Take a fresh look at your lifestyle.

الإعلام في كنف الدّيمقراطية أعور وجرائم الرأسمالية تحت عباءته تتستّر

 

الإعلام في كنف الدّيمقراطية أعور

وجرائم الرأسمالية تحت عباءته تتستّر

 

 

 

الخبر:

 

نشر موقع “بي بي سي عربي” في 3 أيلول/سبتمبر مقالا منقولا عن صحيفة الغارديان بعنوان “اليمن كارثة أسوأ من تكساس ولا أحد يتحدث عنها” حول اهتمام وسائل الإعلام العالمية بإعصار هارفي في تكساس وإغفالها كوارث أكثر قساوة ودمارا في مناطق أخرى من العالم. ويذكر كاتب المقال أن عدد قتلى هارفي 44 شخصا من تكساس، وعدد المنكوبين الذين تركوا منازلهم ونقلوا إلى الملاجئ نحو 32 ألف شخص، منذ بدء الإعصار في الأسبوع الماضي. وبالرغم من أن عدد المتضررين قليل مقارنة بالدمار الذي أحدثته الفيضانات جنوبي آسيا في الفترة نفسها، إذ قتل 1200 شخص، وشردت السيول الكثيرين شمالي الهند، وجنوبي نيبال، وشمالي بنغلاديش، وجنوبي باكستان إلا أن التغطية الإعلامية تجعل من فيضانات هارفي أسوأ كارثة إنسانية مع أن الأمم المتحدة قد أعلنت في تموز/يوليو أن أكبر كارثة إنسانية في العالم هي في اليمن.

 

التعليق:

 

يعتبر الإعلام بمختلف أصنافه؛ المقروء والمسموع والمرئي والإلكتروني همزة الوصل بين المعلومة والمتلقي وعلى أساس المعلومات المقدّمة يتشكّل الرأي العام عند الناس، إلا أن وسائل الإعلام الحالية تفتقد المصداقية في نقلها للأخبار؛ إذ تسلّط المجهر على وقائع دون أخرى وتحرّف المعلومة أو تقدّمها منقوصة بهدف تضليل الناس.

 

وعلى سبيل المثال ما يحصل في اليمن خلال الحرب الدائرة على مدار عامين: فبالرغم من أن 80٪ من الأطفال في اليمن هم في أمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية حسب تقارير الأمم المتحدة، ويُصابون بالكوليرا بمعدل طفل واحد كل 35 ثانية وفقا لليونسيف، إلا أنهم يُصنّفون ضحايا حرب منسيّة ولا يحظون بتغطية إعلامية مكثفة مقارنة بحوادث عابرة كفيضانات هارفي. وبالرغم مما خلفته “عاصفة الحزم” من دمار وشرذمة وقتل للمدنيين الأبرياء إلا أن قناة الجزيرة على سبيل المثال لم تسلّط عدسات كاميراتها على هذه المأساة إلا بعد خروج قطر من التحالف العربي بغرض فضح السعودية! كما لم يحظ مقتل 12 شخصًا في حادثة “شارلي إيبدو” الفرنسية ومقتل العائلة المسلمة في أمريكا في حادثة “تشابل هيل” المتقاربين زمنيّا بنفس الاهتمام وسرعة كشف ملابسات الجريمة؛ مما ينمّ عن تفرقة وعنصرية وتمييز في التغطية الإعلامية.

 

إن هذا التعاطي الإعلامي نفسه حين جُرّد من الموضوعية هو الذي غذّى الإسلاموفوبيا المؤججة في الغرب حين ضخّم حجم التفجيرات أو الهجمات التي حصلت تباعا في العديد من الدول الأوروبية باعتبار أن مرتكبيها مسلمون، بينما غضّ الطرف عن ردّات الفعل الناتجة عن موجات الكراهية والتي ذهب ضحاياها مسلمون واعتبرها حوادث عابرة ولم يصنّفها على أنها جرائم إرهابية!

 

إن سيطرة الدّول الكبرى على المشهد الإعلامي العالمي لا يخفى على أحد وهذا يتجلّى مليّا في غربلتها لما يتم تسويقه لتحقيق مصالحها والتغطية غير المتكافئة للأحداث لأقطار دون أخرى ولأشخاص دون غيرهم لتمرير أجندات معيّنة، وهذا هو نتاج طبيعي للرأسمالية التي كما تضع الثروات بيد قلة قليلة، فإنها تسخّر وسائل الإعلام لخدمة من يدفع أكثر. ويقول “نعومي تشومسكي” في هذا الصدد إن التصور البديل عن الديمقراطية “هو منع الجماهير من إدارة شؤونهم وإبقاء الإعلام تحت هيمنة صارمة وضيقة، ربما يبدو هذا منافيا للديمقراطية ولكن من المهم أن يدرك المرء أن هذا هو المفهوم السائد للديمقراطية.”

 

يُراق دم المسلمين هنا وهناك ويُستهان بشعوب بأكملها ولا يُبلِّغ الإعلام لهم صوتاً ولا يُري لهم حراكاً، بل ويمهّد لاحتلال دول بأكملها من خلال عرض مواد إعلامية تتحوّل لدعاية سياسية تبرّر تدخّل الدول الكبرى كما فعلت أمريكا في العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا. بل إن مصطلح (الإرهاب) ما كان ليلقى هذا الرواج لولا الدعم الإعلامي له ورعايته.

 

إن وقف هذا التزييف للحقائق والتضليل الإعلامي يحتاج إلى دولة قويّة؛ دولة الخلافة على منهاج النبوة، تشرف على إعلام هادف نزيه وترعاه فيقوم بدوره الأصلي في إنارة الرأي العام ويكون منبراً للصدع بالحق ولا يحيد عنه ويتبنى قضايا الأمة ويساعد على نشر الدّعوة الإسلامية في كامل ربوع الأرض.

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

م. درة البكوش

2017_09_08_TLK_4_OK.pdf