مع الحديث الشريف – 1- باب رفع الأمانة
مع الحديث الشريف – 1- باب رفع الأمانة
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني بتصرف في “باب رفع الأمانة”
حدثنا محمد بن سنان حدثنا فليح بن سليمان حدثنا هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ” قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ”
قوله (باب رفع الأمانة) هي ضد الخيانة والمراد برفعها إذهابها بحيث يكون الأمين معدوما أو شبه المعدوم.
قوله (إذا أسند) قال الكرماني أجاب عن كيفية الإضاعة بما يدل على الزمان لأنه يتضمن الجواب لأنه يلزم منه بيان أنّ كيفيتها هي الإسناد المذكور وقد تقدم هناك بلفظ “وسد” مع شرحه والمراد من “الأمر” جنس الأمور التي تتعلق بالدين كالخلافة والإمارة والقضاء والإفتاء وغير ذلك، وقوله “إلى غير أهله” قال الكرماني: أتى بكلمة “إلى” بدل اللام ليدل على تضمين معنى الإسناد.
قوله (فانتظر الساعة) الفاء للتفريع أو جواب شرط محذوف أي إذا كان الأمر كذلك فانتظر، قال ابن بطال: معنى (أسند الأمر إلى غير أهله) أن الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصيحة لهم فينبغي لهم تولية أهل الدين، فإذا قلدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي قلدهم الله – تعالى – إياها.
لقد استهان كثير من الناس بالأمانة حتى أضحوا لا يهتمون بها ولا يلقون لها بالا، مع أن أمرها عظيم وشأنها كبير، ولعل ذلك يرجع لعدم إدراك واقعها وما يترتب من الإثم على مضيعها. فلو كان هناك وازع الدين لدى كثير من الناس لما فرطوا بها.
فقد اختزل بعض المسلمين مفهوم الأمانة بالودائع التي تؤمن عند الناس، إلا أنها أعم من ذلك وأشمل. فالصلاة أمانة والزكاة أمانة، وسائر شعائر الدين أمانة. وكل عضو من جسد الإنسان أمانة، فاليد والرجل والفرج والبطن وغير ذلك أمانة، فلا تأت الحرام من قبل ذلك، وإلا أصبحت مفرطاً فيما ائتمنت عليه، وكل أمر ونهي طلبه الله تعالى أمانة.
أيها المسلمون:
إن من أعظم الأمانة، الأمانة التي أنيطت بالحكام والرؤساء، فأمانتهم تشمل الرعية كاملة وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: “ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة”. نعم إنها الأمانة الكبرى التي ما بعدها أمانة. فبضياعها يضيع كل شيء، تماما كما في هذا الزمان الذي تعيشه الأمة، من توسيد الأمر لغير أهله من العصاة والفسقة العملاء والمجرمين والظالمين، والمنافقين العلمانيين بل وحتى من الكفرة الفجرة، الذين يستغلون مناصبهم لاستغلال المسلمين. ألا ترون إلى ما يحدث في سوريا وفي كل بلاد المسلمين؟ ألا ترون كيف يقتلون بأيدي حكامهم؟
فيا عجباً لأمر الأمة اليوم، عرفت الباطل فاتبعته، وأدركت الخطر فاقتحمته، إنها كالجنادب تتهافت على النار. هلا عدت أيتها الأمة الكريمة لرشدك؟ هلا أدركت الخطر من تضييع الأمانة؟ بل هلا عرفت الأمانة الكبرى التي ضاعت؟ إنها الخلافة. فهلا عملت مع العاملين لإعادتها؟ نسأل الله أن تكون قريبة.
اللهمَّ عاجلنا بخلافة تلم فيها شعث المسلمين، ترفع عنهم ما هم فيه من البلاء، اللهمَّ أنرِ الأرض بنور وجهك الكريم. اللهمَّ آمين آمين.
احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: أبو مريم