الإصلاحات السلمانية والعهد الجديد
الإصلاحات السلمانية والعهد الجديد
الخبر:
السعودية – هل تعطل الاعتقالات مشاريع ابن سلمان الطموحة؟ (موقع الدويتشه فيلا الألمانية، 2017/11/12)
التعليق:
في دفعة جديدة من أعمال التغيير في مملكة آل سعود تأتي اعتقالات الأمراء والوزراء والمسؤولين لتبدأ عهدا جديد صار واضحا بأنه عهد المملكة السلمانية أو كما يحب البعض أن يسميه بالسعودية الرابعة في إشارة واضحة إلى أن القادم سوف يكون مختلفا اختلافا جذريا عما كان في السابق. وفي هذا السياق تأتي الأوامر السلمانية الأخيرة من إنشاء لجنة عليا برئاسة محمد بن سلمان هدفها مكافحة الفساد، والتي بدأت أولى ضرباتها في اعتقالات شملت لأول مرة أمراء من الدرجة الأولى في العائلة الحاكمة ووزراء ومسؤولين ورجال أعمال ورؤوس أموال على مستوى العالم.
والأمير ولي العهد نفسه ليس ببعيد عن الفساد وهو الذي اشترى العام الماضي 2016 يختاً بتكلفة وصلت إلى 550 مليون دولار رغم سياسة التقشف التي فرضت الضرائب وخفضت الرواتب ورفعت الأسعار وألغت وأفلست الكثير من المشاريع والشركات، كما قالت الصحافة الإنجليزية في حينه.
تتزامن حملة الاعتقالات وتجميد الحسابات في وقت يحتاج فيه الأمير إلى أموال طائلة لتنفيذ المشاريع الضخمة لخطته الاقتصادية الطموحة “رؤية 2030” بالاعتماد على صندوق سيادي استثماري يصل رأسماله إلى 2500 مليار دولار. ومن أبرز هذه المشاريع مشروع مدينة المستقبل “نيوم” الذي يكلف لوحده أكثر من 500 مليار دولار ينبغي أن يأتي أغلبها من الاستثمارات الخاصة.
ومن هنا يطرح السؤال نفسه، كيف سيتمكن الأمير من تنفيذ مشاريع الخطة في وقت تراجعت فيه الاحتياطات المالية السيادية إلى أقل من 500 مليار دولار بينما يتزايد فيه هروب رؤوس الأموال بعد الاعتقالات الأخيرة؟
من المؤكد أن أموال الفساد في السعودية تصل إلى مئات المليارات من الدولارات، غير أنها في غالبيتها موجودة في أوروبا وأمريكا والجنات الضريبية تحت أسماء وعناوين لا تدل في أحيان كثيرة على أصحابها الفعليين. أما الأموال المعرضة للمصادرة داخل المملكة بتهمة الفساد حسب مصادر قضائية سعودية فإن قيمتها تقدر بنحو 100 مليار دولار. (الدويتشه فيلا 2017/11/12).
غير أن المشكلة في أن تتم المحاربة بشكل انتقائي وبشكل تشتم منه رائحة تصفية الحسابات أكثر من الرغبة في تعزيز الثقة بمناخ الاستثمار لدى رجال الأعمال المحليين والأجانب الذين لا غنى عنهم لتنفيذ مشاريع الرؤية وتشغيلها وإدارتها. فمناخ الاستثمار الذي يقوم على الانتقائية وغياب الإطار السياسي التعددي والقضائي المستقل هو مناخ طارد للاستثمار. قد يقول قائل إن لدى الأمير والمؤيدين لها الأمراء ورجال الأعمال مصادر مالية كافية من خطوات الإصلاح التي تشمل التقشف ورفع الدعم الحكومي عن السلع والخدمات وفرض الضرائب إضافة إلى بيع جزء من شركة “أرامكو” العملاقة في البورصات العالمية. كل هذا صحيح، غير أن المال لوحده لا يكفي لبناء مشاريع مستدامة تتحول بقدراتها الذاتية إلى قاطرة لتنمية شاملة تؤدي إلى تنويع مصادر الدخل وتحويل مملكة متزمتة تقوم على الامتيازات إلى “دولة معتدلة” باقتصاد مزدهر يقوم على التعددية وتكافؤ الفرص.
إن التوجه الفكري لدى سلمان منذ أن كان أميرَ الرياض واضحٌ فيه التوجه نحو الانفتاح والليبرالية والعلمانية وهي لدى سلمان تأتي على شكل العلمانية المتأسلمة أو كما يعرفها أصحاب هذا المذهب بالوسطية، ولذلك فلا غرابة في أن تكون بيانات سلمان كما في الأمر الملكي الأخير مليئة بالآيات والأحاديث والاستدلالات المتأسلمة لتوافق بذلك مذهب كاتبها، كما أن هذا التوجه واضح في تاريخ سلمان وفي جميع قراراته؛ فمن رعاية الكتاب الليبراليين في الصحافة والإعلام إلى فتح البلاد وتوجيه دفتها نحو رأس العلمانية والديمقراطية الرأسمالية في العالم “أمريكا” وصولا إلى توريث تلك المفاهيم لأولاده من بعده وخصوصا ابنه محمد، فكان الأمر بذلك توافقا كاملا بين ما تريده أمريكا وبين ما يريده سلمان ويطمح إليه من زمن لتجد أمريكا بذلك ضالتها.
إن الإصلاح الصحيح في النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لا ولن يكون ما لم يكن على أساس الإسلام وما لم يكن في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تطبق الإسلام في مختلف نواحي الحياة وعلى الجميع أن يدرك بأن التدرج في ذلك ما هو إلا تدرج في طريق الابتعاد عن الإسلام يضيع جهود المسلمين وأموالهم وأوقاتهم، فهلا أدرك المسلمون ذلك؟!
﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أمجد الصالح