الأحزاب تحتاج إلى الإسلام، والإسلام يحتاج إلى دولة يا أستاذ قيس!
الأحزاب تحتاج إلى الإسلام، والإسلام يحتاج إلى دولة يا أستاذ قيس!
الخبر:
بتاريخ الجمعة 2017/09/22 أوردت جريدة العرب تصريحا للأستاذ قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري حول العمل السياسي على أساس الإسلام جاء فيه: أن “الإسلام ليس في حاجة إلى حزب سياسي، ولا يحتاج التونسيون إلى حزب إسلامي أو اعتراف من الدستور، حتى يكونوا مسلمين”.
التعليق:
قبل مناقشة الجزء الأول من الكلام نثمن موقف الأستاذ من اعتزازه بالإسلام ككلّ أهل تونس، وهذا طبعا لا يحتاج تأكيداً، فضلا عن كونه ليس موضوع شك ونقاش، ولكن كان عليه وهو رجل قانون دستوري أن يدرك بأن عقيدتنا وإسلامنا ليس ديناً كهنوتياً، وأنّ السؤال مطروح على غير المسلمين وعجز تشريعاتهم وفسادها (باعتراف العلمانيين أنفسهم). فالأستاذ يدرك أن من مقتضيات الإيمان الالتزام بما ينبثق عنه من معالجات:
تنظم علاقة الإنسان بنفسه (كالمطعومات والملبوسات)
وتنظم علاقات الإنسان بغيره في العقوبات والمعاملات
مثلما تنظم علاقته بربه في العبادات، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾.
ولقد كنّا ننتظر من الأستاذ قيس سعيّد المعتزّ بدينه أن ينكر على من أعرض عن الإسلام (وجهة نظر الأمة) ويروج للعلمانيّة في هذا البلد الطيب بلد عقبة وابن خلدون والطاهر بن عاشور. وكم كنا نود أن لا يقول إن هذا البلد لا يحتاج إلى حزب إسلامي. هذا البلد الطيّب – يا أستاذ – لا يحتاج إلى أفكار العلمانية والليبرالية. كنّا ننتظر منك أن تقول إن منظومة الإسلام التشريعية فيها الكفاية والرعاية وهي أفق أمام المجتهدين للاستنباط من نصوصها ما يستحقونه استنباطا شرعيّا صحيحا لا يخضع إلى مساومات أو توافقات أو ترضيات، واستنباط تحايل للانفلات من الشرع.
أمّا كون الإسلام لا يحتاج إلى أحزاب فقضية مغلوطة تنطوي على مغالطة. نعم الإسلام دين ربّ العالمين لا يحتاج أحدا بل الجميع محتاج إليه. وما فات الأستاذ هنا أنّ الاسلام يوجب قيام حزب أو أحزاب لتقوم بدورها في الدّعوة إلى الإسلام وفي محاسبة الحكّام لقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران].
والأمر بإقامة جماعة متكتلة هو لمجرد الطلب بل للوجوب، فالعمل الذي حددته الآية لتقوم به هذه الجماعة المتكتلة – من الدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – هو فرض على المسلمين أن يقوموا به، كما هو ثابت في كثير من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك، قال r: «وَالَّذِي نَفْسِي بيَده لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أو لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً من عِنْده ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لَكُمْ» [رواه أحمد]، فيكون ذلك قرينة على أن الطلب هو طلب جازم، والأمر فيه للوجوب.
ويجب أن تكون هذه الجماعة المتكتلة حزباً سياسياً، وهذا آتٍ من ناحية أن الآية طلبت من المسلمين أن يقيموا منهم جماعة، ومن ناحية تحديد عمل هذه الجماعة بأنه الدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وعمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شامل لأمر الحكّام بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، بل هو أهم أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو محاسبة الحكام، وتقديم النصح لهم، وهذا عمل سياسي، بل هو من أهم الأعمال السياسية، وهو من أبرز أعمال الأحزاب السياسية. وبذلك تكون الآية دالة على وجوب قيام أحزاب سياسية.
وقد حرّم الإسلام إقامة أحزاب طائفية وأحزاب تدعو إلى العصبية، وحرم التكتل على أساسها والدعوة إليها… وجعل القتال بناء عليها إثماً كبيراً. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» [أخرجه مسلم].
يا أستاذ! “ما يحتاجه” الإسلام هو كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات الإسلامية؛ أي دولة تعتمد عقيدة الإسلام أساسا لكيانها وأجهزتها ومحاسبتها وكل ما يتعلق بها، وأن تكون السيادة فيها للشرع والسلطان للأمة.
وأهلا وسهلا بك وبغيرك في حزب التحرير للاطلاع والمناقشة تحت شعار “إذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا برأيي عرض الحائط”، عسى أن نكون جميعا ضد كل من يعمل على تخريب هذه الأمة، وأنتم من نخبتها فعليكم تحمل مسؤوليتكم، وإنه لمن الواجب أن تحرصوا ومن يكون معكم من المخلصين على هذا البلد.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سليم صميدة