كذب واستخفاف وجور وفساد سلطان…
أين أنتم من حقوق الرعية؟!
جاء في بعض الحِكم: (الكذب عدو الصدق، والجور مفسد للملك، فإذا استصحب الكذب استُخِف به، وإذا أظهر الجور فسد سلطانه). وأبلغ من ذلك، ما جاء في الحديث الشريف: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ»، كذب، واستخفاف، وجور، وفساد سلطان، هو التوصيف الدقيق لحكامنا اليوم.
قال الرئيس البشير لوالي الخرطوم، أَثناء مخاطبته مهرجان التشغيل السادس بقاعة الصداقة بالخرطوم، قال: (يا عبد الرحيم حوم الخرطوم بيت بيت لمعرفة الحاصل شنو وحالتهم كيف؟ والبحث عن الناس المتعففة والأسبقية في التمويل تكون للأسر الما بترفع صوتها وما بتحرق اللساتك في الشارع)، كناية عن التظاهر رفضاً لمزيد من الظلم. (صحيفة آخر لحظة 2018/01/24م).
أما الكذب فإن مهرجان التشغيل، لو كان حقا مهرجانا للتشغيل، لكان ثورة في الإنتاج في المشاريع المعطلة في بلد الثروات فيه ظاهرة وباطنة ونسب العطالة فيه نطقت بها الشوارع التي ضجت بالعاطلين، فعن أي تشغيل تتحدثون؟! والكذب أيضا أن الوالي لن يقوم بمثل هذا العمل، لأن تفقد الرعية، من أعمال الراشدين، وليس الفاسدين.
فهو إذاً استخفاف بعقول البسطاء، فأحوال الناس لا تحتاج تفقداً؛ فرغيف الخبز بجنيه، وسعر الدولار 36 جنيها فأي تمويل يحل هذه المشكلة حتى ولو بالمجان ناهيك عن أنه تمويل أصغر يؤخذ بالربا، فيزيد تعقيد المشكلة بمحق البركة، وهو لا يعدو كونه توقيع أمر قبض لحامله في حالة عدم السداد، وهذا ما يحدث عادة فأي استخفاف بعقول البسطاء تمارسون؟!
أما الفساد، يا حكام السودان، فقد أزكم الأنوف، ولكنكم تتجملون بكلمات تخدع العامة، في تبنيكم لمصالح وهمية، عبر مشاريع سميت تمويلا وهي تقتير، وسميت بمشاريع تقوية الطبقات الضعيفة، وهي في حقيقتها تقوية للصوص المتخمين المترفين، الذين أفسدوا حياة الناس! فأين هي نتائج التمويل الأصغر؟ ومن المستفيد منه؟
ثم أين ثروات البلاد يا حكام السودان، هل استفاد منها الشعب؟ بالطبع لا، بل خصصتموها لأنفسكم كأنها ملك يمينكم، عَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ e يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وفي صحيح الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله e قال: «اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ».
نسألكم، أين هي آلية مكافحة الفساد التي أنشأتموها؟ ما بها لا تعمل؟ أم صنّاعها هم أهل الفساد؟ فها هي تقارير المراجع العام تشير بشكل واضح إلى أن منظومة الفساد هي أس البلاء وسبب الشقاء، لكنكم يا حكام السودان، ابتدع علماؤكم (علماء السلطان) فقه السترة لتستروا الفاسد، وتتركوا الشعب جائعاً وعارياً، ومن ثم تميتوه معنويا، لقولكم بأنه هو سبب الفساد لأنه لم يرجع إلى الله وأكثر من الذنوب والمعاصي!! ونسيتم أنكم غارقون فيما رميتم به الشعب!
أما تهديدكم لمن يطالب بحقه بمنع التمويل وتخصيصه لمن والاكم، وسكت عن ظلمكم، فذلك الترفع والتكبر على الرعية المنهي عنه بإغلاق الأبواب دون حاجات الناس، جاء في مستدرك الحاكم: عن أبي مريم صاحب رسول الله e قال: سمعت رسول الله e يقول: «مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمِ احْتَجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ» هذا حديث صحيح الإسناد، وقال ابن بطال في شرح البخاري: ويجب على الوالي أن لا يولي أحدًا من عصابته، وفي الناس من هو أرضى منه، فقد روي عن ابن عباس، عن النبي e: «أنهم إن فعلوا ذلك فقد خانوا الله ورسوله، وخانوا جميع المؤمنين».
اعلموا أن الله غني عنكم، ولا بد أن يغير الحال، بحاكم عادل يحكم بالعدل والصلاح، حاكم يعرف مسؤوليته في الإسلام ويتبناها باعتبارها أحكاماً شرعية، لأن الحاكم، وهو يتعامل مع رعيته، يؤدي عبادة من أعظم العبادات، سواء في جلب المصالح لهم، أو درء المفاسد عنهم، وسواء في نصرة المظلوم والضعيف، أو في قهر الظالم والمعتدي، بل في كل تصرف يتصرفه لمصلحة الرعية فهو عبادة لله، ولذا يقول العز بن عبد السلام: “أجمع المسلمون على أن الولايات من أفضل الطاعات، فإن الولاة المقسطين أعظم أجراً وأجل قدراً من غيرهم، لكثرة ما يجري على أيديهم من إقامة الحق ودرء الباطل”.
واعلموا أن مقصود الولاية والسلطة هو إصلاح أديان الناس، والقيام على مصالحهم، والسهر لأجل راحتهم، وسماع أصوات المصلحين، والنظر فيما ينادون به، وعدم تكميم الأفواه. واحذروا سياسة (ما أريكم إلا ما أرى) فقد تبين فشلها. قال الماوردي رحمه الله: (الْإِمَامَةُ خلافة النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا)، قال ابن عبد البر في التمهيد: (وتؤمن به السبل وينتصف به المظلوم ويجاهد عن الأمة عدوها ويقسم بينها فيأها لأن الاختلاف والفرقة هلكة والجماعة نجاة).
واعلموا أن الله قد أمركم بالرفق بمن تحت ولايتكم، فشققتم عليهم، ورد في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت من رسول الله e يقول في بيتي هذا: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ».قال النووي: هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس، وأعظم الحث على الرفق بهم، وعن عوف بن مالك عن رسول الله e قال: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ».
اللهم عليك بهم، فإنهم لا يعجزونك، اللهم هيئ لنا خليفة ربانياً راشداً، يقودنا بالإسلام العظيم كما أمرتنا يا رب، آمين.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأخت/ غاده عبد الجبار – أم أواب
2018_01_28_Art_Lying_and_contempt_and_injustice_and_corruption_AR_OK_1.pdf