قضايا النفقة بين مطرقة قانون الأحوال الشخصية وسندان الحركات النسوية
أوردت صحيفة الأخبار الصادرة في 17 كانون الثاني/يناير 2018م، تحت عنوان: (70 قضية نفقة في اليوم أمام المحاكم والقضاة يرجعون الظاهرة للفقر)، ذكرت فيه أن قضايا النفقة الزوجية هي من أكثر القضايا انتشاراً في المحاكم السودانية في الآونة الأخيرة، وقد ازدحمت أروقة المحاكم بأنواع مختلفة، وصلت وفي بعض الحالات النادرة أن ترفع الأم دعوى نفقة في مواجهة ابنها.
إن قانون الأحوال الشخصية السوداني لسنة 1991 تناول موضوع النفقة، ووضع أحكاما لتنظيمها، ولكن تعاني العديد من المطلقات كثيراً في سبيل الحصول على النفقة المقررة لهن، كثيرون قد يماطلون في الوفاء بها لأسباب وحجج، وفي سياق مواز تفتقر القواعد القانونية لهذا القانون إلى مواد ملزمة تيسر الوفاء، وما يحدث في المحاكم، أن القاضي يطلب من الأب إحضار شهادة من عمله تثبت (مقدار راتبه)، وذلك لا يكفي نظراً للتلاعب الكبير الذي قد يحصل في النفقة المقررة في أحيان كثيرة، وقرار إلزام الأب بدفع النفقة للأسف يتصف بالضعف، فهناك أب يتهرب، وقد يسافر، فتمر أشهر دون أن يدفع النفقة ولا يتخذ معه أي إجراء.
إن الحالة السيئة التي تعيشها الكثيرات من المطلقات، واللواتي لا يجدن المال للإنفاق على أبنائهن؛ بسبب تخلي الأب عن النفقة، فتعيش على الصدقات في وقت يكون فيه الأب ثريا، ولكن ضعف القانون جعله يفلت من أي ملاحقة قانونية، وبالنظر إلى النظام القضائي القائم على غير أساس الإسلام، غالباً ما تمتد القضية إلى أشهر أو سنوات في المحاكم، ويمتد تأثيرها لأبعد من العلاقات بين المتخاصمين، إلى بقية أفراد الأسرة، وخصوصا الأطفال ما جعل كثيراً من النساء يرضين بهذا الظلم بدلاً من تحمل دفع رسوم المحاكم وتكلفة القضية لدى المحامي، في ظروف اقتصادية صعبة يعيشها كل أهل السودان.
في المقابل ظلت الحركة النسوية في السودان، وهي علمانية الهوى، تفتخر بما نالته المرأة من الحقوق المدنية والسياسية، وتعد ذلك إنجازاً لها لم تنله المرأة في دول الجوار، مثل الحق في الانتخابات والترشيح، وتوليها العديد من المناصب؛ وزيرة، أو سفيرة، وغيرها من الوظائف في المستويات الدنيا والعليا… ولكن هل ذلك قدم شيئاً للمرأة في واقعها…؟ وهل أنقذ المرأة من الوقوف طويلاً في دهاليز المحاكم دون الفصل في قضاياها؟ وما هو الحل عند الحركات النسوية؟
الحل عند الحركات النسوية تبينه عائشة الكارب مدير المنظمة السودانية للبحوث والتنمية (سورد)، حيث أشارت إلى المساعي التي تمت لصياغة قانون جديد، بالاهتداء بالشرعية الدولية والإقليمية والمحلية لحقوق الإنسان، والمتعلقة بالأسرة، وتسهيل دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م، خاصة الباب الثاني منه، والمتعلق بوثيقة الحقوق والحريات الأساسية، ذاكرة أن فلسفة المشروع المقترح تقوم على فصل المسائل المتعلقة بالأسرة عن بقية المعاملات المدنية، الخاصة بالذمة المالية، وجعل اختصاص مسائل الأسرة لمحاكم تنشأ خصيصاً تحت مسمى محاكم الأسرة والمرأة، مسئولة عن نفسها وحالها، ولا تجوز الولاية أو الوصاية عليها من الغير، والزواج والطلاق حقوق مكفولة للمرأة والرجل على السواء… ومساواة النساء مع الرجال في القيمة الإنسانية والحقوق والواجبات، والمحافظة على أسرة مستقرة متماسكة تقوم العلاقات بين أفرادها على أسس المساواة والاحترام والعدالة وحقوق الإنسان، والاهتمام بمصلحة الطفل الفضلى في جميع الأحوال والإجراءات التي تتعلق به. (صحيفة آخر لحظة يوم 2012/03/11).
وكما قيل (وداوتني بالتي كانت هي الداء)! قانون كهذا لن يحل مشكلة لأنه مبني على فكرة المساواة بين الرجل والمرأة، وهي ليست قضيةً تبحث، ولا هي قضية ذات شأن في النظام الاجتماعي، لأن كون المرأة تساوي الرجل، أو كون الرجل يساوي المرأة ليس بأمر ذي بال أو له تأثير في الحياة الاجتماعية، ولا هو مشكلة محتملة الوقوع في الحياة الإسلامية، وما هذه الجملة إلا من الجمل الموجودة في الغرب، ولا يقولها أحد من أبناء المسلمين سوى تقليداً للغرب، الذي كان يهضم المرأة حقوقها الطبيعية باعتبارها إنساناً، فطالبت بهذه الحقوق واتخذت هذا الطلب (بحث المساواة) طريقاً لنيل هذه الحقوق. وأما الإسلام فلا شأن له بهذه الاصطلاحات لأنه أقام نظامه الاجتماعي على أساس متين، يضمن تماسك الجماعة والمجتمع ورقيهما، ويوفر للمرأة والرجل السعادة الحقيقية اللائقة بكرامة الإنسان الذي كرمه الله تعالى بقوله: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾.
حين جاء الإسلام بالتكاليف الشرعية التي كلف بها المرأة والرجل، وحين بيّن الأحكام الشرعية التي تعالج أفعال كل منهما، لم ينظر إلى مسألة المساواة أو المفاضلة بينهما، ولم يراعها أية مراعاة. وإنما نظر إلى أن هناك مشكلة معينة تحتاج إلى علاج، فعالجها باعتبارها مشكلة معينة بغضّ النظر عن كونها مشكلة لامرأة، أو مشكلة لرجل. فالعلاج هو لفعل الإنسان أي للمشكلة الحادثة، وليست المعالجة للرجل أو للمرأة. ولهذا لم تكن مسألة المساواة أو عدم المساواة بين الرجل والمرأة موضع بحث، وليست هذه الكلمة موجودة في التشريع الإسلامي، بل الموجود هو حكم شرعي لحادثة وقعت من إنسان معين، سواء أكان رجلاً أم امرأة.
إن الإسلام لم يوجِب على المرأة النفقةَ، حتى لو كانت قادرةً عليها، وأوجبَها على وليها من الرجال، أي أنّ الذي يجب عليه أن يعملَ لينفق هو الرجل وليس المرأة. وتلك النفقة حق للمرأة على الرجل لا منّة، تأخذها عزيزة كريمة. وقد جعل الله تعالى العمل لكسب المال فرضاً على الرجل، ولم يجعله فرضاً على المرأة بل مباحاً لها، إن شاءت عملت، وإن شاءت لم تعمل. قال تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ وذو لا تطْلَق إلا على المذكر، وقال: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ فجعل النفقة على الذكر، وكانت هذه القوامة أيضاً بما ألقي على عاتقهم من تكاليف الإنفاق من المهر والتموين، قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.
وهكذا جاء الإسلام بأحكام متنوعة خص الرجال ببعضها، وخص النساء ببعضها، وميز بين الرجال والنساء، في قسم منها، وأمر أن يرضى كل منهما بما خصه الله به من أحكام، ونهاهم عن التحاسد، وعن تمني ما فضل الله به بعضهم على بعض، قال تعالى: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾. غير أن تطبيق هذا الإسلام العظيم لا يكون إلا بإقامة دولة تطبقه وتحمله، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي يحيا بها العالم حياة طيبة، آمنة، مطمئنة، فالمسلمون هم منارة الدنيا، وحاملو مشعل الخير فيها، والأحق بقيادتها.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأخت/ غادة عبد الجبار – أم أواب