إقامة الدولة في ظل قانون السببية[1]
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
(الجزء الأول: توطئة مهمة[2])
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنا
سنقوم في هذا البحث بوضع الأسس السليمة لبحث قوانين السببية والسنن الإلهية، والسنن التاريخية (بشقيها: الكونية-الفيزيائية، والإنسانية-المجتمعية)، لنضع الباحثين من بعدُ على سكة قطار يسير بهم نحو المزيد من الاستنباط لأبرز هذه النواميس والسنن الفاعلة في التغيير، لمطابقتها على طريقة التغيير، ولدراسة حركة المجتمعات صعودا وهبوطا بناء على أسسها الراسخة، فهذا البحث يشكل بداية الطريق لأبحاث بعده. على أن حزب التحرير قام باستنباط أكثر هذه السنن والنواميس وجرت في عروقه جريان الدم، فمنها أفكاره في كتاب التكتل الحزبي مثلا، ويعتبر كتاب التكتل الحزبي الدستور والمرجع الأساسي لنا في سير الحزب بناء على طريقة الرسول rوبناء على إدراك سنن التغيير وتجارب الحركات والأحزاب التي سبقتنا واستفادتنا من أخطائها ونواقصها[3]، ومنها ما توزعت به نشراته وأعماله من بيان طرق صناعة الرأي العام وقيادة الأمة، والعملية الصهرية وغيرها المئات من الأفكار، إلا أننا نريد بلورة تلك من خلال زاوية السنن التاريخية والإلهية ليحدث الربط بين الأمرين على أتم وجه من الفهم والبحث!
لا بد عند تغيير أي شيء أن نحدد واقعه، بمعنى تحديد واقع المجتمع وواقع الدولة وواقع الكتلة المنوط بها تغيير المجتمع والدولة[4]، الأمر الثاني لا بد لنا من تحديد واقع المشكلة القائمة في المجتمع والدولة ومعرفة أسبابها ونتائجها، ثم الانتقال إلى تحديد الحل المناسب بتحديد الغاية والأعمال التي يجب القيام بها للوصول إلى النتائج المرجوة[5].
توصلنا في هذا البحث إلى أنه من أجل الوصول إلى الغاية، فإنه بالإضافة إلى التزام الحكم الشرعي في اتباع طريقة الرسول rفي التغيير في كلياتها وجزئياتها، والتي سنثبت في هذا البحث أنها تتوافق مع السنن الإلهية، والتاريخية في تغيير المجتمع وإقامة الدولة، فإنه لا بد من دوام البحث في السنن التاريخية واستنباطها للأعمال الجزئية لتنجح الأعمال الأساسية على أتم وجه.
وتوصلنا إلى سنة أخرى وهي أن الفرد بوصفه الفردي لا يستطيع تغيير المجتمع، بل لا بد من حزب منظم على نحو صحيح يقوم ببث الأفكار وحملها إلى الناس لتغيير الفكر القائم المنحط واستبدال فكر ناهض به، ولهذا لا بد من إقامة حزب سياسي، وكذلك توصلنا إلى سنة النهضة وهي أن النهضة الحقيقية تقوم على المبدأ وأن المبدأ الصحيح للنهضة هو الاسلام، وتوصلنا إلى استنباط طريقة الرسول ﷺ في التغيير كما فصلنا في هذا الكتاب من قبل؛
فما الذي يدعونا لنكون متأكدين من أن طريقة الرسول rموصلة حتما للخلافة؟
الدليل الأول والأساس هو الاستدلال الشرعي بالاستنباط الصحيح للطريقة من سنة الرسول r، وهنا قام حزب التحرير بإعادة النظر مرات ومرات لمراجعة الطريقة ووجدها سليمة وصحيحة وستحقق الغاية بإذن الله تعالى، وأما المعيقات فقد تؤخر الوصول للغاية، ولكنها لن تمنع تحقيقها.
الأمر الثاني الذي يدعونا للتأكد من الوصول هو مراعاة الطريقة للنواميس والسنن الفاعلة في تغيير الدول والمجتمعات وتسخيرها لإنجاز الهدف المطلوب والإسراع به وإزالة العوائق أمام تحقيقه، وهذا ما نحاول طرحه في هذا البحث والتأصيل له كي يكون تمهيدا لدراسات تأتي من بعدُ للبحث في العلل والأسباب والأساليب، وطرق تفعيلها حتى نكون أخذنا بالأسباب التي تقتضيها السنن التاريخية والسنن الإلهية، فيتحقق الوصول بشكل حتمي للغاية بإذن الله تعالى.
والأمر الأهم هو أن الخطة السببية اللازمة في السير للوصول إلى الغاية قد تكون صحيحة ومثالية قبل البدء بالعمل، ولكن لا يمكن وضع خطة سببية فاعلة للموانع والمعيقات إلا إذا كانت الموانع موجودة عند وضع الخطة الأساسية، ولكن عموما العوائق تأتي أثناء السير لتحقيق الغاية ولا بد من العمل على إزالتها، ولا بد من اتخاذ إجراءات مناسبة للتغلب عليها، فكيف نفعل ذلك؟
التغلب على العوائق أمام الخطة السببية يكون ببحث واقع كل عائق ثم البحث عن الأسباب التي تزيله أو الشروط التي تحبط عمله ليصبح غير فاعل أمام سير الحزب، وكذلك لا بد من معرفة السنن والنواميس التي تتحكم في العوائق ومحاولة استغلالها من أجل تعطيل عمل العوائق أو تجاوزها دون الاصطدام بها، فمثلا الملاحقات الأمنية والمخابرات تحاول إحباط أعمالنا فندرس كيفية عملها وكيف تقوم باختراق الحركات والسنن والقوانين الناظمة لعملها، ثم نعمل على التغلب عليها أو تجاوزها لئلا تؤثر في جسم الكتلة… وهكذا، ويحصل التكتيم الإعلامي على أعمالنا، فكيف نتجاوز هذا العائق؟ وهكذا…
فقد نكون اجتهدنا في الطريقة بشكل صحيح ولكننا لم نراعِ في أعمالنا الجزئية السنن والنواميس المجتمعية والتاريخية والربانية، أو لم نحسن التعامل مع العقبات والموانع بدراسة أسبابها وكيفية التغلب عليها وبالتالي لم نصل بعد بسبب ذلك.
لعلنا نشرح هنا فنقول بأن للأعمال التي تقتضيها الطريقة أعمالاً جزئية تلزمها ليكون القيام بها على الوجه الصحيح، وهذه الأعمال الجزئية ليست مما يتنزل به الوحي تشريعا، ولكنه مما تقتضيه السنن التاريخية، وسنضرب أمثلة في نهاية هذا الفصل إن شاء الله اخترنا منها مثال الأعمال الجزئية اللازمة لتحقيق التبليغ الحسن في حمل الدعوة، ومثال الدعاية والإعلان، وتقنياتهما، وتقنيات صناعة الرأي العام، وبالإضافة للأعمال الجزئية فقد مثلنا على دراسة السنن الإلهية بدرسنا لمفهوم النصر فراجعها كلها في موضعها.
[1] لله تعالى الفضل الأعظم والثناء الجميل في إخراج هذا الفصل بهذه الصورة وقد رفدني الأستاذ يوسف الساريسي بالمعلومات والمراجعة والمراجع والأفكار!
[2] الأستاذ يوسف الساريسي
[3] ورد في نشرة للحزب بعنوان: “الخطوط العريضة التي أعطاها حزب التحرير للمحامين الذين يترافعون عن شبابه” “كل ذلك دفع بخلص واعين من أبناء هذه الأمة العظيمة إلى التفكير في هذا الواقع، الذي آل إليه المسلمون، ودفعهم إلى دراسة هذا الواقع، ودراسة الأسباب التي أدت إليه، ودراسة الحركات التي قامت لإنقاذه، مما وقع فيه، سواء أكانت حركات إسلامية أم كانت حركات قومية أو وطنية، ودراسة الأسباب التي أدت إلى إخفاقها، وعدم نجاحها، ودراسة الحركات الكبرى التي كان لها أثر في التاريخ، ودراسة أسباب نجاحها، ودفعهم إلى الرجوع إلى أحكام الإسلام، ودراستها دراسة واعية، من كتاب الله وسنة رسوله r، واجتهادات فقهاء المسلمين، ودراسة كيفية سير الرسول r لبناء الكيان السياسي الذي طبق فيه هذه الأحكام” 4 ذو القعدة 1403هـ ـ 12 آب 1983م.
[4] وهذا ما قام به الحزب في الكثير من الكتب (التكتل الحزبي) والنشرات
[5] وهذا الأمر قام به الشيخ تقي الدين النبهاني في الكثير من الكتب لنداء حار والمفاهيم والشخصية وكذلك العديد من النشرات