وحده الإسلام القادر على توفير نموذج للدولة قابل للتطبيق والحياة
(مترجم)
الخبر:
على مدى الأسابيع القليلة الماضية، كان تركيز أوروبا على التطورات في كاتالونيا منهكا لها كون ذلك من الممكن أن يشكل سابقة قد تشجع الانفصاليين الآخرين على حذو حذوها. وتنتظر حركات الاستقلال التي تُغذي الحماسة القومية وسياسات الهوية بفارغ الصبر نتيجة الوضع في كاتالونيا.
التعليق:
إن العودة العدوانية للقومية في أوروبا لا تهدد بتفكك الاتحاد الأوروبي فحسب بل تهدد أيضا وعلى نحو متزايد السلامة الإقليمية لبلدان عدة. أولا، كان هناك انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تلاها استعراض للقوة من قبل قوى اليمين المتطرف ذات النزعة القومية في الانتخابات العامة في جميع أنحاء أوروبا. وإلى جانب بريطانيا وهولندا وفرنسا وألمانيا فإن قوى الطرد المركزي هذه نمت بشدة في الآونة الأخيرة وأصبحت خطرا مشؤوما على معاهدة روما. وعلى الرغم من أن الانتخابات الأولى (التعاطف من أجل هوية الدولة القومية) أدت لسنوات عدة إلى انتخابات من الدرجة الثانية (تقارب للهوية الأوروبية) إلا أن عددا قليلا من السياسيين توقعوا مسار الأحداث الحالي. واعتقدت الغالبية العظمى أن التهديد يمكن أن يسيطر عليه.
إذا اعتقدت نخبة أوروبا بطريقة أو بأخرى أنها تستطيع إدارة النزعة القومية المفرطة للدول الأوروبية، فإنها تواجه اليوم الإقليمية في دول تحفزها قوى التدمير ذاتها. الانتخابات من الدرجة الثالثة – التصويت من أجل الإقليمية – يمكن أن يصبح القاعدة الأوروبية الجديدة. وتعليقا على الأحداث الأخيرة في كاتالونيا، تقول باربرا لوير، الأستاذة في المعهد الفرنسي للجغرافيا السياسية في جامعة باريس الثامنة “إن احتمال زعزعة الاستقرار [في بقية أوروبا] كبير جدا”. في رأيها، فإن استخدام القوة من قبل مدريد لكبح الانفصاليين في كاتالونيا هو “هبة من أجل الإقليمية في أوروبا”.
لقد أصبحت حركة استقلال كاتالونيا في طليعة العديد من الحركات الانفصالية الأوروبية. الباسك، والاسكتلنديون، والآيرلنديون، والفلمنكيون يرقبون بفارغ الصبر تكشّف الأحداث في إسبانيا ويخططون لمشاريعهم الخاصة لإقامة الدولة. إن بلقنة أوروبا هي احتمال حقيقي وحكم بالإعدام على نموذج وستفاليا للسيادة القومية.
ويرتبط مصير أوروبا بطرق عديدة بفشل نموذج ويستفاليا للسيادة القومية. ويعتمد هذا النموذج الذي ينظم العلاقات بين الدولة والناس على القومية باعتبارها القوة الملزمة للرعية من مختلف الهويات. ومع ذلك، فإن القوة الملزمة في كثير من الأحيان تقوم على هوية الأمة المهيمنة أو الناس في المجتمع. ففي بريطانيا، يأتي العِرق الإنجليزي، فوق هوية الأسكتلنديين، والأيرلنديين والويلزيين ويملي القوة القومية المهيمنة. وفي ظروف محددة، تكون هوية الدولة المهيمنة أكثر من كافية للحفاظ على الأمة معا، وحتى توفير الوقود للنزعة القومية المفرطة التي يمكن أن تسبب احتكاكا خارجيا شديدا بين الدول، ما قد يؤدي إلى حرب عالمية – الحرب العالمية الأولى والثانية.
وخلال فترات السلم أو الفترات الطويلة من الركود الاقتصادي والتراجع، يمكن للقومية أن تتحول في الغالب إلى الداخل وتسبب مصادمات في الهوية مع الناس من مناطق أخرى داخل الدولة. وبالتالي، فقد كافح الإسبانيون منذ فترة طويلة مع دولة الباسك وكاتالونيا. وقد انخرط الإنجليز في مناوشات مطولة مع الأيرلنديين والأسكتلنديين. وتواجه بلدان أوروبية عدة توترات مماثلة. وإلى جانب القارة الأوروبية، يمكن العثور على قوى إقليمية مماثلة في أمريكا. ففي أمريكا العديد من الحركات الانفصالية التي تشكل نذيرا لما يشبه نموذج ويستفاليا، لا سيما في ولاية كاليفورنيا.
وفي مكان آخر يواجه نموذج الدولة القومية أزمة أكثر خطورة. فالإسلام يقوض نموذج الدولة القومية المصدَّرة بشكل مصطنع في العالم الإسلامي، والهند – أكبر ديمقراطية في العالم – تقاتل باستمرار العديد من حركات الاستقلال للحفاظ على فكرة (الهند الأم) حية.
وباختصار، فإن أيام نموذج وستفاليا معدودة، والمطلوب طريقة جديدة لتنظيم العلاقات بين الناس والدولة. إن الاتحاد الأوروبي، وهو شكل سري للإمبراطورية المقنعة كتجربة ما بعد الحداثة هو الوقوع كفريسة في يد قوى الطرد المركزي المتمثلة في القومية والإقليمية. إن فترة ما قبل العصر الحديث – من الإمبراطورية – وفرت قرونا من الاستقرار ولكنها مهدت الطريق للدولة الحديثة على أساس القومية. وبالتالي، فإن العالم يحتاج إلى بدائل للإمبراطورية والدولة القومية والاتحاد الأوروبي، كوسيلة لتنظيم العلاقات بين الناس والدولة، وتهميش القوى القومية والإقليمية بشكل دائم.
في الإسلام، الخالق عز وجل وليست القومية المهيمنة هو الذي يوفر الدافع اللازم لربط رعايا الدولة. لقد قضى الإسلام لقرون عدة على القوى القومية والإقليمية بشكل طبيعي من خلال منح رعايا دولة الخلافة على اختلاف مشاربهم وأعراقهم القدر ذاته من الحقوق – الحياة الآمنة والرفعة وحماية الممتلكات وسبل العيش والعبادة دون اضطهاد ومن ثم حمايتهم من التهميش والاضطهاد. وإذا ما تعدت دولة الخلافة على الحقوق، قام رعاياها بتصحيحها وتقويمها. واليوم، فإن الإسلام هو الحل الشافي الوحيد للاحتكاك الخطير فيما يتعلق بسياسات الهوية الذي يظهر على هيئة قومية وإقليمية في جميع أنحاء العالم.
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المجيد بهاتي