الاستثمارات الأجنبية لا تعدو كونها سنا في دولاب الاستعمار غير المباشر ولن توقفها إلا دولة الخلافة التي تقطع يد العابثين بملكيات الأمة
الاستثمارات الأجنبية لا تعدو كونها سنا في دولاب الاستعمار غير المباشر
ولن توقفها إلا دولة الخلافة التي تقطع يد العابثين بملكيات الأمة
منحت ولاية جنوب دارفور (10) آلاف فدان لمستثمر أمريكي بغرض زراعتها بمحصول الفول السوداني، في وقت كشفت فيه عن جملة من الاستثمارات الأجنبية التي ستدخل الولاية، وقال والي جنوب دارفور بالإنابة لـ(اس ام سي) إن المساحة الزراعية التي تم منحها للمستثمر بمشروع قريضة الزراعي تنتج محصول الفول السوداني، الذي سيعتمد على الري المحوري، وسيتم تصديره إلى أمريكا.
فلماذا تعطى هذه المساحة الواسعة لمستثمر أمريكي، ولماذا لا تعطى لأهل البلد؛ من خريجي كلية الزراعة، وتوفر لهم الدولة مدخلات الإنتاج ليزرعوا فيها، وينتجوا بدلا عن العطالة التي تقابل خريجي الزراعة الذين تضخهم جامعات ما أسموه ثورة التعليم بالآلاف كل عام؟ ولماذا لا يزرع أرض قريضة أهلها في دارفور الذين يتضورون جوعا ويمدون أيديهم للمساعدات الأجنبية أعطوهم أو منعوهم؟! لماذا لا تشجع الدولة الإنتاج المحلي، بل تشجع الاستثمار الأجنبي؟! إن تراجع دور الدولة في الإنتاج المحلي والاتجاه نحو اقتصاديات السوق الحر والخصخصة، التي تعتمد على جذب الاستثمارات الأجنبية كأحد الآليات الأساسية لتحقيق الإصلاح والنمو الاقتصادي كما يزعمون هي ليس علاجا لتدهور الاقتصاد بل هي الداء وأس البلاء مهما روج لها وإليكم البيان:
من المعلوم بداهة أن الاستثمارات الأجنبية تتجه نحو إنتاج نوع معين من المنتجات الأولية، يوجه للتصدير إلى البلد الذي انساب منه رأس المال، ما يؤدي إلى أن يصبح الاقتصاد المحلي مجرد مراكز أمامية لاقتصاد أجنبي، لجلب المادة الخام، وهذه ظاهرة ليست حديثة، بل إنه منذ قدوم الاستعمار في القرنين 18 و19، فقد بحث المستعمر عن المادة الأولية؛ زراعية وتعدينية وغيرها، فأنشأ جيوبا اقتصادية، كالمزارع العلمية، والموانئ، والبنية التحتية التي تساعده على تصدير تلك المواد الخام إلى بلده، ما أدى إلى الازدواجية الاقتصادية، وإعادة توجيه الاقتصاد المحلي نحو حركة التجارة الدولية، والحركة النقدية العالمية، ونتج عن ذلك حدوث ظاهرة توجيه الاقتصاد المحلي، وظاهرة التبعية، فأصبح الإنتاج الاقتصادي يتألف من قطاعات وشركات متجاورة، لا تتكامل فيما بينها، ولكنها تتكامل بطريقة منفصلة وقوية، مع مراكز الجاذبية التي توجد في الغرب الرأسمالي، أي دولة تنتج مادة سمِّها ما شئت، محاصيل نقدية، مواد معدنية، أو مواد طاقة، هذه المواد إذا استثمرت محلياً بالإضافة للعقليات وتوفر الأيدي العاملة، كفيلة بإيجاد أعظم نهضة اقتصادية يشهدها العالم، لهذا لا تعدو الاستثمارات الأجنبية أن تكون سناً في دولاب الاستعمار غير المباشر، الذي يفقر البلاد ويؤدي إلى تقوية الطبقات الموسرة؛ بما يدره من دولارات معدودة عادة ما يستثمرها الحكام في الغرب الرأسمالي ولا يستفيد أهل البلد منها إلا ضنكاً وفقراً ومرضًا.
تؤثر الاستثمارات الأجنبية المباشرة، سلباً على موازين مدفوعات الدول النامية، نتيجة تحويل أرباحها كلها أو معظمها إلى الخارج، وكما تشير بعض الدراسات عن نخبة من كتاب المال والاقتصاد “أنه خلال الفترة 1978 – 1990 تدفق إلى الدول النامية استثمارات تقدر بحوالي 6 مليارات دولار، أسفرت عن أرباح وفوائد ورسوم تدفقت إلى الدول المتقدمة قدرها 13 مليارا”. إذاً من المستفيد الحقيقي من هذه الاستثمارات؟ إن الاستثمار الأجنبي يُغلِّب جانب الربحية إلى أقصى حد ممكن، باعتباره الحافز الرئيس لأي نشاط استثماري في الاقتصاد الرأسمالي، دون أن يعنيه مبدأ ولا قيمة أخرى في إنتاج السلع والخدمات في الاقتصاد المضيف، لأنه لا تحركه سوى الاعتبارات الاقتصادية البحتة، متجاهلاً في سلوكه الاستثماري مصلحة البلد المضيف، وما هزيمة شجرة المطاط في موطنها الأول البرازيل، وما تفوقها في جنوب شرق آسيا، إلا دليل صارخ على أنانية الاستثمار الأجنبي، الذي وضع الربح السريع نصب عينيه فعرف زراعة قصب السكر، وصناعته وما تدره من عائدات، ولما اكتشفوا سهولة العائد من جمع المطاط، انتقلوا إليه… وهكذا مارسوا زراعة المطاط المتنقلة، التي خلت من الاهتمام والترقية، واستخدموا فيها العمالة الرخيصة المستجلبة من إفريقيا فهُزمت شجرة المطاط في البرازيل، رغم أنها الموطن الأول لزراعته، بسبب سلوك الاستثمار الأجنبي الذي لا يهمه إلا الثراء السريع، أما هدر مورد التربة وتصحرها فلا يهمه.
إن مخاطر الاستثمار الأجنبي بينة، ولا تخفى على من بيدهم القرار، رغم ذلك فقد شجعوا هذه الاستثمارات الأجنبية، وذلك عن طريق منحها مختلف الامتيازات والإعفاءات، كما تكشف ذلك قوانين تشجيع الاستثمار الأجنبي، التي صدرت في الآونة الأخيرة، كإعفاء واردات المشاريع الاستثمارية من الرسوم الجمركية، والضرائب على الدخل لفترة محدودة، والتأكيد على عدم التأميم والمصادرة والحجز، وحماية منتجات المشروع من المنافسة، وهذا ما لا يحلم به ابن البلد، الذي إذا قدر له أن يفتح مشروعاً استثمارياً من أي نوع فسرعان ما يغلقه بسبب الضرائب والجبايات. أما تسارع الدولة في الدخول في اتفاقيات دولية، ثنائية وجماعية مع الصين وروسيا ومؤخراً مع أمريكا، لتشجيع تدفق هذه الاستثمارات داخل أراضيها، باعتبارها هي الضمانات الحقيقية كما يزعمون، لتشجيع تدفق رأس المال الأجنبي إلى السودان، فهو تسارع نحو مزيد من التداعيات الاقتصادية وهكذا، بين عشية وضحاها أصبحت هذه الاستثمارات تُسيل لعاب الدولة التي لا تملك شيئاً آخر يدر عليها هذه الأموال، فأصبحت مصدراً من مصادر التدفقات المالية، التي يضعونها في البنوك الغربية، ليدفعوا عجلة الاقتصاد في الغرب. أما بلادنا فلا نصيب لها! وصدق من قال (إن الحكام الوطنيين هم أكبر مفرط في الوطن ومصلحة الوطن)، فقد عهدناهم في السودان يفتخرون بأنهم أعطوا الجنوبيين دولة ببترولها ويتشدقون بأنهم دفعوا ثمن السلام بذلك، ولكن من دفعه هو ابن البلد الذي أصبح رغيف الخبز عنده على الكفاف! وحديث الدولة عن جذب الاستثمار الأجنبي، باعتباره وسيلة تمويل للتنمية الاقتصادية والمجتمعية التي أصبحت هدفاً رئيساً على حد زعمها، تسعى إلى تحقيقه من خلال تشجيع الاستثمارات الأجنبية، من أجل زيادة دخلها القومي، ومن ثم زيادة متوسط دخل الفرد، والارتقاء بمستواه المعيشي، كل ذلك محض كذب وافتراء لم نر له واقعاً في حياتنا، وما أدل على ذلك من الجوعى حول مشروع قريضة الذي أعطوا فيه ذلك المستثمر الأمريكي أرضا أهلها يعيشون على المساعدات الأجنبية التي هي السم في الدسم!
إن دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القائمة قريبا بإذن الله هي من يحافظ على موارد المسلمين باعتبارها ملكا للأمة، كما قال السلطان عبد الحميد ليهود الذين طالبوه بإعطائهم أرض فلسطين مقابل دفع الجزية، فقال قولته المشهورة: (إن عمل المبضع في جسدي أهون علي من أن أقطعكم شبرا من فلسطين فهي ملك للمسلمين)، ودولة الخلافة لن تسامح كل من أعطى شبراً لأجنبي للاستثمار فيه، لأن ذلك ظلم وهدر للموارد ورهن لثروات البلاد للأجنبي، وإفقار للعباد، وكل ذلك محرّم، لأنه ضرر وواجب الإزالة.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غاده عبد الجبار – أم أواب
2018_02_01_Art_Foreign_investments_a_tooth_in_the_wheel_of_colonialism_AR_OK_1_1.pdf