اعتقال روسيّا لحاملة الدّعوة “جنّات” تجنٍّ وعدوان
والصّمت عنه تآمرٌ وخذلان
أمام قوّة الحقّ يعجز الباطل عن المواجهة فيسلك طريقا ملتويا يوظّف فيه كلّ الوسائل لكسب المعركة. وسنّة الله في هذا الكون أن جعل بين الحقّ والباطل صراعا متواصلا تكون الغلبة فيه في النّهاية للحقّ.
يقول سبحانه وتعالى ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ وحسب تفسير الطّبري لهذه الآية ننـزّل الحقّ – وهو كتاب الله – على الكفر وأهله، فيدمغه، يقول: فيهلكه كما يدمغ الرّجل الرّجل بأن يشجّه على رأسه شجّة تبلغ الدّماغ، وإذا بلغت الشّجّة ذلك من المشجوج لم يكن له بعدها حياة…
وأمام هذه الحقيقة يبقى الباطل يتخبّط فيبحث عن طرق للنّيل من الحقّ بكلّ السّبل والوسائل وبكلّ ما أوتي من قوّة فيحوّل الصّراع إلى حلبة يمسك فيها بأهله ليذيقهم أنواع العذاب والتّنكيل فيعتقل بعضهم ويزجّ بهم في السّجون وينفي البعض الآخر في سعي متواصل لا يملّ ولا يكلّ لصرفهم عن نصرته وللحدّ من مساعدة هذا الحقّ. فإذا احتدمت المعركة بين الحقّ والباطل وبلغت ذروتها استعمل الباطل وسائل خبيثة ليسقط الحقّ ويطرحه أرضا ويضيّق عليه وعلى أهله الخناق خاصّة بعد أن ضعف الحقّ وتاه عن صاحبه.
تمكّن الباطل وكسب جولة فنال من الحقّ بعد أن سقطت دولته وحاميته. صارت الغلبة لهذا الباطل فتوجّه بحقده وكرهه نحو أهل الحقّ يذيقهم من العذاب ألوانا بعد أن لمس منهم إصرارا وعملا دؤوبا على إعادة دولته وسعى النّظام القائم عليه لتكميم الأفواه ومحاربة الأصوات المنادية بعودة الإسلام من جديد إلى الحياة ليحكمها ويسيّرها. وبالحديد والنّار أراد الباطل فرض وجهة نظره في الحياة وجعل المسلمين يسيرون وفقها ولكنّ أبناء أمّة الإسلام المخلصين وقفوا ضدّ مخطّطات الباطل ومساعيه ورفضوا السّير وراءه فكشّر عن أنيابه كوحش مسعور لا يرقب فيهم إلاّ ولا ذمّة.
تصدّى أبناء الأمّة المخلصون الثّابتون على الحقّ لهذا الباطل ورفعوا في وجهه شعارات لإسقاطه واقتلاعه من جذوره فكانت هجمته الشّرسة عليهم فاعتقل الكثير منهم – رجالا ونساء – وسجنهم وعذّبهم… تغوّل الباطل وانقضّ على حملة هذه الدّعوة المباركة التي برز نورها مضيئا بين ظلمات النّظام الرأسماليّ الفاسد الذي يحكم هذا العالم! حملة اعتقالات طالت حملة الدّعوة من شباب وشابّات حزب التّحرير الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه: كشف مخطّطات الكافر ومؤامراته ضدّ أمّة الإسلام وقلع نظامه من حياتهم ورفع راية الإسلام عاليا ترفرف من جديد ليعود نظاما يحكم العالم ويقوده كما أراد الله سبحانه.
أعلن الغرب – الباطل – عداءه للإسلام وأكّد أنّه لن يسمح بعودته إلى الحياة بعد أن أقصاه وأنّه سيحارب كلّ من ينادي بذلك ويعمل له، بل وصنّفه ضمن قائمة ما يسمّى “منظّمات إرهابيّة” حتّى يتسنّى له استعمال ما بدا له من وسائل للنّيل منه والقضاء عليه إن لزم الأمر.
دول الباطل كثيرة وتتسابق كلّها لتنفيذ ذلك وما نراه من انتهاكات وتقتيل وتنكيل بكلّ من يحمل الإسلام مشروعا للتّغيير يغني عن الذّكر والتّفصيل. وهذه الدّول – ويؤازرها حكّام المسلمين – تعمل على الحدّ من هذا المدّ الجارف لدعوة الإسلام حتّى لا تتمكّن من السّيطرة على العالم والحكم فيه، الأمر الذي جعل دولا غربيّة كافرة حاقدة تعمل على وأد أيّ محاولة لظهورها وبروزها تتزعّمها روسيا – تلك الدّولة البلشفيّة المجرمة – التي تلطّخت أيادي جنودها بدماء أطفال ونساء سوريا والتي تفنّنت في وسائل حربها على حملة الدّعوة فشنّت ضدّهم حملات اعتقال، ولم يقتصر تنكيلها بالشّباب ومداهمة منازلهم وترويع عائلاتهم بل تعدّى ذلك للاعتداء على النّساء الشّريفات العفيفات اللّاتي وُجّهت لهنّ تهمةُ العمل لاستئناف الحياة بالإسلام! تهمة عظيمة هي من منظور الحكومة الرّوسيّة تعني المساس بنظامها…
تعني أنّهنّ يعملن لتغيير نظام الدّولة بنظام الإسلام! طامّة كبرى ستحلّ بالدّولة ونظامها ولهذا لم تنفكّ السّلطات الرّوسيّة عن ملاحقة شباب وشابّات حزب التّحرير خاصّة بعد إعلانها في 14 شباط/فبراير عام 2003 الحزب منظّمة (إرهابيّة) وذلك بقرار من المحكمة العليا الرّوسيّة. فقامت بشنّ حرب ضروس لتلجم الأفواه وتقطع دابر هذا الفكر الذي يهدّد فكرها ونظامها ومصالحها واعتقلت من النّساء العديد، نخصّ بالذّكر الأخت جنّات – وهي زوجة عضو في حزب التّحرير معتقل ومحكوم عليه بـ12 سنة سجنا – والتي تعمل في حزب التّحرير وتحمل أفكاره وتنشرها… وجّه إليها هؤلاء الظّلمة تهمة قيادة خليّة نسائيّة (إرهابية) وتمّ القبض عليها في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2017م وقد تقرّر في شهر كانون الثاني/يناير 2018 تمديد حبس الأخت شهرين آخرين، وستقبع في سجون روسيا حتّى 2018/03/16م – موعد المحكمة القادمة – وصرّح مصدر في المكتب الصحفي لمديريّة جهاز الأمن الفيدراليّ الرّوسيّ في بطرسبورغ ومقاطعة لينينغراد أنّ العقوبات التي قد تتلقّاها المرأة المذكورة وفقا للتّشريعات الرّوسيّة يمكن أن تصل إلى السّجن المؤبّد.
أيّ جرم هذا الذي اقترفته؟ هل قامت بأعمال تخريب أو عنف أو قامت بتقتيل شعب أعزل حتّى تحاكم هذه المحاكمة الجائرة الظّالمة؟ من الإرهابيّ؟ أهي الأخت العفيفة “جنّات” التي تنادي بتحكيم شرع الله وتغيير واقع ذاق النّاسُ المرارةَ والقهر بالعيش في ظله أم هم الذين يحشدون الطّائرات ويقتّلون أطفال ونساء سوريا ويعتقلون كلّ من يخالفونهم الرّأي ويدّعون الحرّيّات؟!!
ليس غريبا ولا جديدا ما تقوم به روسيا تجاه الأخوات المسلمات العاملات الثّابتات على نصرة هذا الدّين، فمنذ عقود مضت اضُطهدت العديد منهنّ بسبب إسلامهنّ ورفضهنّ العودة إلى النّصرانيّة والارتداد عن الإسلام وحكمت عليهنّ بالقتل حرقا (مثل: كيسا نبيك بايراسوف: تبلغ من العمر 60 عاماً: حكم عليها – لإخافة الآخرين – بالقتل حرقاً، على أن يعاقب في المستقبل أمثالها) (المصدر: الأرشيف الحكوميّ لمنطقة سفيردلوفسك).
واعتقل جهاز الأمن الدّاخلي الرّوسي [F.S.B] الأخت المسلمة صديقوفا أوميدخا نغانيفنا، ولم يسمحوا لها بالاتّصال لتخبر عن مكانها وألقي بأطفالها الثّلاثة الصّغار في بيت الأيتام للضّغط على زوجها حتّى يعترف بتهم ملفّقة لم يرتكبها… أعمال تكشف وحشيّة الباطل وجبنه واستخدامه وسائل ضغط حقيرة حقارة مفاهيمه ونظامه. غايته من وراء ذلك كلّه إبعاد النّاس عن اعتناق الإسلام وصرفهم عن هؤلاء الذين يدعون لأفكار حزب التّحرير والخوف من سماعهم والاقتناع بأفكارهم.
رغم أنّهم على يقين أنّ حزب التّحرير لا يتبنّى العمل المادّيّ بناء على أنّه حكم شرعيّ يتبنّاه واقتداء بما سار عليه رسوله r في بناء دولته… ورغم علمهم الجازم أنّ حملة الدّعوة في حزب التّحرير يغيّرون الأفكار والمفاهيم الفاسدة دون عنف ولا “أعمال إرهابية” إلّا أنّ أهل الباطل يستميتون في محاربتهم لعلمهم أنّهم قادرون على التّغيير لأنّهم يسلكون الطّريق الصّحيح له والذي به ستنهض أمّتهم من جديد.
لقد تحمّلت حاملات الدّعوة الصّادعات بالحقّ المحافظات على دينهنّ الأذى والملاحقة والاعتقال والتّعذيب على يد حكّام أنظمة الغرب وحكّام بلاد المسلمين العملاء الخونة، ونسأل الله الثّبات لنا ولهنّ ولجميع المعتقلين والمعتقلات ولا نرجو غير رضوان الله نتوكّل عليه ونرضى بقضائه ونمضي لاستئناف الحياة الإسلاميّة لإيجاد دولة الخلافة ولا نخشى في الله لومة لائم!… فصبرا! إنّ وعد الله آت وهو بإذنه قريب وقد أشرقت أنواره…
بالرغم من أنّ الباطل قد يبلغ الذّروة في القوّة والبطش والتّمكين وقد يكون الحقّ آنذاك في أقصى محنة وضعف إلّا أنّ ثبات أهل الحقّ على الطّريق ودعاءهم ربّهم أن يستعملهم لنصرة دينه ولا يستبدلهم فهذا يمثّل نقطة التّحوّل التي ستقلب الحال… وعندها يكون الامتحان لأهل الحقّ؛ فإن ثبتوا وصمدوا يحدث التّحوّل ويبدأ الحقّ طريقه في الصّعود والارتفاع ليعلو شامخا، في حين سيتقهقر الباطل ويُدمغ ويُشجّ رأسه وتكون نهايته… حينئذ – وبإذن الله – يكون النّصر والتّمكين ويتحقّق وعده. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التّحرير
زينة الصّامت