تسليط الضوء على انتخابات 24 حزيران
(مترجم)
الخبر:
نقلت صحيفة الجمهورية التركية عن الفاينانشال تايمز اللندنية قولها: إن رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان الذي يتوجه إلى الانتخابات يوم 24 حزيران بدأ يبدي النمط السلطوي بازدياد. وأضافت: “كان ينبغي على الدول الغربية أن تمارس ضغطها على أردوغان بوقت أبكر بكثير”.
التعليق:
تركيا على موعد مع الانتخابات المبكرة المزمعة بتاريخ 24 حزيران 2018. والعامل الرئيس الذي يحدد الحزب الذي سيفوز بالانتخابات هو: الميزة التي تميز هذه الانتخابات عن الانتخابات السابقة. وهذه الميزة هي التي ستضفي على الحكم نموذجاً لسيادة جديدة على تركيا اعتباراً من صباح 25 من حزيران. وهذه الميزة هي التي ستحدد نتائج الانتخابات إلى حد أكبر من الأحزاب والمشاريع. وسيكون من نتيجة هذه الانتخابات انتقال تركيا من نظام برلماني علماني مهيمن على النظام التركي المؤسس إلى نظام رئاسي ديمقراطي. والخبر الذي نقلته صحيفة الجمهورية عن الفاينانشال تايمز يشير بوضوح إلى أن بريطانيا لا تريد النظام الرئاسي وتسعى جاهدة لعدم تحقيق هذا النظام. حيث تعمل صحيفة الجمهورية على تشكيل تصور حول هذا الخبر لتمارس ضغطها على أردوغان من أجل استمرار النظام البرلماني العلماني التي تدعمه بريطانيا وعرقلة الانتقال إلى النظام الرئاسي التي تريده أمريكا.
وبالنظر إلى التاريخ السياسي لتركيا يمكننا مشاهدة ما يلي: استمرار وجود النظام العلماني إلى يومنا هذا والمبني على أنقاض الخلافة بعد هدمها على يد الإنجليز ومن ثم تأسيس الجمهورية العلمانية بمساعدة عملائهم. وبعد الحرب العالمية الثانية واجهت أمريكا بريطانيا وجهاً لوجه لاختراق البلاد الإسلامية. حيث بدأت كلٌ من أمريكا وبريطانيا في هذا الصراع من أجل النفوذ إلى تركيا في عام 1950، بمبادرة أمريكا أولاً مع حزب العدالة الذي يترأسه عدنان مندرس ثم حزب الوطن الأم الذي يترأسه تورغوت أوزال لكنها لم تتمكن من الوصول إلى نتيجة. وفي مطلع الـ2000 انتهز حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان فرصة أكثر فعالية مقارنة بنظرائه السابقين.
وهذه الانتخابات الأولى التي ستعقد بعد استفتاء 2016 وترغب فيه أمريكا بمد نفوذها في تركيا بنسبة 100% أي ترغب بأن يسيطر النظام الرئاسي على تركيا. وباختصار يمكننا القول بأن أوروبا تريد أن تتحرك ضد أردوغان بهذه الأخبار المستندة إلى صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية.
إذا كانت بريطانيا وأوروبا تريد أن يخسر أردوغان فمن يريد فوزه؟
إن من يرغب بفوز أردوغان وحزبه في انتخابات 24 حزيران من غير شك أو شبهة هي أمريكا، وذلك لأن هذه الانتخابات هي نهاية النفق بالنسبة لها. وفي حال خسر أردوغان وحزبه هذه الانتخابات ستحدث انزياحات في النفق تعود بمزيد من الأعباء على أمريكا، وتعقد الوضع عليه من جديد. وزعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي يؤيد بشكل صريحٍ وواضحٍ أردوغان في هذه الانتخابات ويؤيد بالتالي النظام الرئاسي. في حين كان حزب الحركة القومية ومنذ تأسيسه وحتى منتصف عام الـ 2000 يتميز بأنه الحزب الذي يدعم التحالفات، ويحب أجواء الفوضى والتشويش. لكنه بعد وفاة ألب أرسلان تركش وبتسلم بهجلي الحزب بعده حوّل فوضى وتشويشات القوميين غير المشروعة في الشوراع إلى كفاح سياسي مشروع. وخاصة أن حزب العدالة والتنمية في فترة استلامه للسلطة نفذ عمليات ضد جماعات المافيا تناولت أيضاً أشخاصاً في بنية حزب الحركة القومية. ولهذا السبب فإن حزب الحركة القومية اليوم ليس هو نفسه في الأمس. وحزب الحركة القومية الجديد الذي يترأسه بهجلي اليوم يمد يده كمنقذ لأردوغان. ومن غير شك أن الذي يرغب بخسارة أردوغان وحزبه في انتخابات الرابع والعشرين من حزيران هو بريطانيا وأوروبا المعادية لأمريكا، فبريطانيا منفتحة على جميع المقترحات الخاصة بالانتخابات خلال العميلة الانتخابية. ولهذا فإن أي تحالف يقوم ضد التحالف الرئاسي الذي شكله أردوغان وبهجلي، مهم جداً بالنسبة لها.
ويأتي في مقدمة أحزاب هذا التكتل المناهض، يأتي بالتالي حزب الشعب الجمهوري الذي هو حزب النظام المؤسس، وهو الحزب المدافع الدائم عن الجمهورية العلمانية والنظام البرلماني. وكذلك حزب السعادة اليوم، فعند النظر إلى جميع تحالفاته منذ مطالع السبعينات نجد أنه وقف دائماً في الكتل المعادية لحركة النظام الرئاسي ووقف ضد حزب العدالة والتنمية أي أنه وقف مع كتلة عملاء الإنجليز. وأما بالنسبة لحزب الشعوب الديمقراطي فإنه لا يمكننا القول بأنه موال لأمريكا أو بريطانيا بالكامل. إلا أنه يمكننا الحديث عن رجحان كفة مجموعة صقور حزب العمال الكردستاني داخل حزب الشعوب الديمقراطي بعد انتهاء عملية الحل، والعودة إلى الصراع المسلح. وبالتالي هذا الوضع يدفع حزب الشعوب الديمقراطي إلى الكتلة المعادية لحزب العدالة والتنمية. والحزب الجديد الذي تم تأسيسه حديثاً والذي تترأسه مَرال أقْ شَنَر لم تتحدد وجهته بعد.
كما وأن أق شنر تترأس حزباً شُكل حديثاً وبالتالي هي ترغب بجعل نفسها وحزبها ذات شعبية في المستقبل. وقد هدمت أق شينر مبادرة حزب الشعب الجمهوري وحزب السعادة وصيغة عبد الله غول ضد أردوغان. مما يظهر أن أق شينر وبحملتها هذه قد أعدت نفسها ليس من أجل 24 حزيران بل للمستقبل من أجل الاتفاق مع أمريكا.
وفي هذه المعادلة غير المعقدة وغير المعروفة، يمكننا تفسير موقف عبد الله غول ضد التحالف الرئاسي الذي شكله حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية على الشكل التالي؛ إن عبد الله غول من مؤسسي حزب العدالة والتنمية ومن الأصدقاء المقربين لأردوغان، وفي فترة عمله كرئيس وزراء ووزير للخارجية ورئيس خدم المصالح والسياسات الأمريكية. وستستمر خدمته في حال تم اختياره مجدداً. لكن كتلة عملاء الإنجليز الراغبين ببقاء النظام البرلماني من العجز بمكان يمكنهم فيه قبول صيغة يترأسها عبد الله غول. والنقطة الأكثر أهمية هنا هي من كسر هذه الصيغة.
ختاماً سيفوز رجب طيب أردوغان، وستتزايد الهيمنة الأمريكية في تركيا، والمسلمون هم الخاسرون أياً كان الفائز في هذه الانتخابات، فهذه الأنظمة طاغوتية ما دامت لا تستند إلى الإسلام المتمثل بالوحي، وهذه الأنظمة الديمقراطية العلمانية الطاغوتية لن ترضى بالمسلمين برلمانية كانت أم رئاسية على حد سواء. ولا تبيح الذرائع التي ليس لها من هذا الوحي سلطان دعم هذه الأنظمة الديمقراطية التي وضعت أحكام الله تحت أقدامها.
وأياً كان الرابح فإن الشعب الفلسطيني والشعب السوري والشعب العراقي والأفغاني… سيخسرون، وأياً كان الرابح فإنهم سيستمرون في خدمة مصالح المستعمرين. وستكون الدول الكافرة المستعمرة التي تعيث فساداً في شتى بقاع المسلمين أول المباركين. فيجب على المسلمين أن يعملوا لأجل دين الله لا من أجل الأحزاب الديمقراطية العلمانية، ولا أنظمتها البرلمانية أو الرئاسية. قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33]
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمود كار
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تركيا