Take a fresh look at your lifestyle.

إقامة الدولة في ظل قانون السببية – ج27 – من تقنيات إيجاد الرأي العام: الدندنة، أمثلة عليها

 

إقامة الدولة في ظل قانون السببية

 

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

 

(الجزء السابع والعشرون: من تقنيات إيجاد الرأي العام: الدندنة، أمثلة عليها)

 

للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنا

 

من تقنيات إيجاد الرأي العام تقنية الاستفتاءات، وهي تقنية مهمة، ولكننا سنعرض تقنية أخرى وهي تقنية الدندنة أو “الوكزات”، لنستعرضها:

 

الفكرة العامة هي الوصول للـ”وكزات” التي تستطيع إحداث التغيير في مسألة معينة يراد الدعاية لها.

 

مثلا: الملاكم محمد علي كان يواجه خصما قويا جدا هو جورج فورمن في زائير، سبق وأن هزم علياً، كان فريق علي في غرفة الغيار قبل الملاكمة واجما يخشى على حياة علي من شدة بأس خصمه! واستطاع علي أن يهزمه بتقنية الوكزات، وذلك أنه ما انفك يهمس في أذنه طوال سبع جولات: لماذا تضرب بيدك اليمنى فقط؟ اضرب باليسرى، فلما تحول فورمن للضرب باليسرى تمكن علي من الخروج من حالة الألم الشديد في شقه الأيسر واستعاد قوته وتمكن من ضرب خصمه والإطاحة به،

 

فالوكزة التي استعملها علي هي تكرار الهمس بنفس الفكرة، أو كما قال عليه صلاة الله وسلامه: «ندندن حول لا إله إلا الله»، فكثرة الدندنة حول الفكرة تزرعها في الأذهان.

 

إذن فتقنية الدعاية عبر الدندنة توصل للتأثير على السلوك ودفع الإنسان للقيام بعمل ما أو حمل فكرة ما.

 

المثال الثاني: الحكومة البريطانية طلبت من الناس القيام بعزل “العِلّيَّة” في منازلهم لتوفير الطاقة، فهي مصدر تسريب حراري وتسبب للناس برودة في بيوتهم وبالتالي يتطلب منهم تدفئة البيوت باستهلاك طاقة أكبر، فترتفع فاتورة الطاقة لديهم شهريا، وقدمت بريطانيا الأسباب والأرقام والحقائق للناس ولم يبادر إلا قلة قليلة لعزل العليات حراريا.

 

درست بريطانيا السبب في تعنت الناس؟ فوجدت أن الحائل بينهم وبين قبول الفكرة هو مسألة أنهم لا يريدون تنظيف هذه العليات، فقامت بالتعاقد مع شركة لتوفير خدمة تنظيف العليات وعزلها، فكان الإقبال كبيرا.

 

إذن فقد وجدت بريطانيا الوكزة التي دفعت الناس لاعتناق فكرة والعمل بمقتضاها، رغم أن هذه الفكرة كانت بحد ذاتها تمتلك أسباب نجاحها، لكن المعوقات منعت من التلبس بالعمل بها.

 

بالمثل علينا في الحزب أن نقوم بدراسة الأسباب التي تحول بين الناس وبين استقبال فكرة الخلافة مثلا، ومن ثم تصميم الدعاية بشكل يركز على حل هذه الإشكاليات تركيزنا على الفكرة نفسها.

 

المثال الثالث: “سوبرماركت” يريد زيادة مبيعات قسم الخضروات، قام بوضع رسالة على عربة المشتريات يطلب فيها من الزبائن التلطف بترتيب العربة بحيث توضع الخضروات على جهة وباقي المشتريات على جهة ثانية، فحين يرى المستهلك أنه لا يركز في مشترياته على الخضروات لقلتها في العربة، فإنه سيستدعي مفاهيم الأعماق عن الصحة وفوائد الخضروات، وسيقوم بشراء الكثير منها، الفكرة نجحت فزادت مشتريات الناس من الخضروات، فكانت الوكزة الناجحة لدفع الناس لسلوك معين هي فصل المشتريات على جهتين، مما يجعل المشتري يبصر بعينه قلة الخضروات التي يشتريها!

 

بالمثل نستطيع الاستفادة دعائيا من هذه الفكرة، فمثلا نقول: كل يوم تبيع الأمة الإسلامية ثلاثين مليون برميل من النفط بسعر كان ينبغي أن يكون مائة دولار للبرميل، مما يعني ثلاثة مليارات دولار يوميا، فلو كانت هذه المليارات الثلاث بيد مخلصة فإنها تستطيع إنشاء مصنع ضخم يوظف عشرة آلاف عامل كل يوم، ويستطيع أن يطعم ستين مليون شخص كل يوم، ويستطيع أن يبني ثلاثمائة ألف بيت يوميا ويهبها للناس،… الخ، ولكن بدلا من أن تستفيد الأمة من خيراتها، فإن حكامها يضعون هذه الأموال في يد أمريكا لتقيم اقتصادها، وهناك كذا تريليون دولار من أموال الخليج في الاقتصاد الأمريكي… الخ، ثم نقول: إلى متى تصمت الأمة على تبديد سفهائها لأموالها؟ إلى متى ينعم العدو بأموالنا وفي الأمة كذا مليون فقير… الخ ألم يئن الأوان لتعمل الأمة لوضع الأمانة بيد مخلصة؟

 

أفكار كثيرة يستطيع حملة الدعوة إبداعها لتصل رسائل مهمة للأمة حول قضايا مختلفة.

 

المثال الرابع: تقوم الأحزاب السياسية بالدعاية الانتخابية، وقد جربت تلك الأحزاب فكرة أن تعمل على الفئة من المجتمع التي يسمونها: تلك التي لم تحسم قرارها، هل تصوت لهذا الحزب أو لذلك؟

 

ثم إنهم عدلوا عن بذل الجهود مع هذه الفئة وركزوا على تحريك قواعدهم الانتخابية، فالحزب يعلم مثلا أن هناك مليون ناخب عادة يصوت لهم في مدينة كذا، فأرادوا تحريك هؤلاء المليون وقسموهم لأربع أقسام كل قسم 25% من المليون.

 

ورأوا دراسة أربع وسائل لإيصال الرسالة التي تحض الناخب على التصويت لهم، فكانت الوسيلة الأولى توكيل فريق يتصل بالهاتف بأرقام هواتف الناس لحضهم على الخروج للانتخاب وحضهم على التصويت للحزب، والوسيلة الثانية تمثلت في إرسال بطاقة بريدية لعنوان الشخص عليها رسالة سريعة قوية تقول له: نشكرك على التصويت لنا في الانتخابات الماضية، ونأمل أن نرسل لك رسالة مماثلة بعد أربع سنوات لشكرك على التصويت لنا في هذه الانتخابات، والوسيلة الثالثة: الطرق على أبواب الناس من خلال متطوعين للحملات الانتخابية والحديث مع الناس، والوسيلة الرابعة: لم يتصل بهم الحزب. كل قسم من هؤلاء عبارة عن 25% من القاعدة الانتخابية لهذا الحزب.

 

بعد دراسة المصوتين رأوا أن وسيلة الاتصال بالهاتف لم تأت بنتيجة ذات بال، وأن البطاقة البريدية والاتصال المباشر الحي أتيا بنتائج باهرة.

 

وفي منطقة ثانية استعملوا وسيلة إرسال رسالة عار عليك! فقد أحصوا أولئك الذين لم يصوتوا في الانتخابات الماضية، وأرسلوا لهم بأن جارك قام بالتصويت أو نسبة كذا في حيِّك قامت بالتصويت فاخجل من نفسك بأن لا تشارك في الحياة السياسية، هذه الرسالة زادت نسبة التصويت 20 بالمائة.

 

الشاهد من هذا المثال، هو أن هناك وسائل في تغيير الرأي العام قد تفرغ فيها جهود كثيرة ولا تفضي لنتيجة، وهناك وسائل أخرى تأتي بالنتيجة، لذلك حملات مثل حملة ﴿مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي﴾ تمثلت في مخاطبة الناس مباشرة في أسواقهم وبيوتهم حملة ممتازة لتغيير الرأي العام، ومسألة إرسال رسائل للصحفيين على سبيل المثال بشكل دوري فيها تحليلات أو فيها رأي، أو فيها دعم لجرأة الصحفي في الكشف عن حقيقة، كل هذا يقرب هذا الصحفي منا أو يؤثر في أفكاره فتجد صدى أفكارنا في كلامه، وهكذا يجب أن نبحث عن الوكزة التي توصل لإحداث التغيير، وأن نمتلك وسيلة لقياس النجاح والفشل، فمثلا عندنا لنقل مائة موقع لحزب التحرير على الشبكة، لا بد من دراسة تفاعل الناس مع هذه المواقع، وكيفية الدعاية لها، حتى يغشاها الناس، فلا تكون كجهد من اتصلوا بالناس بالهاتف ولم يحصل أي تغيير في قناعات الناس، لا بد من البحث عن وسيلة الدعاية للمواقع ليغشاها الناس.

 

المثال الخامس: في الهند في فترة الركود الاقتصادي ركدت حركة استئجار غرف الفنادق الفخمة، وكسد سوقها، فقام أحد تلك الفنادق بالدعاية لنفسه بأن ساعات استقبال الزبائن للغرف ليس الثالثة عصرا بل من الحادية عشرة صباحا، ويمكنك الخروج من الغرفة ليس في الحادية عشرة من اليوم التالي بل من الثانية عصرا، ودعاية بأنه سيستقبلك في المطار ويوصلك للفندق بسيارة فاخرة مجانا… الخ فهذه الوكزة زادت حركة الزبائن بشكل كبير.

 

الشاهد من هذه التقنية أننا حين نروج لفكرة الخلافة مثلا، فأحيانا نحتاج لذكر أدلتها ومشروعيتها، وأحيانا أخرى قد لا نعمد إلى ذكر أدلتها، ومشروعيتها في مقدمة الحملة الدعائية، بل نركز على قدرتها على حل مشاكل الناس، ولكن حتى لا يختلط على الناس أن الخلافة تُطلب لحل مشاكلهم بمعزل عن فرضيتها، نخلط في نهاية الحملة بين هذا وهذا، فنقول: إذن فالخلافة هي التي ستقضي على مشكلة الفقر، كيف لا وهي فرض رب العالمين وعلينا أن نقيم الفرض لأنه سيعزنا في الدنيا والآخرة ولأنّ ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًى

 

المثال السادس، في كاليفورنيا كانوا يريدون توجيه رسالة لمستهلكي الطاقة حتى يخففوا استهلاكهم، فأرسلوا لهم فاتورة تحوي أرقام استهلاكهم مقارنة بالمتوسط، ليرى الناس أن استهلاكهم للطاقة عالٍ فيحدوا منه، ولكن النتيجة أن الذين يستهلكون أكثر من المعدل خفضوا استهلاكهم، والذين يستهلكون أقل من المعدل زادوا استهلاكهم، فغيرت الحكومة استراتيجيتها، بأن أرسلت الأرقام ومعها صورة وجه تعبيري، فمن كان استهلاكه أكثر من المعدل كان الوجه عابسا والآخر ضاحكا، وقد نجحت الوكزة.

 

الشاهد من هذه التقنية، أن نخاطب الناس على قدر عقولها، وننتقي من الرسائل ما يؤدي النتيجة، فمثلا يمكن أن نقرن بين كلمة خلافة وبين كلمة تطبيق شرع الله، حتى يزول من ذهن من يستهين بفكرة الخلافة ويظنها مسألة فرعية في الدين هذه الغشاوة، ويفهم أن تطبيق شرع الله أمر مهم ومحوري.

 

المثال الأخير: الاستهزاء بالمبادئ الأخرى: قامت شركة “أبل” بمجموعة دعايات تأتي برجلين أحدهما شاب رشيق القوام، يمثل كمبيوتر “الآبل” والآخر ممتلئ، يمثل كمبيوتر “البي سي” العادي، أي الكمبيوتر الذي أساسه “الويندوز”، وفي كل دعاية من الدعايات الـ66 يَكِزُ الشاب الرشيق خصمه بوكزة تظهر عيباً في المنتج الذي يمثله، ارتفع سهم “الأبل” نتيجة لذلك 140 بالمائة وبالكاد تحرك سهم “الميكروسوفت”.

 

الشاهد من هذا، أن الترويج لفظائع الرأسمالية بالأرقام، واستعمالها لأسلحة الدمار الشامل مثلا، أو تركز الثروات بيد قلّتها… الخ والقيام بمجموعة متتالية من الدعايات المضادة للعلمانية أو الرأسمالية عبر حلقات كل منها دقيقتين، يوصل لنتيجة إن شاء الله.

 

كذلك هنا يمكن الوصول لبعض التقنيات الأخرى.