الموصل… تدمير ممنهج ومدنيون يدفعون ثمن “النصر الكبير”!
الموصل… تدمير ممنهج ومدنيون يدفعون ثمن “النصر الكبير”!
كشفت صحيفة الإندبندنت البريطانية يوم الأربعاء 2017/7/19 نقلا عن وزير المالية العراقي السابق هوشيار زيباري أن أكثر من أربعين ألف مدني قتلوا في معارك استعادة الموصل من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وهو رقم يفوق بكثير التقديرات السابقة. وفي مقابلة خاصة مع الصحيفة قال زيباري نقلا عن تقارير لأجهزة الاستخبارات الكردية إن آلاف القتلى سقطوا بنيران القوات العراقية البرية خاصة قوات الشرطة الاتحادية، وكذلك بالغارات الجوية التي كان ينفذها التحالف الدولي بقيادة أمريكا، إضافة إلى القتلى على أيدي عناصر تنظيم الدولة. وقال زيباري إن أعدادا هائلة من جثث الضحايا لا تزال مدفونة تحت الأنقاض، مشيرا إلى أن معاناة السكان كانت كبيرة جدا.
وأوضح أن استخدام القوات العراقية للمدفعية الثقيلة بشكل تعسفي كان السبب الرئيسي للدمار في غربي الموصل، وهو ما يظهره حجم الدمار في الطوابق السفلية من البنايات، بعكس ما كان يعتقد من أن القصف الجوي هو الذي تسبب بالكم الهائل من الدمار. كما أشار إلى أن أعدادا كبيرة من المدنيين سقطوا بنيران قناصة تنظيم الدولة، وقال إن المخابرات اعترضت رسائل “من مقاتلي تنظيم الدولة إلى قادتهم قالوا فيها إنهم تعبوا من قتل المدنيين”.
إن هذه التصريحات وما ورد فيها من إحصائيات تظهر حقيقة “النصر الكبير” الذي أعلنه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على تنظيم الدولة بعد 10 أشهر من الحرب، حرب أتت على الأخضر واليابس ولم يسلم منها البشر ولا الحجر، حرب زعم مشعلوها أنها لمحاربة تنظيم الدولة والقضاء على (الإرهاب)، وإذا بهم يدمرون البلد ويحولون حياة أهلها إلى جحيم، فأعداد القتلى وأغلبهم من النساء والأطفال تجاوزت الآلاف، بل عشرات الآلاف حسب تصريحات زيباري، وكثير من هذه الجثث لا زالت ملقاة في الشوارع، فيما تجاوزت أعداد الجرحى المئات، وفي تصريحات لحميدة رمضاني نائبة ممثل منظمة اليونسيف في العراق فإن أحد الأطباء أبلغ المنظمة بأن الرضع ممن تقل أعمارهم عن أسبوع واحد والأطفال والأمهات يخرجون من المعارك وهم جرحى وتغطيهم الأتربة والأوساخ، وبعضهم يعاني من سوء التغذية، مشيرة إلى أن هذا هو الثمن الذي يدفعه الأطفال الذين عاشوا قرابة عشرة شهور تحت وطأة القتال العنيف.
هذا عدا عن تدمير البنية التحتية حيث تشير الإحصائيات التي تم تداولها من قبل بعض المنظمات الدولية إلى تعرّض المدينة، أثناء “تحريرها”، لتدمير بنسبة 80٪ تشمل 9 مستشفيات من أصل 10 و76 مركزا صحيا من أصل 98 وكل جسور المدينة وتدمير 308 مدارس و12 معهدا وجامعة و4 محطات كهرباء و6 محطات للمياه ومعمل أدوية و63 دار عبادة بين مسجد وكنيسة و212 معملا وورشة و29 فندقا ومعامل الغزل والنسيج والكبريت والإسمنت والحديد ناهيك عن آلاف المنازل التي سويت بالأرض. (أخبار الآن 2017/7/13)
ووسط هذا الدمار اضطر أكثر من مليون و48 ألفاً – حسب تقديرات المنظمة الدولية للهجرة – إلى النزوح من المدينة، والسكن في مخيمات تفتقر لمقومات الحياة، وتقول المنظمة بأن 55% من النازحين من الموصل أطفال، هذا لمن حالفه الحظ واستطاع الخروج من المدينة، فيما بقي مئات الآلاف من المدنيين أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن محاصرين بين فكي كماشة تنظيم الدولة والقوات العراقية في المدينة القديمة غربي الموصل، وبحسب اليونسيف فإن هذا الحصار عرض حياة 100 ألف طفل للخطر، وجعلهم في مرمى النيران، يُقتلون ويُجرحون ويستخدمون دروعاً بشرية، بل يجبرون في بعض الحالات على المشاركة في القتال، وقد عبرت اليونسيف في تقريرها عن حال الأطفال في المناطق المحاصرة في الجانب الغربي من الموصل بقولها: “يختبر الأطفال ويشهدون عنفا فظيعا لا يجدر بإنسان أن يشهده”. فيما أعلنت منظمة “أنقذوا الأطفال” أن أطفال الموصل يعانون من أعراض الصدمة النفسية. وخلص التقرير الذي نتج عن دراسة شملت عشرات الحالات من الأطفال النازحين عن المدينة أن أغلبهم يعاني من الكوابيس وعدم القدرة على إظهار مشاعرهم.
وقد أدت الحرب إلى حرمان الكثير من الأطفال من التعليم إما بسبب تدمير مدارسهم أو نزوحهم عن مناطق سكناهم وعدم توفر مدارس في المخيمات حيث تشير التقارير إلى أن نصف الأطفال في مخيمات النازحين لا يحصلون على أي تعليم رسمي، إضافة إلى أن الحرب حولت العديد من الأطفال إلى أيتام يجب عليهم العمل لإطعام أنفسهم وإطعام عائلاتهم وهو أمر دفعهم للتسرب من المدارس، وتقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة أن حوالي 1.2 مليون طفل عراقي لا يذهبون للمدارس على مستوى البلاد. وهو أمر يؤدي إلى ضياع جيل بأكمله.
كان هذا غيضاً من فيض ما خلفته الحرب المزعومة على تنظيم الدولة، والتي كان المدنيون ولا سيما النساء والأطفال الحلقة الأضعف فيها، ودفعوا فاتورتها الباهظة، وكانوا ضحايا للإرهابيين الذين ادعوا زوراً وبهتاناً أنهم جاؤوا لمحاربة (الإرهاب).
إن هذا الدمار الذي حلّ بالموصل، وهذا الاستهداف الممنهج للمدنيين والمجازر التي ارتكبت بحقهم، يدل على أن هدف أمريكا ومن لف لفيفها من الحكام العملاء والمليشيات والأحزاب الطائفية من هذه الحرب هو خدمة أجنداتها الاستعمارية وتنفيذ مخططاتها الرامية إلى تقسيم العراق طائفيا، ويدل أيضاً على أن قضيتها ليست مع تنظيم هنا أو هناك بل مع الأمة الإسلامية التي تخشى أن تستعيد مكانتها فتقضي عليها وعلى حضارتها، ولهذا رأيناها تحشد الحشود وتجند الدول والأتباع تحت مسمى “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب” وتستهدف أهل الشام وثورتهم وتستهدف أهل العراق، وتدمر حواضر الدولة الإسلامية الأولى وعواصم خلافتها، سعياً منها لإجهاض حركة الأمة ومنع عودتها عزيزة موحدة في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ولكن خابوا وخسروا فرغم فداحة المصاب وعظمة التضحيات، فإننا على ثقة بقرب نصر الله وأنه سيظهرنا عليهم، وسيحقق لنا وعده بالاستخلاف والتمكين في الأرض، قال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم: براءة مناصرة