بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح104) مشروع الدستور- أحكام عامّة – دار الإسلام ودار الكفر
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا “بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام” وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: “مَشرُوعُ الدُّستُور – أحكَامٌ عَامَّة”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّانِيَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ “نظامُ الإسلام” لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 5- جَمِيعُ الَّذِينَ يَحمِلُونَ التَّابِعِيَّةَ الإِسلامِيَّةَ يَتَمَتَّعُونَ بِالحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.
المادة 6- لا يَجُوزُ لِلدَّولَةِ أنْ يَكُونَ لَدَيهَا أيُّ تَميِيزٍ بَينَ أفرَادِ الرَّعِيَّةِ فِي نَاحِيَةِ الحُكْمِ أوِ القَضَاءِ أو رِعَايَةِ الشُّؤُونِ أوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ أنْ تَنظُرَ لِلجَمِيعِ نَظْرَةً وَاحِدَةً بِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ العُنصُرِ أوِ الدِّينِ أوِ اللَّونِ أوْ غَيرَ ذَلِكَ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ المُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَاتان هما الـمَادَّتَانِ الخَامِسَةُ والسَّادِسَةُ مِنهُ, وَقَدْ بَيَّـنَّا أَدِلَّتهمَا فِي إِحدَى عَشْرَةَ نُقطَة, وَهَا نَحنُ نُوَاصِلُ بَيَانَ الأَدِلَّةِ مِنْ خِلَالِ النُّقَاطِ الآتِيَةِ:
1. وَأمَّا بِالنِّسبَةِ لِدَارِ الإِسلامِ وَدَارِ الكُفْرِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَعَلَ الـمُسلِمِينَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ خَارِجَ الدَّولَةِ وَلا يَكُونُونَ مِنْ رَعَايَاهَا مَحرُومِينَ مِمَّا يَتَمَتَّعُ بِهِ رَعَايَا الدَّولَةِ، فَعَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ عَنْ أبِيهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أمَّرَ أمِيرًا عَلَى جَيشٍ أو سَرِيَّةٍ أوصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الـمُسلِمِينَ خَيرًا، ثُمَّ قَالَ: اغزُوا بِسمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغزُوا وَلا تَغُلُّوا, وَلا تَغدُرُوا, وَلا تُمَثِّلُوا, وَلا تَقتُلُوا وَلِيدَةً، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الـمُشرِكِينَ فَادعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ أو خِلالٍ، فَأيَّتُهُنَّ مَا أجَابُوكَ فَاقبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنهُمْ: ادعُهُمْ إِلَى الإِسلامِ, فَإِنْ أجَابُوكَ فَاقبَلْ مِنهُمْ وَكُفَّ عَنهُمْ. ثُمَّ ادعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الـمُهَاجِرِينَ، وَأخبِرْهُمْ أنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلمُهَاجِرِينَ, وَعَلَيهِمْ مَا عَلَى المُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أبَوا أنْ يَتَحَوَّلُوا مِنهَا فَأخْبِرْهُم ْأنَّهُم يَكُونُونَ كَأعرَابِ الـمُسلِمِينَ, يَجرِي عَلَيهِمُ الَّذِي يَجرِي عَلَى المُسلِمِينَ, وَلا يَكُونُ لَهْمْ فِي الفَيءِ وَالغَنِيمَةِ شَيءٌ إِلاَّ أنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الـمُسلِمِينَ».
2. فَهَذَا الحَدِيثُ صَرِيحٌ بِأنَّ مَنْ لا يَتَحَوَّلُ إِلَى دَارِ الإِسلامِ وَلَو كَانَ مُسلِمًا لا يَملِكُ أيَّ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الرَّعَوِيَّةِ. فَقَد دَعَاهُمُ الرَّسُولُ لأنْ يَدخُلُوا تَحْتَ سُلطَانِ الإِسلامِ حَتَّى يَكُونَ لَهُمْ مَا لِلمُسلِمِينَ وَعَلَيهِمْ مَا عَلَيهِمْ، إِذْ يَقُولُ: «ثُمَّ ادعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ المُهَاجِرِينَ, وَأخبِرْهُمْ أنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلمُهَاجِرِينَ, وَعَلَيهِمْ مَا عَلَى المُهَاجِرِينَ». فَهَذَا نَصٌّ يَشتَرِطُ التَّحَوُّلَ لِيَكُونَ لَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيهِمْ مَا عَلَينَا، أيْ لِتَشمَلَهُمُ الأحكَامُ، وَلِهَذَا لا تَشمَلُ الأحْكَامُ الـمُسلِمَ الَّذِي فِي دَارِ الحَرْبِ, فَلا يُعْطَى حَقَّ الرَّعَوِيَّةِ، لأنَّهُ إِنَّمَا يَكسِبُهُ الشَّخْصُ إِذَا تَحَوَّلَ إِلَى دَارِ الإِسلامِ، وَيُحرَمُ مِنهُ إِذَا كَانَ فِي غَيرِ دَارِ الإِسلامِ. وَتَشمَلُ الأحْكَامُ الذِّمِّيَّ الَّذِي فِي دَارِ الإِسلامِ فَيُعطَى حَقَّ الرَّعَوِيَّةِ لأنَّهُ يَستَوطِنُ دَارَ الإِسلامِ.
3. وَإِقَامَةُ الشَّخْصِ فِي دَارِ الإِسلامِ أو فِي دَارِ الكُفْرِ هِيَ مَا يُعبَّرُ عَنهُ بِالتَّابِعِيَّةِ. فَتَابِعِيَّةُ الشَّخْصِ مَعنَاهَا الدَّارُ الَّتِي رَضِيَهَا مُقَامًا لَهُ، هَلْ هِيَ دَارُ كُفْرٍ أمْ دَارُ إِسلامٍ، فَإِنْ كَانَتْ دَارَ إِسلامٍ انطَبَقَ عَلَيهَا أحكَامُ دَارِ الإِسلامِ، فَيَكُونُ الشَّخْصُ حَامِلاً لِتَابِعِيَّةٍ إِسلامِيَّةٍ، وَإِنْ كَانَتِ الدَّارُ دَارَ كُفْرٍ انطَبَقَتْ عَلَيهَا أحْكَامُ دَارِ الكُفْرِ، فَلا يُعتَبَرُ الشَّخْصُ حَامِلاً لِلتَّابِعِيةَّ الإِسلامِيَّةِ، وَتُطَبَّقُ عَلَيهِ أحْكَامُ دَارُ الكُفْرِ.
4. وَتُعتَبَرُ الدَّارُ دَارَ إِسلامٍ إِذَا تَوَفَّرَ فِيهَا أمرَانِ: أحَدُهُمَا أنْ تَكُونَ مَحكُومَةً بِسُلطَانِ الإِسلامِ مُطَبَّقَةً عَلَيهَا أحْكَامُهُ، وَالثَّانِي أنْ يَكُونَ أمَانُهَا بِأَمَانِ الـمُسلِمِينَ أي بِسُلْطَانِهِمْ.
5. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أنَّ كَلِمَتَي “دَارُ كُفْرٍ” وَ”دَارُ إِسلامٍ” اصطِلاحٌ شَرعِي ٌّوُضِعَ لِلبِلادِ التِي تَحْتَ سُلْطَانِ الإِسلامِ, وَالبِلادِ الَّتِي لَيسَتْ تَحْتَ سُلطَانِ الإِسلامِ، وَاستُنْبِطَ مِنْ مَجمُوعِ أحْكَامِ الَّذِينَ يَكُونُونَ تَحْتَ سُلْطَانِ الـمُسلِمِينَ, وَالَّذِينَ لا يَكُونُونَ تَحْتَ سُلطَانِ الـمُسلِمِينَ، وَدَلِيلُهُ هُوَ حَدِيثُ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ: «وَأخبِرْهُمْ أنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلمُهَاجِرِينَ وَعَلَيهِمْ مَا عَلَى الـمُهَاجِرِينَ». فَإِنَّ مَفهُومَهُ أنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَتَحَوَّلُوا لا يَكُونُ لَهُمْ مَا لِلمُهَاجِرِينَ أيْ مَا لِمَنْ هُمْ مِنْ دَارِ الإِسلامِ، فَإِنَّ هَذَا الحَدِيثَ قَدْ بَيَّنَ اختِلافَ الأَحكَامِ بَينَ مَنْ يَتَحَوَّلُ إِلَى دَارِ الـمُهَاجِرِينَ, وَبَينَ مَنْ لا يَتَحَوَّلُ إِلَى دَارِ الـمُهَاجِرِينَ، وَدَارُ المُهَاجِرِينَ كَانَتْ هِيَ دَارَ الإِسلامِ, وَمَا عَدَاهَا كَانَ دَارَ كُفْرٍ، فَمِنْ هُنَا استُنبِطَ اصطِلاحُ دَارِ الإِسلامِ وَدَارِ الحَرْبِ, أو دَارِ الكُفْرِ.
6. فَتَكُونُ إِضَافَةُ الدَّارِ لِلحَرْبِ وَالكُفْرِ أو لِلإِسلامِ هِيَ إِضَافَةٌ لِلحُكْمِ وَالسُّلطَانِ. فَدَارُ الحَرْبِ أو دَارُ الكُفْرِ هِيَ البِلادُ الَّتِي تَحتَ سُلطَانِ أهْلِ الحَرْبِ وَلَو حُكْمًا، وَدَارُ الإِسلامِ هِيَ الدَّارُ الَّتِي تَحْتَ سُلطَانِ أهْلِ الإِسلامِ.
7. وَمِنْ ذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أنَّ اعتِبَارَ الدَّارِ لا بُدَّ أنْ يَتَحَقَّقَ فِيهِ السُّلطَانُ لِمَنْ تُنسَبُ إِلَيهِ، فَتَحقُّقُهُ شَرطٌ أسَاسِيٌّ. وَالسُّلطَانُ لا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِأمرَينِ:
أ- أحَدِهِمَا: رِعَايَةُ المَصَالِحِ بِأفكَارٍ مُعَيَّنَةٍ.
ب- وَالثَّانِي: القُوَّةُ الَّتِي تَحمِي الرَّعِيَّةَ, وَتُنَفِّذُ الأحكَامَ أيِ الأَمَانُ. وَمِنْ هُنَا جَاءَ اشتِرَاطُ الشَّرطَينِ الـمَذكُورَينِ: تَطبِيقُ أحْكَامِ الإِسلامِ, وَأن يَكُونَ أمَانُهَا بِأمَانِ المُسلِمِينَ.
8. هَذَا مِنْ نَاحِيَةِ الدَّلِيلِ عَلَى الشَّرطَينِ، ثُمَّ إِنَّهُ بِالنِّسبَةِ لِتَطبِيقِ أحْكَامِ الإِسلامِ, وَعَدَمِ تَطبِيقِ أحْكَامِ الكُفْرِ فَإِنَّ دَلِيلَهُ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَوفِ بْنِ مَالِكٍ فِي شِرَارِ الأَئِمَّةِ حَيثُ جَاءَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَلا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيفِ؟ فَقَالَ: لا، مَا أقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ».
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.