“الحَرقة” والعلمانية القاتلة!
“الحَرقة” والعلمانية القاتلة!
الخبر:
تابعت القوات البحرية التونسية، البحث عن ضحايا مركب تونسى يقل مهاجرين غير شرعيين اصطدم مع وحدة تابعة للقوات البحرية التونسية مما أسفر عن غرق أكثر من 50 شابا فيما لا زال البحث جاريا عن جثث أخرى.
التعليق:
الهجرة السرية أو غير الشرعية عبر البحر باتجاه السواحل الأوروبية أو “الحَرقَة” كما جرى تسميتها باللهجة المحلية في تونس، كانت ولا زالت ظاهرة مُصَنّفة في المرتبة الثالثة عالميا تبعا لخطورتها بعد المتاجرة بالأسلحة والمخدرات. وتُعتبر تونس من بين أكثر البلدان العربية التي تشهد تزايدا مريبا في وتيرة هجرة الشباب خصوصا في السنوات الأخيرة ما بعد الثورة، والتي دفعت آلافاً من الشباب إلى الهروب من بلادهم، فمنهم من أبحر ونجا ومنهم من قُبض عليه وسُجِن ومنهم من غرق ومات، حتى صارت أقصى أماني الأمهات أن يرين فلذات أكبادهنّ ولو جثثا هامدة عوض أن تلتهمهم حيتان البحر أمواتا وأحياء! إذ تقول إحدى الأمهات التي فقدت اثنين من أبنائها في يوم واحد “صدق من سماها حرقة، فوالله الحرقة تملأ قلبي الجريح على فلذات أكبادي”!!
قضية “الحرقة” في تونس ليست مجرد خروقات قانونية لترتيبات الهجرة المنظّمة أو حالات شاذّة تحصل كل مرة، بل هي ظاهرة كانت ولا زالت تحظى بإقبال شبابي رهيب لها مبرّارتها الاقتصادية والسياسية والثقافية، رغم ارتفاع تكلفتها التي قد تصل إلى 2500 دولار، ورغم خطورة البحر وفرص الغرق، ورغم غموض المستقبل المجهول الذي ينتظر الشباب في أوروبا التي تعدهم بالترحيل إلى بلادهم ليمضوا عقوبة سجنية ويأملون في إعادة الكرّة!
إن تنامي هذه الظاهرة بقوة، لا يجعل مجالا للشكّ أن القائمين على تنظيم هذه العمليات ليسوا فقط مهرّبين وسماسرة، فالموضوع يتعدّى هؤلاء إلى شبكات متنفّذة تُدير هذا “السوق” وقد تغيّر مسالك الهجرة ومرافئها بتنسيق مع “أطراف أخرى” تُؤمّن لهم الطريق وتتغاضى عن التجاوزات في حالات كثيرة!!
عار وشنار على الحكومة في تونس أن تُفرّط في شبابها لهذا الحدّ الذي يدفعهم إلى الموت وتحديد مصيرهم في بطن الحوت على أن يبقوا في بلادهم!! ولعلّ الحكومة صارت تخاف الشباب وطاقاتهم وإرادتهم في التغيير خصوصا بعدما رأته في الثورة منذ سنين، وقدرة الشباب في تونس الذي يُشكل أكثر من 60% من التركيبة المجتمعية، هذه الفئة هي التي أطاحت خلال أيام بصرح “المخلوع بن علي” الذي شيّده لسنين، فصارت تتعمّد تهميشهم وتضييق العيش عليهم ليختاروا هذا المصير المجهول فترتاح منهم أو يرتاحوا منها! وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد قد أعلن منذ شهر أن الحكومة الجديدة ستكون “حكومة حرب” على الفساد، صدقاً قال وباطلاً قصد، لأنها (كانت ولا زالت) حكومة حرب على الله ورسوله وعلى أبناء تونس الذين اكتووا بنار البطالة والفقر والحاجة والظلم، ليؤول الأمر بالكثير منهم إلى حرق أنفسهم أمام المراكز الحكومية على أعين المسؤولين والمتنفذين، حتى أصبحنا نستيقظ في كل مرة على فاجعة “حارق” أو “محروق”!!
رغم بِرَك الثروات التي تعوم عليها تونس، فلم يُغن عنهم النفط والفوسفات والطاقة الشمسية والزيتون والملح أن تُهمّشهم بالكامل وتدفعهم إلى الموت السريع بحرا أو تُذيقهم الموت البطيء على أرضهم!
لقد أوصى رسولنا الأكرم rبالشباب وعني الإسلام بهذه الفئة العمرية بوصفها عماد الأمم وحملة شعلتها، وعلى مدار التاريخ الإسلامي أو دعوات الأنبياء والمرسلين كان الشباب أكثر الناس تأثرا وأسرعهم استجابة وأشدهم بذلا وعطاءً، ولا عَجب أن أغلب من آمن برسول الله r هم من الشباب وأيّدوه ونصروه ونشروا دعوته وأوذوا وصبروا وجاهدوا في سبيل الإسلام وإعزازه وما وهنوا وما استكانوا! لأن الطاقة التي حباها الله بهم في هذه الفترة العمرية تجعل منهم شُعَلاً متقدة إذا ما كان الإسلام قائدا وموجِّها، وإذا ما كانت الدولة راعية قوية، تسوسهم بحق وعناية، وتولي لهم الرعاية والكفاية!
ليعلم شبابنا في تونس، أن “الحرقة” ليست هي من تقتلهم بل هي العلمانية القاتلة بما يُمثلها من أنظمة وكيانات هي التي تقتلهم، لأنها في أصلها فصل لشرع الله عن الحياة، وإقصاء لحكمه وتنظيمه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتنصيب حكام ضالين مضلين يعبثون بالبلاد والعباد ويلعبون بمصائر الناس ومصالحهم ويهلكون الحرث والنسل ويخونون الله وأماناتهم!
ليعلم شبابنا في تونس، أن الحلّ الجذري ليس في “الحرقة” وأوروبا كما يتصوّرون لأنها أحسن السيئين، بل بإقامة نظام راشد من وحي ربّ العالمين، خلافة على منهاج النبوة، وحينها سنتحدّى الجميع، هل ما زال الشباب سيتطلّع إلى العيش في أوروبا ويبني أحلامه وطموحاته على “اللامبادوزا” (جزيرة إيطالية مرفأ للمهرّبين)، أم سيرى في دولته الكفاية والوفاية، والمنعة والعزة، وسيتطلّع إلى إيطاليا هذه المرة بعين المجاهدين الفاتحين ليبلغوا أمر هذا الدين ما بلغ الليل والنهار وليحققوا بشرى رسولهم الأكرم rبفتح رومية؟
قال عبد الله بن عمرو بن العاص، «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا: قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا. يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ»!
لقد فتح القسطنطينية شاب في مقتبل العمر هو محمد الفاتح، في انتظاركم أنتم يا شباب أمتنا أن تفتحوا رومية وكامل العالم بإذن الله وما ذلك على الله بعزيز.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [سورة محمد]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نسرين بوظافري