ما هكذا يكون الاعتصام بحبل الله يا مجلس الإفتاء!
الخبر:
أعلن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث أن أول أيام شهر رمضان سيكون الأربعاء 16 أيار/مايو 2018 بناء على ما أطلق عليه المجلس “الحسابات الفلكية الدقيقة”، وقد افتتح المجلس إعلانه هذا بقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ الآية 103 آل عمران. [موقع المجلس]
التعليق:
إن اعتبار أهمية وحدة المسلمين في بدء الصوم والعيد لهو أمر محمود ومسعى مشكور، ومن وجهة نظرنا فإنه لا يكفي التنبيه له أو التنويه إليه على أنه مطلب شرعي دون ربطه بالأحكام الشرعية العملية اللازم اتباعها لتحقيقه. فليس الأمر متعلقاً بالصوم والعيد فحسب، بل إن وحدة الكيان السياسي هو رأسُ الأمر وبه تتحقق بقية المطالب، وبدون وحدتنا سنبقى مشتتين مبعثرين في أكثر من سبعين دولة، وهذا ما يؤكده البيان نفسه الذي اعتمد على “ما صدر حديثا عن مؤتمر توحيد التقويم الهجري الدولي الذى انعقد فى إسطنبول في أيار/مايو 2016م، وشارك فيه أكثر من سبعين دولة ممثلة في مندوبيها، ودور الإفتاء، والعلماء، والفقهاء، والفلكيين، بالإضافة إلى ممثلي معظم المجامع والمجالس الفقهية في العالم”. وهم بحضورهم هذا المؤتمر وغيره وتمثيلهم لهذه الدول المتعددة إنما يكرسون هذه الفرقة، ولا يغني عنهم شعار ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً﴾، بل إنهم باتخاذهم هذا الشعار يضللون الأمة.
ومن ناحية أخرى استند المجلس في فتواه هذه على “ما صدر عن المؤتمر العالمي لإثبات الشهور القمرية الذي عقده المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في شباط/فبراير 2012م وشارك فيه عدد كبير من الفقهاء والعلماء الفلكيين”، إن هؤلاء (الفقهاء) لا بد أن يكون في قرارة أنفسهم أحد أمرين: إما أنهم يعتبرون دولهم التي يمثلونها دولا شرعية وهم بذلك يخادعون الأمة، أو أنهم لا يعتبرونها كذلك، فهم يخادعون أنفسهم. والأمر بكل بساطة مرجعيته إلى قوله عليه الصلاة والسلام عَنْ عَرْفَجَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ r، يَقُولُ: «مَنْ أَدْرَكْتُمْ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ أُمَّتِي، وَهُمْ عَلَى جَمِيعٍ، فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ». ولا بد هنا من السؤال كم عنقٍ حُقَّ قطعها أيها العلماء لتوحيد كلمة المسلمين لو أنكم عقلتم معنى هذه الآية؟
هذا ويؤكد المجلس في بيانه: “أن الأصل في وجوب صيام رمضان هو دخول الشهر وإثبات ذلك بوسيلة قطعية، وأن الحساب الفلكي العلمي يخبرنا مسبقا وبشكل قطعي عن توقيت الرؤية الصحيحة”، وهنا لا يجرؤ المجلس على ما يبدو أن يصرح بقطعية الثبوت بل يكتفي بقطعية توقيت الرؤية، وهذا لا يعني بالضرورة تحققها، بل هم ينفون “ما يعارض تحققها”. وذلك لأن مسألة القطعية لا يمكن تحققها من خلال الحسابات، وحتى لو كان الأمر كذلك عند بعضهم، فإن فتواهم هذه لا تحقق السنة الواردة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في عموم قوله «صُومُوا لرُؤيَتِه وأفْطِرُوا لِرُؤيَته» (متفق عليه)، وأنه لا عبرة باختلاف المطالع لعموم الخطاب الموجه للمسلمين كافة. فالعبرة في شرعية الرؤية وليس في حسابها، ولذلك نهى الرسول r عن الحساب في قوله: عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي r أنه قال: «إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين». رواه البخاري ومسلم.
وقد ورد في [موقع الإسلام سؤال وجواب] وهو بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد في شرح هذا الحديث قوله: “وقد ورد هذا الحديث في مسألة دخول الشهر الهلالي، وهو يدل على أنه لا يُلتفت في معرفة دخول الشهر إلى الحسابات الفلكية وإنما يُعتمد على الرؤية الظاهرة للقمر عند ولادته فنعرف دخول الشهر، فالحديث سيق لبيان أنّ الاعتماد على الرؤية لا على الحساب.. وقد قرن ذلك بقوله الشهر ثلاثون والشهر تسعة وعشرون بيَّن أن المراد به إنا لا نحتاج في أمر الهلال إلى كتاب ولا حساب، إذ هو تارة كذلك، وتارة كذلك، والفارق بينهما هو الرؤية فقط ليس بينهما فرقٌ آخر من كتابٍ ولا حسابٍ” انتهى
فيا أيها العلماء والفقهاء والمفتون، لقد آن لكم أن تدركوا حجم مسؤوليتكم عن فُرقة المسلمين بوقوفكم صفا مع هؤلاء الحكام الذين باعوا البلاد وأذلوا العباد، وهتكوا أعراض المسلمين واستباحوا دماءهم حفاظا على مصالحهم، وأنتم ساكتون عنهم بل بعضكم متواطئ معها وسادر في غيه، والله سائلكم جميعا عما استرعاكم وعن علمكم الذي لم تسخروه في سبيل الله وخدمة للمسلمين، بل بعتموه بدنيا غيركم، فكان مثلكم كمثل ﴿الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾!!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. يوسف سلامة – ألمانيا