنه أسف على انتقال الأردن من يد سيد إلى يد سيد أبشع!
من هنا فإننا نهيب بأبناء العشائر الأردنية إذ يتحركون اليوم لنصرة ابنهم معارك، أن يعتبروا كل فرد في الأردن بحاجة إلى نصرة كما هو معارك، وأن الأردن يحتاج لمن ينصره كما هو معارك، وأن الأقصى يحتاج لمن ينصره كما هو معارك، وأهم من كل ذلك أن الإسلام دين الله وشريعته الغراء تحتاج لمن ينصرها كما هو معارك. فلا تعملوا على تمكين أمريكا من بسط نفوذها الكامل على الأردن، بل اعملوا على استئصال نفوذ بريطانيا وأمريكا كليهما من الأردن وإعادة نفوذ الإسلام وشرع الله لهذا البلد المبارك.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحب التحرير
د. محمد الجيلاني