Take a fresh look at your lifestyle.

إقامة الدولة في ظل قانون السببية – ج8 – الصفات والخواص في الأشياء، والسنن في المجتمعات

 

إقامة الدولة في ظل قانون السببية

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

(الجزء الثامن: الصفات والخواص في الأشياء، والسنن في المجتمعات)

 

للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنا

 

 

 

“كما قدر الله تعالى في الأشياء صفات ثابتة، كصفة اللون والطول والصلابة والسيولة، تظهر هذه الصفات حال الاستقرار، وقَدَّر في الأشياء الخاصِّيات، والتي هي في الأساس صفات ذاتية لازمة في الأشياء، فإذا ما تفاعلت الصفات مع الأسباب وتحركت انبثقت الخاصيات، مثل قابلية الخشب للاحتراق، وقابلية إرواء الماء للعطشان، فالخاصية هي الانفعال الحاصل في الشيء بسبب فعل وقع عليه، وباطراد التلازم المؤثر بين هذا الفعل والانفعال الناتج نستنبط وجود علاقة ثابتة بينهما نسميها الخاصية.

 

والسنن هي صفات منبثقة للجماعات والشعوب لا تظهر من الإحساس المباشر بل تظهر فقط من خلال الآثار، أي من خلال وجود هذه الشعوب والجماعات تحت تأثير فعل أو أفعال معينة، فينتج من ذلك نتائج وآثار، وحين نقوم بمشاهدة وجود اضطراد معين بين أفعال محددة مع نتائج لها واقعة على المجتمعات نستنبط وجود علاقة ثابتة نسميها السُّنَّةُ أو النَّامُوسُ أو الطَّبْعُ وهو يخص الإنسان والمجتمع البشري فقط[1].

 

هذه السنن التي تحكم حركة المجتمعات، وتأثرها بالأسباب والمسببات، لا تسير على شاكلة القطار الذي يسير على سكة إن خرج عنها انقلب وخرب، بل هي أشبه ما تكون بحركة السيارات المنضبطة بقوانين السير الصارمة، مع مساحة بسيطة من التسامح في قوانين جزئية لم يلزم ضبطها بدقة، مثل زمن الوقوف على إشارات التوقف، والسير في منتصف المسرب الذي يمكن أن تتخذه بالضبط، ولا تخرج عن هذه الدائرة الضيقة من التسامح، فقد تخرج دولة عن نظام العدل ومع ذلك تحقق مستوى جريمة منخفض محدود في المجتمع، إلا أن عدم سيرها في ركاب نظام العدل لا يلبث أن يفسد عليها سيرها فتنقلب المركبة بمن عليها، لأنها لا بد أن تخضع في النهاية لسنن منضبطة ناظمة لحركة المجتمعات، وقد تقوم دولة باغتصاب حاكم للسلطة فيها، وفرضه نظرته على المجتمع، وإقامته دولة بوليسية، إلا أن هذه الدولة لن تستمر لأنها تخالف السنن الكونية في نشوء الدول واستمرارها! لذلك تجد مثل هذه الدولة تستعين بعوامل غير ذاتية لاستمرارها، مثل الاستعانة بالاستعمار!

 

وعندما يريد الباحث أن يكتشف سنة معينة من سنن العادة أو الطبائع التي تجري وفقها الأمور في المجتمعات البشرية فلا يستطيع أن يحدد جميع العوامل التي تدخل في السنة من أسباب وشروط بشكل دقيق ولا أن يحصرها ويحدد مقاديرها، وبالتالي فهو يلجأ إلى عملية اختزال وتقريب لهذه المجموعة من العوامل وإلى التركيز على عدد قليل من هذه المجموعة من الأسباب والشروط ويتم تجاهل أسباب أخرى أقل أهمية في نظره[2]


 

 

[1] من بحث: السببية وسنن الحياة للأستاذ يوسف الساريسي.

[2] من بحث: السببية وسنن الحياة للأستاذ يوسف الساريسي بتصرف يسير.