بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح 122) المصالحُ المُرْسَلَةُ ليست منَ الأدلةِ الشرعيةِ المعتبرة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا “بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام” وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالعِشْرِينَ بَعدَ الـمَائَةِ, وَعُنوَانُهَا: “مَشرُوعُ الدُّستُورِ – نِظَامُ الحُكْمِ”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ “نظامُ الإسلام” لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 12: الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالقِيَاسُ هِيَ وَحْدَهَا الأَدِلَّةُ الـمُعتَبَرَةُ لِلأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذِهِ هي الـمَادَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ.
يُتَابِعُ الشَّيخُ – رَحِمَهُ اللهُ – بَيَانَ الأَدِلَّةِ غَيرِ الـمُعتَبَرَةِ لِلأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ, وَمِنهَا الـمَصَالِـحُ الـمُرسَلَةُ, وَإِلَيكُمْ بَيَانَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
- الَّذِينَ يَقُولُونَ بِأَنَّ الـمَصَالِـحَ الـمُرسَلَةَ مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ لَـمْ يَستَطِيعُوا أَنْ يَأتُوا لَـهَا بِدَلِيلٍ شَرعِيٍّ. وَلَكِنَّهُمْ لَـمَّا عَلَّلُوا الشَّرِيعَةَ كُلَّهَا بِأَنَّهَا لِجَلْبِ الـمَصَالِـحِ وَدَرءِ الـمَفَاسِدِ, عَلَّلُوا كَذَلِكَ كُلَّ حُكْمٍ مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ بِأَنَّهُ لِـجَلْبِ الـمَصلَحَةِ وَدَرءِ الـمَفسَدَةِ.
- اشتَرَطَ بَعضُهُمُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَرَدَ فِي الشَّرعِ نَصٌّ عَلَى اعتِبَارِهَا بِعَينِهَا مَصلَحَةً, أَو نَصٌّ عَلَى اعتِبَارِهَا بِنَوعِهَا مَصْلَحَةً.
- بَعضُهُمْ لَـمْ يَشتَرِطْ ذَلِكَ، بَلِ اعتَبَرَ الـمَصْلَحَةَ دَلِيلًا شَرعِيًا, وَلَو لَـمْ يَرِدْ نَصٌّ مِنَ الشَّرعِ بِاعتِبَارِهَا بِعَينِهَا أَو بِنَوعِهَا؛ لِأَنَّهَا تَدخُلُ فِي عُمُومِ الـمَصَالـِح ِالَّتِي تُـجتَلَبُ بـِهَا الـمَنَافِعُ وَتُـجتَنَبُ الـمَضَارُّ.
- عَرَّفُوا الـمَصَالِـحَ الـمُرسَلَةَ بِأَنَّهَا كُلُّ مَصْلَحَةٍ لَـمْ يَرِدْ فِي الشَّرعِ نَصٌّ عَلَى اعتِبَارِهَا بِعَينِهَا أَو بِنَوعِهَا. فَإِنَّ مَعنَى (مُرْسَلَة) هُوَ أَنَّهَا مُرْسَلَةٌ مِنَ الدَّلِيلِ.
- قَالُوا: إِذَا كَانَتِ الـمَصْلَحَةُ قَد جَاءَ بِهَا نَصٌّ خَاصُّ بِعَينِهَا كَتَعلِيمِ القِرَاءَةِ وَالكِتَابَةِ، أَوْ كَانَتْ مِمَّا جَاءَ نَصٌّ عَامٌّ فِي نَوعِهَا يَشهَدُ لَهَا بِالاعتِبَارِ كَالأَمْرِ بِكُلِّ أَنوَاعِ الـمَعرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ جَمِيعِ فُنُونِ الـمُنكَرِ، فَإِنَّهَا فِي هَاتَينِ الحَالَتَينِ لَا تُعتَبَرُ مِنَ الـمَصَالِـحِ الـمُرسَلَةِ، بَلِ الـمَصَالِـحُ الـمُرسَلَةُ هِيَ الـمُرسَلَةُ مِنَ الدَّلِيلِ، أَيْ هِيَ الَّتِي لَا يُوجَدُ دَلِيلٌ عَلَيهَا، بَلْ هِيَ مَأخُوذَةٌ مِنْ عُمُومِ كَونِ الشَّريعَةِ جَاءَتْ لِـجَلْبِ الـمَصَالِـحِ وَدَرءِ الـمَفَاسِدِ.
- فَرَّقُوا بَينَ الـمَصَالِـحِ الشَّرعِيَّةِ وَغَيرِ الشَّرعِيَّةِ، فَالـمَصَالِـحُ الشَّرعِيَّةُ هِيَ الَّتِي تَتَّفِقُ مَعَ مَقَاصِدِ الشَّريِعَةِ، وَالـمَصَالـِحُ غَيرُ الشَّرعِيَّةِ هِيَ الَّتِي تَتَنَافَى مَعَ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ.
- الـمَصَالِـحُ الـمُرسَلَةُ الـمُعتَبَرَةُ دَلِيلًا شَرعِيًّا هِيَ الَّتِي تَتَّفِقُ مَعَ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ تَتَنَافَى مَعَ مَقَاصِدِ الشَّريعَةِ, فَلَا تُعتَبَرُ مِنَ الـمَصَالِـحِ الـمُرسَلَةِ, وَبِالتَّالِي لَا تَكُونُ دَلِيلًا شَرعِيًّا.
- الـمَصَالِـحُ الـمُرسَلَةُ هِيَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى اعتِبَارِهَا نُصُوصُ الشَّرِيعَةِ بِوَجْهٍ كُلِّيٍّ، فَتُبْنَى عَلَى أَسَاسِهَا الأَحْكَامُ الشَّرعِيَّةُ الجُزئِيَّةُ عِندَ فُقدَانِ النَّصِّ الشَّرعِيِّ فِي الحَادِثَةِ أَوْ فِيمَا يُشَابِهُهَا، فَتَكُونُ الـمَصلَحَةُ هِيَ الدَّلِيلَ الشَّرعِيَّ.
- هَذِهِ خُلَاصَةُ الـمَصَالِـحِ الـمُرسَلَةُ, وَهِيَ بَاطِلَةٌ لِلأَسبَابِ الآتِيَةِ:
أولا: إِنَّ النُّصُوصَ الشَّرعِيَّةَ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ لِلعَبدِ، فَهِيَ الدَّلِيلُ الشَّرعِيُّ عَلَى حُكْمِ الشَّرعِ فِي هَذَا الفِعْلِ، وَهِيَ لَيسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالـمَصْلَحَةِ، وَلَا جَـاءَتْ دَلِيلًا عَلَى الـمَصـْلَحَـةِ. فَاللهُ تَعَالَى حِينَ يَقُولُ: (فَرِهَانٌ مَقبُوضَةٌ). (البقرة 283) وَحِينَ يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَينٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّىً فَاكتُبُوهُ).(البقرة 282) وَحِـينَ يَـقُـولُ: (وَأَشهِدُوا إِذَا تَبَايَعتُم). (البقرة 282) إِنَّما يُبَيِّنُ حُكْمَ الرَّهْنِ, وَحُكْمَ كِتَابَةِ الدَّينِ, وَحُكْمَ الشَّهَادَةِ عِندَ البَيعِ،وَلَـمْ يُبَيِّنْ أَنَّ هَذِهِ مَصْلَحَةٌ, أَوْ لَيسَتْ بِمَصْلَحَةٍ، لَا صَرَاحَةً وَلَا دَلَالَةً، وَلَا يُؤَدِّي النَّصُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الحُكْمَ مَصْلَحَةٌ أَو لَيسَ بِمَصْلَحَةٍ لَا مِنْ قَرِيبٍ, وَلا مِنْ بَعِيدٍ وَلَا بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، فَمِنْ أيَنَ يُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ مَصَالِـحُ دَلَّ عَلَيهَا الشَّرْعُ حَتَّى تُعتَبَرَ هَذِهِ مَصْلَحَةً؟ وَبِالتَّالِي تُعتَبَرَ دَلِيلًا شَرعِيًّا؟!
ثانيًا: وَأَيضًا فَإِنَّ العِلَلَ الشَّرعِيَّةَ جَاءَتْ كَالنُّصُوصِ الشَّرعِيَّة مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلِ العَبدِ وَدَلِيلًا عَلَى عَلَامَةِ حُكْمِ الشَّرعِ فِي هَذَا الفِعْلِ، وَلَـمْ تَأْتِ لِتُبَيِّنَ الـمَصْلَحَةَ, وَلَا لِتُبَيِّنَ عَلَامَةَ الـمَصْلَحَةَ. فَاللهُ تَعَالَى حِينَ يَقُولُ: (كَي لَا يَكُونَ دُولَةً بَينَ الأَغنِيَاءِ مِنكُمْ). (الحشر 7) وَحِينَ يَقُولُ: (لِكَي لَا يَكُونَ عَلَى الـمُؤمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدعِيَائِهِمْ). (الأحزاب 37) وَحِينَ يَقُولُ: (وَالـمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ). (التوبة 60) إِنَّما يُبَيِّنُ عِلَّةَ تَوزِيعِ الـمَالِ عَلَى الفُقَرَاءِ دُونَ الأَغنِيَاءَ بِأَنَّهَا لِـمَنْعِ تَدَاوُلِ الـمَالِ بَينَ الأَغنِيَاءِ، وَيُبَيِّنُ عِلَّةَ تَزَوُّجِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِزَينَبَ بِأَنَّهَا لِبَيَانِ إِبَاحَةِ تَزَوُّجِ امرَأَةِ الشَّخصِ الـمُتَبَنَّى، وَيُبَيِّنُ عِلَّةَ إِعطَاءِ الـمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ بِأَنَّهَا حَاجَةُ الدَّولَةِ لِتَألِيفِ قُلُوبِهِمْ. فَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ هَذِهِ مَصْلَحَةٌ، وَإِنَّما يُبَيِّنُ شَيئًا مُعَيَّنًا هُوَ عِلَّةٌ لِحُكْمٍ مُعَيَّنٍ، دُونَ أَيِّ اعتِبَارٍ لِلمَصْلَحَةِ وَعَدَمِ الـمَصْلَحَةِ، بَلْ دُونَ أَيِّ نَظَرٍ إِلَيهَا لَا مِنْ قَرِيبٍ, وَلَا مِنْ بَعِيدٍ، فَمِنْ أَينَ يُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ العِلَلَ دَلَّ عَلَيهَا الشَّرْعُ حَتَّى تُعتَبَرَ هَذِهِ الـمَصَالِـحُ دَلِيلًا شَرعيًا؟
ثالثا:إِذَا كَانَ الشَّرعُ لَـمْ تَدُلَّ نُصُوصُهُ عَلَى أَنَّهَا جَاءَتْ لِـمَصْلَحَةٍ، لَا فِي دَلَالَتِهَا عَلَى الحُكْمِ، وَلَا فِي دَلَالَتِهَا عَلَى عِلَّةِ الحُكْمِ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النُّصُوصَ دَلَّتْ عَلَى مَصَالِـحَ بِعَينِهَا أَو عَلَى مَصَالِـحَ بِنَوعِهَا؛ لأَنَّ ذَلِكَ لَـمْ يَأتِ شَيءٌ مِنهُ فِي النُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ مُطْلَقًا. وَبِهَذَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ أَنَّ النُّصُوصَ الشَّرعِيَّةَ جَاءَتْ دَلِيلًا عَلَى مَصَالِـحَ بِعَينِهَا أَوْ عَلَى مَصَالِـحَ بِنَوعِهَا؛ فَلَا تُعتَبَرُ هَذِهِ الـمَصَالِـحُ دَلِيلًا شَرعِيًّا.
رابعًا: إِنَّ الـمَصَالِـحَ الـمُرسَلَةَ اشتَرَطُوا فِيهَا حَتَّى تَكُونَ مُرسَلَةً أَن لَا يَرِدَ نَصٌّ فِي الشَّرعِ يَدُلُّ عَلَى اعتِبَارِهَا لَا بِعَينِهَا وَلَا بِنَوعِهَا، فَيَكُونُ اشتِرَاطُهُمْ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا دَلِيلٌ مُعَيَّنٌ مِنَ الشَّرعِ، وَإِنَّما تُفهَمُ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَهَذَا وَحْدَهُ كَافٍ لإِسْقَاطِهَا مِنَ اعتِبَارِ الشَّرعِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ وُرُود دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيهَا كَافٍ لِرَدِّهَا؛ لِأَنَّ الحُكْمَ الـمُرَادَ أَخذُهُ هُوَ حُكْمُ الشَّرعَ لَا حُكْمُ العَقْلِ، فَلَا بُدَّ لِاعتِبَارِهِ أَنَّهُ مِنَ الشَّرعِ أَنْ يَرِدَ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَيهِ مِمَّا جَاءَ بِهِ الوَحْيُ، أَيْ مِنَ الكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، فَاشتِرَاطُ أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَيهِ نَصٌّ مِنَ الشَّرعِ كَافٍ لِنَفْيِ الشَّرعِيَّةِ عَنهُ.
خامسا: وَأَمَّا كَونُ هَذِهِ الـمَصَالِـحِ الـمُرسَلَةِ تُفْهَمُ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ مَقَاصِدَ الشَّرِيعَةِ لَيسَتْ نَصًّا يُفهَمُ حَتَّى يُعتَبَر مَا يُفْهَمْ مِنْهَا دَلِيلًا، فَلَا قِيمَةَ لِمَا يُفهَمُ مِنهَا فِي الاستِدلَالِ عَلَى الحُكْمِ الشَّرعِيِّ.
سادسًا: ثُمَّ إِنَّ مَا يُسَمَّى بِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، إِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا دَلَّتْ عَلَيهِ النُّصُوصُ مِثْلُ تَحرِيمِ الزِّنَا, وَتَحرِيمِ السَّرِقَةِ, وَتَحرِيمِ قَتْلِ النَّفسِ, وَتَحرِيمِ الخَمْرِ, وَتَحرِيمِ الارتِدَادِ عَنِ الإِسلَامِ، فَإِنَّهُ لَيسَ مَقْصِدًا لِلشَّرِيعَةِ, وَإِنَّما هُوَ حُكْمٌ لِأَفعَالِ العِبَادِ، فَيُوقَفُ فِيهِ عِندَ مَدلُول النَّصِّ.
سابعًا: لَا مَحَلَّ لِاعتِبَارِ هَذَا الحُكْمِ الَّذِي فُهِمَ مِنَ النَّصِّ دَلِيلًا شَرعِيًّا بَلْ هُوَ حُكْم شَرعِيٌّ، وَمِنْ بَابِ أَولَى أَنَّهُ لَا اعتِبَارَ لِـمَا يَتَخَيَّلُهُ الذِّهْنُ مِنهُ بِأَنَّهُ مَقْصِدُ الشَّرِيعَةِ مِنْ هَذَا الحُكْمِ بِأَنَّهُ مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ. فَكَيفَ الحَالُ بِاعتِبَارِ مَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الَّذِي تَخَيَّلَهُ الذِّهْنُ بِأَنَّهُ مَقْصِدُ الشَّرِيعَةِ دَلِيلًا شَرعِيًا؟!! وَعَلَيهِ فَإِنَّ اعتِبَارَ مَا يُفهَمُ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ دَلِيلًا شَرعيًا بَاطِلٌ كُلَّ البُطْلَانِ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ بُطلَانُ اعتِبَارِ الـمَصَالِحِ الـمُرسَلَةِ مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.