إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
بيان خطأ اشتراكية كارل ماركس بشكل خاص (ح 32)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلاثِينَ, نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (نِهَايَةِ صَفحَة 51) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ, وَحَدِيثُنَا عَنْ مَوضُوعٍ بِعُنوَان: “بَيَانُ خَطَأ اشتِرَاكِيَّةِ كَارلْ مَاركسْ بِشَكْلٍ خَاصٍّ”.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: هَذَا بَيَانُ خَطَأ الاشتِرَاكِيَّةِ مِنْ حَيثُ هِيَ. أمَّا خَطَأ اشتِرَاكِيَّةِ كَارلْ مَاركسْ بِنَوعٍ خَاصٍّ فَهُو آتٍ مِنْ ثَلاثِ جِهَاتٍ:
الجهة الأولى: إِنَّ رَأيَهُ فِي نَظَرِيَّةِ القِيمَةِ خَطَأ مُخَالِفٌ لِلوَاقِعِ. فَإِنَّ كَونَ المَصدَرِ الوَحِيدِ لِقِيمَةِ السِّلعَةِ هُوَ العَمَلُ المَبذُولُ فِي إِنتَاجِهَا يُخَالِفُ الوَاقِعَ، إِذِ العَمَلُ المَبذُولُ مَصْدَرٌ مِنْ مَصَادِرِ قِيمَةِ السِّلْعَةِ، وَلَيسَ هُوَ المَصدَرَ الوَحِيدَ؛ لأَنَّ هُنَاكَ أشيَاءُ غَيرُ العَمَلِ تَدخُلُ فِي قِيمَةِ السِّلْعَةِ. فَهُنَاكَ المَادَّةُ الخَامُّ، الَّتِي جَرَى عَلَيهَا العَمَلُ، وَهُنَاكَ الحَاجَةُ لِمَنفَعَةِ هَذِهِ السِّلعَةِ. فَقَد تَكُونُ المَادَّةُ الخَامُّ تَحوِي مَنفَعَةً تَزِيدُ عَنِ العَمَلِ الَّذِي بُذِلَ فِي تَحصِيلِهَا، كَالصَّيدِ مَثَلاً. وَقَد تَكُونُ مَنفَعَةُ هَذِهِ السِّلعَةِ غَيرَ مَطلُوبَةٍ فِي السُّوقِ، وَغَيرَ مُصَرَّحٍ بِتَصدِيرِهَا كَالخَمْرِ عِندَ المُسلِمِينَ. فَجَعلُ العَمَلِ المَصدَرَ الوَحِيدَ لِلقِيمَةِ غَيرُ صَحِيحٍ، وَلا يَنطَبِقُ عَلَى وَاقِعِ السِّلعَةِ مِنْ حِيثُ هِيَ.
والجهة الثانية: إِنَّ قَولَهُ: إنَّ النِّظَامَ الاجتِمَاعِيَّ الَّذِي يَقُومُ فِي عَصْرٍ مَا هُوَ نَتِيجَةٌ لِلحَالَةِ الاقتِصَادِيَّةِ، وَأنَّ التَّقَلُّبَاتِ المُختَلِفَةَ الَّتِي تُصِيبُ هَذَا النِّظَامَ إِنَّمَا تَرجِعُ كُلُّهَا إِلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ، هُوَ كِفَاحُ الطَّبَقَاتِ الاجتِمَاعِيَّةِ مِنْ أجْلِ تَحسِينِ حَالَتِهَا المَاديَّةِ، هَذَا القَولُ خَطَأ مُخَالِفٌ لِلوَاقِعِ، وَمَبنِيٌ عَلَى فَرَضٍ نَظَرِيٍّ ظَنِّيٍّ. أمَّا وَجْهُ خَطَئِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِلوَاقِعِ فَظَاهِرٌ تَارِيخِيًّا وَوَاقِعيًا. فَرُوسيَا السُّوفيَاتِيَّةُ حِينَ انتَقَلَتْ إِلَى الاشتِرَاكِيَّةِ لَمْ يَحصُلْ ذَلِكَ نَتِيجَةً لِتَطَوُّرٍ مَادِّيٍ، وَلا إِلَى كِفَاحِ طَبَقَاتٍ أدَّى إِلَى تَغيِيرِ نِظَامٍ بِنِظَامٍ، وَإِنَّمَا وَصَلَتْ لِلحُكْمِ جَمَاعَةٌ عَنْ طَرِيقِ ثَورَةٍ دَمَوِيَّةٍ سُلِّمَتْ حُكْمًا، فَأَخَذَتْ تُطَبِّقُ أفكَارَهَا عَلَى الشَّعبِ، وَغَيَّرَتِ النِّظَامَ، وَكَذَلِكَ الحَالُ فِي الصِّينِ الشَّعبِيَّةِ. وَتَطبِيقُ الاشتِرَاكِيَّةِ عَلَى ألمَانيَا الشَّرقِيَّةِ، دُونَ ألمَانيَا الغَربِيَّةِ، وَعَلَى دُوَلِ أورُوبَا الشَّرقِيَّةِ، دُونَ دُوَلِ أورُوبَا الغَربِيَّةِ لَمْ يَحْصُل نَتِيجَةً لأيِّ كِفَاحٍ بَينَ الطَّبَقَاتِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ مِنَ استِيلاءِ دَولَةٍ اشتِرَاكِيَّةٍ عَلَى هَذِهِ البُلدَانِ، فَطَبَّقَتْ عَلَيهَا نِظَامَهَا، تَمَامًا كَمَا يَحْصُلُ فِي النِّظَامِ الرَّأسمَالِيِّ، وَكَمَا حَصَلَ فِي نِظَامِ الإِسلامِ، وَكَمَا يَحصُلُ فِي أيِّ نِظَامٍ. عَلَى أنَّ البِلادَ الَّتِي كَانَ يُحَتِّمُ هَذَا القَانُونُ أنْ يُحَوَّلَ النِّظَامُ لَدَيهَا بِفِعْلِ كِفَاحِ الطَّبَقَاتِ هِيَ ألمَانيَا وَإِنكلتَرا وَالوِلايَاتُ المُتَّحِدَةُ: البُلدَانُ الرَّأسمَالِيَّةُ، الَّتِي يَكثُرُ فِيهَا أصْحَابُ رُؤُوسِ الأموَالِ وَالعُمَّالُ، لا رُوسيَا القَيصَرِيَّةُ وَلا الصِّينُ اللَّتَانِ هُمَا زِرَاعِيَّتانِ أكثَرُ مِنهُمَا صِنَاعِيَّتَينِ، وَاللَّتَانِ تَقِلُّ فِيهِمَا طَبَقَاتُ العُمَّالِ وَالرَّأسمَالِيِّينَ إِذَا قِيسَتْ بِالبُلدَانِ الغَربِيَّةِ. وَبِالرَّغْمِ مِنْ وُجُودِ الطَّبَقَاتِ بَينَ الرَّأسمَالِيِّينَ وَالعُمَّالِ فِي دُوَلِ أُورُوبَا الغَربِيَّةِ، وَفِي أمرِيكَا لَمْ تَنتَقِلْ إِلَى الاشتِرَاكِيَّةِ، وَلا تَزَالُ كُلُّهَا تُطَبِّقُ النِّظَامَ الرَّأسمَالِيَّ، دُونَ أنْ يُؤَثِّرَ وُجُودُ طَبَقَةِ العُمَّالِ، وَطَبَقَةِ مَالِكِي رُؤُوسِ الأموَالِ فِي نِظَامِهَا أيَّ تَأثِيرٍ. وَهَذَا وَحْدَهُ كَافٍ لِنَقْضِ هَذِهِ النَّظَرِيَّةِ مِنْ أسَاسِهَا.
أما الجهة الثالثة: الَّتِي يَتَبَيَّنُ فِيهَا خَطَأُ نَظَرِيَّاتِ كَارلْ مَاركسْ فَذَلِكَ مَا يَقُولُ بِهِ مِنْ قَانُونِ التَّطَوُّرِ الاجتِمَاعِيِّ، وَأنَّ نِظَامَ الحَيَاةِ الاقتِصَادِيَّةِ مَقضِيٌّ عَلَيهِ بِالزَّوَالِ بِفِعلِ القَوَانِينِ الاقتِصَادِيَّةِ الَّتِي يَخضَعُ لَهَا، وَأنَّ الطَّبَقَةَ المُتَوَسِّطَةَ، الَّتِي انتَصَرَتْ عَلَى طَبَقَةِ الأشرَافِ، وَكَانَتْ هِيَ مَالِكَةُ رُؤُوسِ الأموَالِ، قَد حَانَ الوَقْتُ الَّذِي تَتَخَلَّى فِيهِ عَنْ مَكَانِهَا لِطَبَقَةِ العُمَّالِ، وَيُحَتِّمُ عَلَيهَا ذَلِكَ قَانُونُ التَّرَكُّزِ. أمَّا وَجْهُ خَطَأ هَذَا القَولِ فَإِنَّ نَظَرِيَّةَ كَارلْ مَاركسْ فِي تَرَكُّزِ الإنتَاجِ، الَّتِي يَبنِي عَلَيهَا تَزَايُدَ عَدَدِ العُمَّالِ، وَتَنَاقُصَ أصْحَابِ رُؤُوسِ الأموَالِ هِيَ نَظَرِيَّةٌ فَاسِدَةٌ. فَإِنَّ هُنَاكَ حَدًّا لا يَتَعَدَّاهُ تَرَكُّزُ الإِنتَاجِ فَيَصِلُ إِلَى حَدٍّ مُعَيَّنٍ وَيَقِفُ، فَلا يَصلُحُ لِلتَّطَوُّرِ الَّذِي يَتَصَوَّرُهُ كَارلْ مَاركسْ. إِذْ يَحصُلُ التَّجَمُّعُ بَينَ عَوَامِلِ الإِنتَاجِ المُشَتِّتةِ إِلَى حَدٍّ يَقِفُ عِندَهُ وَلا يَتَعَدَّاهُ. عَلاوَةً عَلَى أنَّ تَرَكُّزَ الإنتَاجِ لَيسَ مَوجُودًا مُطلَقًا فِي أهَمِّ فُرُوعِ الإِنتَاجِ وَهُوَ الزِّرَاعَة، فَكَيفَ يَحصُلُ قَانُونُ التَّطَوُّرِ فِي المُجتَمَعِ؟
عَلَى أنَّ كَارلْ مَاركسْ يَظُنُّ أنَّ تَرَكُّزَ الإِنتَاجِ يَستَتبِعُ تَرَكُّزًا فِي الثَّروَاتِ، مِمَّا يَنشَأُ عَنهُ قِلَّةٌ فِي عَدَدِ المُتَمَوِّلِينَ، الَّذِينَ يَستَأثِرُونَ بِرُؤُوسِ الأمْوَالِ، وَكَثرَةٌ فِي عَدَدِ العُمَّالِ، الَّذِينَ لا يَملِكُونَ شَيئًا. وَهَذَا خَطَأ لأنَّ تَرَكُّزَ الإِنتَاجِ قَد يَنشَأُ عَنهُ كَثرَةٌ فِي عَدَدِ أصْحَابِ رُؤُوسِ الأموَالِ، وَقَد يَنشَأُ عَنهُ أنْ يُصبِحَ العُمَّالُ أصْحَابَ رُؤُوسِ أمَوَالٍ. فَفِي شَرِكَاتِ المُسَاهَمَةِ وَهِيَ الشَّكلُ الَّذِي تَتَخِذُهُ عَادَةً المَشرُوعَاتُ الكُبرَى كَثِيرًا مَا يَكُونُ مُسَاهِمُوهَا أكثَرُهُمْ مِنَ العُمَّالِ، فَكَيفَ يَحْصُلُ تَرَكُّزُ الإِنتَاجِ؟ وَفَوقَ ذَلِكَ فَإِنَّ فِي المَصَانِعِ عُمَّالاً لَهُمْ أُجُورٌ عَالِيَةٌ كَالمُهَندِسِينَ وَالكِيميَائِيِّينَ وَالمُدِيرِينَ، فَيَستَطِيعُونَ أنْ يَدَّخِرُوا جُزءًا كبيرًا مِنهَا، يَصِيرُونَ بِهِ مِنَ المُتَمَوِّلِينَ مِنْ غَيرِ حَاجَةٍ إِلَى إِنشَاءِ مَشرُوعٍ مُستَقِلٍّ. وَحِينَئِذٍ لا يَنطَبِقُ عَلَيهِمْ مَا يَقُولُهُ كَارلْ مَاركسْ عَنِ العُمَّالِ فِي التَّطَوُّرِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
خَطَأُ اشتِرَاكِيَّةِ كَارلْ مَاركسْ بِنَوعٍ خَاصٍّ آتٍ مِنْ ثَلاثِ جِهَاتٍ:
الأولى: إِنَّ رَأيَ كَارلْ مَاركسْ فِي نَظَرِيَّةِ القيمة خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلوَاقِعِ لِلأسبَابِ الآتِيَةِ:
أ- كَونُ العَمَلُ المَبذُولُ هُوَ المَصدَرُ الوَحِيدُ لِقِيمَةِ السِّلعَةِ فِي إِنتَاجِهَا يُخَالِفُ الوَاقِعَ.
ب- هُنَاكَ أشيَاءُ غَيرُ العَمَلِ تَدخُلُ فِي قِيمَةِ السِّلْعَةِ كالمَادَّةِ الخَامِ، وَكَالحَاجَةِ لِمَنفَعَةِ السِّلعَةِ.
ت- قَد تَكُونُ المَادَّةُ الخَامُّ تَحوِي مَنفَعَةً تَزِيدُ عَنِ العَمَلِ الَّذِي بُذِلَ فِي تَحصِيلِهَا، كَالصَّيدِ مَثَلاً.
ث- قَد تَكُونُ مَنفَعَةُ السِّلعَةِ غَيرَ مَطلُوبَةٍ فِي السُّوقِ وَغَيرَ مُصَرَّحٍ بِهَا كَالخَمْرِ عِندَ المُسلِمِينَ.
والثانية: إِنَّ قَولَهُ: إنَّ النِّظَامَ الاجتِمَاعِيَّ مَا هُوَ نَتِيجَةٌ لِلحَالَةِ الاقتِصَادِيَّةِ، وَقَولَهُ: إِنَّ التَّقَلُّبَاتِ الَّتِي تُصِيبُ النِّظَامَ تَرجِعُ إِلَى كِفَاحِ الطَّبَقَاتِ الاجتِمَاعِيَّةِ مِنْ أجْلِ تَحسِينِ حَالَتِهَا المَاديَّةِ، هَذَا القَولُ خَطَأ مُخَالِفٌ لِلوَاقِعِ، وَمَبنِيٌ عَلَى فَرَضٍ نَظَرِيٍّ ظَنِّيٍّ. وَوَجْهُ خَطَئِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِلوَاقِعِ ظَاهِرٌ تَارِيخِيًّا وَوَاقِعيًا:
أ- حِينَ انتَقَلَتْ رُوسيَا السُّوفيَاتِيَّةُ إِلَى الاشتِرَاكِيَّةِ لَمْ يَحصُلْ ذَلِكَ نَتِيجَةً لِتَطَوُّرٍ مَادِّيٍ، وَلا إِلَى كِفَاحِ طَبَقَاتٍ. وَإِنَّمَا عَنْ طَرِيقِ ثَورَةٍ دَمَوِيَّةٍ.
ب- وَكَذَلِكَ الحَالُ فِي الصِّينِ الشَّعبِيَّةِ. وَتَطبِيقُ الاشتِرَاكِيَّةِ عَلَى ألمَانيَا الشَّرقِيَّةِ، وَدُوَلِ أورُوبَا الشَّرقِيَّةِ، لَمْ يَحْصُل نَتِيجَةً لأيِّ كِفَاحٍ بَينَ الطَّبَقَاتِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ مِنَ استِيلاءِ دَولَةٍ اشتِرَاكِيَّةٍ عَلَى هَذِهِ البُلدَانِ.
ت- تَمَامًا كَمَا حَصَلَ فِي النِّظَامِ الرَّأسمَالِيِّ، وَفِي نِظَامِ الإِسلامِ، وَكَمَا يَحصُلُ فِي أيِّ نِظَامٍ.
ث- وَفِي أمرِيكَا لَمْ تَنتَقِلْ إِلَى الاشتِرَاكِيَّةِ، وَلا تَزَالُ كُلُّهَا تُطَبِّقُ النِّظَامَ الرَّأسمَالِيَّ، دُونَ أنْ يُؤَثِّرَ وُجُودُ طَبَقَةِ العُمَّالِ، وَطَبَقَةِ مَالِكِي رُؤُوسِ الأموَالِ فِي نِظَامِهَا أيَّ تَأثِيرٍ. وَهَذَا وَحْدَهُ كَافٍ لِنَقْضِ هَذِهِ النَّظَرِيَّةِ مِنْ أسَاسِهَا.
والثالثة: خَطَأُ قَولِهِ بِقَانُونِ التَّطَوُّرِ الاجتِمَاعِيِّ، وَقَولِهِ: إِنَّ نِظَامَ الحَيَاةِ الاقتِصَادِيَّةِ مَقضِيٌّ عَلَيهِ بِالزَّوَالِ، وَإِنَّ الطَّبَقَةَ المُتَوَسِّطَةَ الَّتِي انتَصَرَتْ عَلَى طَبَقَةِ الأشرَافِ، قَد حَانَ الوَقْتُ الَّذِي تَتَخَلَّى فِيهِ عَنْ مَكَانِهَا لِطَبَقَةِ العُمَّالِ وَيُحَتِّمُ عَلَيهَا ذَلِكَ قَانُونُ التَّرَكُّزِ. وَوَجْهُ خَطَأ هَذَا القَولِ يظهر فيما يأتي:
أ- إِنَّ نَظَرِيَّةَ كَارلْ مَاركسْ فِي تَرَكُّزِ الإنتَاجِ هِيَ نَظَرِيَّةٌ فَاسِدَةٌ.
ب- إِنَّ تَرَكُّزَ الإِنتَاجِ لا يَصلُحُ لِلتَّطَوُّرِ الَّذِي يَتَصَوَّرُهُ كَارلْ مَاركسْ لأَنَّ لَهُ حَدًّا يَقِفُ عِندَهُ لا يَتَعَدَّاهُ.
ت- عَلاوَةً عَلَى أنَّ تَرَكُّزَ الإنتَاجِ لَيسَ مَوجُودًا مُطلَقًا فِي أهَمِّ فُرُوعِ الإِنتَاجِ وَهُوَ الزِّرَاعَة، فَكَيفَ يَحصُلُ قَانُونُ التَّطَوُّرِ فِي المُجتَمَعِ؟
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.