شارلوتسفيل تكشف عنصرية ترامب والنظام الأمريكي
شارلوتسفيل تكشف عنصرية ترامب والنظام الأمريكي
الخبر:
قتلت امرأة وجرح 19 شخصا حين صدمت سيارة حشدا يشارك في مسيرة مضادة لمسيرة لليمين المتطرف في مدينة شارلوتسفيل في ولاية فرجينيا. ودان الرئيس ترامب ما سماه “العنف من قبل أطراف عديدة”، لكنه لم يوجه إدانة لليمين المتطرف. (بي بي سي 2017/8/13)
التعليق:
كيف نفسر التأييد الضمني لرئيس أمريكا دونالد ترامب للمتظاهرين العنصريين في مدينة شارلوتسفيل- بولاية فرجينيا الذين تظاهروا في 2017/8/12 لمنع إزالة تمثال الجنرال (روبرت لي) قائد جيش القوات الكونفيدرالية في الحرب الأهلية الأمريكية (1860-1865م)؟
في هذا التصريح، والذي كان مكتوبا، أي كتبه غيره له، ساوى ترامب بين الجلاد والضحية، إذ اعتبر أنّ العنف كان متبادلا من الطرفين، وهذا يعني تبرئة لليمين المتطرف. علما أن أنصار اليمين المتطرف، ومن بينهم النازيون الجدد وأتباع عصابة الكو كلاكس كلان KKK، كانوا قد تظاهروا مساء الجمعة عند تمثال الجنرال (لي) ونادوا بشعاراتهم العنصرية التي تحض على استعادة الطابع الأبيض لأمريكا، وهذا يعني التخلص من الآخرين من سود ويهود ومهاجرين على مختلف أعراقهم.
ومن المعروف أن ترامب كان دوما سريعا في التنديد بـ”الإرهاب الإسلامي”، سواء في التنديد بالهجوم الذي وقع في باريس في تشرين الثاني 2015، أو في حادثة أورلاندو- فلوريدا في حزيران 2016 حين سارع بالدعوة إلى التصدي (للإرهاب) الإسلامي والقضاء عليه. بينما صمت، وهو المعروف بسرعة التغريد على التويتر، صمتا مدويا في وجه أحداث شارلوتسفيل التي ألهبت الرأي العام الأمريكي، خاصة حين صرح جيمس دوك، وهو الزعيم السابق لعصابة الـ KKK، بأن المتظاهرين، الذين كان هو وسطهم، إنما يحققون وعد ترامب الانتخابي بـ”إعادة أمريكا العظيمة”، وهو شعار ترامب الذي توج به حملته الانتخابية، وقد ارتدى بعض المتظاهرين قبعات تحمل هذا الشعار.
نعم الأمر له جانب يكشف عن شخصية ترامب التي تتضمن بعدا عنصريا في تكوينها، ولكن المسألة أكبر من البعد الشخصي: إن ما حدث يكشف عن عورة النظام الأمريكي في الصميم؛ فهذا النظام الذي قام على أساس الدستور (الذي صيغ سنة 1776م) الذي يكفل، بزعمهم، الحريات ويحمي الحقوق المتساوية للجميع بغض النظر عن أعراقهم وأجناسهم، إلا أن هذه الكفالة الدستورية ليست أكثر من صورية تتصادم مع الوقائع الناطقة. وتأتي هذه الحادثة (شارلوتسفيل) لتكشف عن حقيقة الأزمة العميقة الجذور في المجتمع الأمريكي، إذ يتغاضى الرئيس، وهو الذي أقسم على حماية الدستور أمام أعلى سلطة قضائية في البلاد، عن هذه الجريمة التي ارتكبت في وضح النهار.
نحن هنا نتكلم عن ضحية واحدة سقطت في حادثة دهس بالسيارة في مدينة أمريكية. وهذه الضحية سيدة أمريكية وبالتالي أثارت هذه الضجة. بينما يعرف العالم كله أن أمريكا بنيت وأسست من أول يوم على أشلاء وجماجم سكان البلاد الأصليين (المعروفين بالهنود الحمر)، واستمرت سياساتها العنصرية إلى الآن، سواء في عهد ترامب أو سابقيه من الرؤساء، ومن ذلك إلقاء القنابل الذرية على هيروشيما وناغازاكي (ونحتاج إلى سجلات طويلة لمسلسل الإجرام الاستعماري المستمر حتى اللحظة؛ من فيتنام إلى أمريكا اللاتينية إلى سوريا والعراق وأفغانستان واليمن). ولكن الفارق، بنظر الساسة الأمريكان أن ضحاياهم هؤلاء مهدورة دماؤهم مستباحة أرواحهم، ولا عصمة إنسانية لها.
وهذا ما يفسر موقف الرئيس الأمريكي ترامب بعدم إدانة العنصريين من اليمين المتطرف؛ فهو، ضمنا يؤيد مسعاهم، وإن كان يخجل من التصريح بذلك، أما إبادة المسلمين تحت مسمى محاربة (الإرهاب) فهذا أمر لا غضاضة فيه عند ترامب وعند أقرانه من الساسة الأمريكان بل وعامة الساسة الغربيين.
ونحن نؤكد على أن البشرية بحاجة إلى رسالة الإسلام القائمة على الوحي الرباني الخالد بما فيه التشريع المنزه عن أهواء المشرعين ورغباتهم والمصالح الفئوية الضيقة التي يقوم عليها التشريع الوضعي. وعسى أن يكون قريبا.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتور عثمان بخاش
مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير