إقامة الدولة في ظل قانون السببية
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
(الجزء السابع: تعريفات لازمة للفهم)
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنا
تعريف السنن:
السنة: السين والنون أصلٌ واحد مطرد، وهو جريَان الشيء وإطرادُهُ في سهولة،[1]. والسنن، وهو الطريقة، يقال: امضِ على سَنَنِكَ وسُنَنِكَ، أي على وجهك. والسُنَّةُ السيرةُ.[2] والسنَنُ: المَذْهَبُ والطَّرِيْقُ. وكذلك السنَنُ: القَصدُ الذي تُرِيْدُه،… والسنةُ: العادَةُ أيضاً…. وسَنَ اللّهُ قَضَاءَ حاجَتي على يَدَيْه: أي أجْرَاه وسَبَّبَه. [3] فالسنن: جمع سنة، وسنة النبي r: طريقته التي كان يتحراها، وسنة الله تعالى: قد تقال لطريقة حكمته، وطريقة طاعته[4]
لم يشع استخدام أي معنى اصطلاحي للفظة سنن بحيث تساوي معنى قوانين الأشياء المادية فيبقى المعنى اللغوي لاصقا بها، وقد رأينا أن القرآن والحديث قد استخدما السنة والسنن للدلالة على طريقة التصرف أو تأثر المجتمعات البشرية عقب قيامها بأفعال معينة. فالله عز وجل قد سن سننا للناس وطلب من المسلمين معرفتها أو اكتشافها، قال الله تعالى في سورة آل عمران ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ (137)) وفي تفسير ابن كثير: يقول تعالى مخاطبا عباده المؤمنين لما أصيبوا يوم أحد وقتل منهم سبعون ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ أي قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء ثم كانت العاقبة لهم والدائرة على الكافرين[5]. فهي سنة انتصار الحق على الباطل ولو بعد جولات قد ينتفش فيها الباطل!
السببية والغائية
تعريف السبب:
“السبَبُ: الحَبْلُ. والقَدَرُ أيضاً”[6] “السَّبَبُ الحَبْلُ يُصْعَدُ بِهِ وَيُنحَدَرُ”[7] فالسبب يتخذ طريقة لبلوغ المسبب كما يستعمل الحبل للصعود والهبوط. “والسبب في اللغة: اسم لما يتوصل به إلى المقصود، والسبب التام: هو الذي يوجد المسبب بوجوده فقط. والسبب غير التام: هو الذي يتوقف وجود المسبب عليه، لكن لا يوجد المسبب بوجوده فقط”[8]. “وسمي كل ما يتوسل به إلى شيء سببا، قال تعالى: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف/84 – 85]، ومعناه: أن الله تعالى آتاه من كل شيء معرفة، وذريعة يتوصل بها، فأتبع واحدا من تلك الأسباب، وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ﴾ [غافر/36 – 37]، أي: لعلي أعرف الذرائع والأسباب الحادثة في السماء، فأتوصل بها إلى معرفة ما يدعيه موسى،[9].
تعريف العلة والغاية:
الغاية: ما لأجله وجود الشيء[10]
العِلَّةُ: [11] علة الشيء: ما يتوقف عليه ذلك الشيء،[12]، العِلَّةُ الصورية: ما يُوجِدُ الشَّيْءَ بالفعل. العِلَّةُ الغَائِيَّةُ: ما يُوجَدُ الشيءُ لأجلهِ. العِلَّةُ الفَاعِليَّةُ: ما يُوجَدُ الشَّيءُ لِسَبَبِهِ. العِلَّةُ المادية: ما يُوجِدُ الشَّيءَ بالقوة.[13] ولا بد لكل معلول من علة، تعرف بالاستقراء التام، أثرها في المعلول يعرف بالبرهان اليقيني، والعلة تتميز بظاهرة الاطراد، والانعكاس، أي كلما وجدت العلة وجد المعلول، وكلما فقدت العلة فقد المعلول، والعلة واضحة غير مضطربة.[14]
العلة الغائية والعلة الباعثة: بمعنىى واحد، وهي عبارة عن القصد الذي يدفعك إلى تحقيق عمل من الأعمال، فلولا قيام هذا القصد في الذهن واتجاهك إلى تحقيقه لما قمت بهذا العمل المعين، فقد كان قصدك هذا علة لوجوده. ومن شأن العلة الغائية هذه أنها تسبق المعلول في الوجود الذهني، وتتأخر عنه في الوجود الخارجي، فالحصول على الشهادة علة غائية لدراسة الطالب، وهو أمر مركوز وموجود في الذهن قبل الدراسة، ثم يصبح موجودا في الخارج من بعدها.
وليس معنى استدلالنا بهذه الظاهرة في الكون على وجود الله أننا نعلل أفعال الله بالعلل الغائية، إذ ليس شيء من موجودات الكون وسائط حقيقية إلى تحقيق غايات معينة عند الله عز وجل، ولو كان كذلك لأدى ذلك إلى وصف الله تعالى بالعجز، ولكن المقصود أن الكون مركب في وجوده ووجود أجزائه على نحو تنظيمي معين يستتبع غايات هامة للإنسان، مع العلم بأن الله كان ولا يزال قادرا على أن يحقق له هذه الغايات بدون وساطة شيء من مظاهر الكون.[15]
العادة: ما استمر الناس عليه على حكم المعقول، وعادوا إليه مرة بعد أخرى.[16]
[1] معجم مقاييس اللغة لابن فارس
[2] الصحاح للجوهري.
[3] المحيط في اللغة للصاحبي ابن عباد
[4] مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني
[5] تفسير ابن كثير
[6] المحيط في اللغة للصاحبي ابن عباد
[7] فقه اللغة وسر العربية للثعالبي
[8] التعريفات للجرجاني
[9] مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني
[10] التعريفات للجرجاني
[11] وهي قسمان: الأول: ما تقوم به الماهية من أجزائها، وتسمى: علة الماهية، والثاني: ما يتوقف عليه اتصاف الماهية المتقومة بأجزائها بالوجود الخارجي، وتسمى علة الوجود، وعلة الماهية، إما لأنه لا يجب بها وجود المعلول بالفعل بل بالقوة، وهي العلة المادية، وإما لأنه يجب بها وجوده، وهي العلة الصورية، وعلة الوجود، إما أن يوجد منها المعلول، أي يكون مؤثراً في المعلول موجوداً له، وهي العلة الفاعلية، أو لا، وحينئذ إما أن يكون المعلول لأجلها، وهي العلة الغائية، أو لا، وهي الشرط إن كان وجودياً، وارتفاع الموانع إن كان عدمياً.
[12] قسم أرسطوطاليس العلل إلى أربع: 1- علة مؤثرة، 2- علة مادية، 3- علة صورية، 4- علة غائية.
والمثال الذي مثّل به هو صنم الرخام؛ فالنحات علته المُؤثرة، والرخام علته المادية، وشكل الصنم علته الصورية، وتخليد ذكرى الشخص الذي نُحت الصنم على صورته علته الغائية.
[13] التعريفات للجرجاني
[14] كبرى اليقينيات الكونية للبوطي ص 44- 45.
[15] كبرى اليقينيات الكونية للبوطي ص 89 الهامش
[16] التعريفات للجرجاني