السّبيل إلى التّقوى والإيمان في شهر القرآن
هو بتحكيم شرع الله واستعادة الأمة للسلطان
سبع وتسعون سنة على هدم الخلافة الإسلاميّة وشهر رمضان المبارك يحلُّ على الأمة الإسلاميّة هذه السَّنة كسابقاتها من سنوات الظّلم والهوان وعيش الضّيق والقهر، وهي في الوقت نفسه توّاقة للعزّة والتّمكين وهي متيقّنة أنّ بعد هذا العسر يسراً وأنّ الله وليّ المؤمنين المتّقين لقوله تعالى ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾.
لقد أدركت الأمة الإسلاميّة بمعظمها أنّ وراء مصائبها وكدرها دول الغرب الكافرة الذين رسموا لها أن تحيا بذلّة وتعيش بقلّة. فالكلّ قد تكالب عليها ونهش من جسدها الممزّق الهزيل، إذ حلَّ بها ما ذكره رسولها الكريم e، أنّه يأتي يوم على أمّته تداعى عليها الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها.
كما أدركت الأمّة أيضاً أنّ حكام المسلمين العملاء هم اليد الحديديّة الّتي يبطش بها الغرب ليُحكم سيطرته ويبسط نفوذه الاستعماري على كلّ مقدّراتهم الطّبيعيّة والبشريّة، وهم أيضاً من قدّموها بأطفالها ونسائها على موائد اللّئام ليسفكوا المزيد من الدّماء ويهتكوا أعراض المسلمات كلّما طاب لهم الحال.
نحن اليوم في شهر رمضان، شهر القرآن الّذي به يهتدي النّاس، وهو الدّال على ما يريد الله منّا من إيمان وتقوى بالتّقيّد بالأحكام الّتي شرعها لنا، فمن اهتدى بهديه يكن من المتّقين الّذين ذكرهم الله في كتابه الكريم بقوله ﴿الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ إلّا أنّ التّقوى لا تتحقّق بقراءة القرآن في شهر القرآن دون تدبّرٍ وعملٍ بالتنزيل في كل مكان وزمان، لقوله تعالى ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ وهو القائل أيضاً ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾.
فالقرآن كما هو للقراءة فهو أيضاً للحكم على أساس أحكام الشّرع الّتي جاءت فيه هداية للعالمين ولو كره المشركون لقوله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.
فالقارئ والمتدبّر لكتاب الله يدرك أنّ ما عليه العالم اليوم من شقاءٍ وظلمٍ وفساد فإنّما هو نتيجة البعد عن حكم الله الحق، لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾، فالقرآن الّذي هو دستورنا، مُغيّب عن حياتنا، والسّيادة في الأرض لأحكام الطّواغيت، والدّساتير ليست على أساس القرآن، وثرواتنا منهوبة ضائعة لا يكاد المسلمون ينالون منها شيئاً يُذكر، وإعلامنا تحكمه معايير الإعلام الرأسماليّة الخاطئة المضلّلة، ومناهجنا الدّراسيّة في جميع مراحل التّعليم لا تقوم على أساس الإسلام، وشعارات تمكين المرأة أصمت آذاننا، وغيرها الكثير الكثير من المفاسد والانحطاط…
ونحن في هذه الحال من التّقوى يجب أن لا يفوتنا ما لأمّتنا علينا من حقِّ الاهتمام بها، وحقِّ العمل لتغيير هذه الأوضاع الفاسدة، قال رسول الله e: «إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ». وأيضاً حقّ أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، قال رسول الله e، فيما يرويه عن ربّه: «مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْعُونِي فَلَا أُجِيبَكُمْ، وَتَسْأَلُونِي فَلَا أُعْطِيَكُمْ، وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلَا أَنْصُرَكُمْ».
وفي ظلّ هذه الأجواء الطّيّبة والمفعمة بالإيمانيّات في شهر الخيرات والبركة يجب ألا يغيب عن أذهاننا ونحن صائمون ما تمرّ به الأمّة الإسلاميّة من حربٍ معلنة عليها وعلى عقيدتها، وما يوجبه ذلك من عمل دؤوب ليل نهار، وأن لا نتأخّر ونغفل عن دورنا الأساسي في هذه الحياة لقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.
والعبادة تشمل كلّ أحكام الشّرع ولا تقتصر على الصّلاة والصّوم وقراءة القرآن، بل تشمل أيضاً الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وقد ربطه الله تعالى في آية آل عمران مع الإيمان الذي هو أصل الدّين وأساس الإسلام، فقال تعالى واصفاً هذه الأمّة الّتي أخرجت للناس ومبيّناً وجه الخيريّة: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾.
ولا تكون خير أمّة إلّا إذا نفّذت شروط الخيريّة، بوجود الإيمان بوجود الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، عَنْ دُرَّةَ بِنْتِ أَبِي لَهَبٍ، قَالَتْ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ e وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ فَقَالَ e: «خَيْرُ النَّاسِ أَقْرَؤُهُمْ وَأَتْقَاهُمْ وَآمَرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ».
فحال الأمّة الإسلاميّة ليس لأنّها لا تقرأ القرآن ولا ترتاد المساجد حتّى يُحَلّ بقراءة القرآن والقيام والصّيام، بل الأمر أعظم من ذلك، لأنّها قد أخلّت بشروط خيريّتها وتركت الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فغاب الإيمان وغابت التّقوى في نفوس وأعمال المسلمين، وحلّ الهمّ والكدر والغمّ، قال عليه الصّلاة والسّلام: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ».
أيها الصّائمون في هذا الشّهر الفضيل:
فإلى جانب صيامنا وقيامنا علينا إنكار كلّ هذه المنكرات الّتي تُغضب الله عزّ وجل وتخالف أحكام دينه الحنيف، ومن أعظم هذه المنكرات الحكم بغير ما أنزل الله. فعلينا أن لا نعطي ولاءنا لأعداء الدّين وأن لا نرفع لهم علماً في بلادنا ولا نقبل بمواثيقهم ولا نعطي الدّنيّة في ديننا. بالإضافة إلى محاسبة حكّامنا الرويبضات وكشف تآمرهم علينا وفضح مخطّطاتهم الضّالة والمضلّة. فكما أنّ ديننا واحد وربنا واحد وقرآننا واحد ونجتمع في الطّاعات في شهر واحد، واجب وفرض علينا أن نتوحّد بدولةٍ واحدة وننزع هؤلاء الحكّام العملاء نواطير الغرب وحرّاسه، فلولا خُنوع حكّامنا وتسلّطهم على رقابنا لما كان للغرب الكافر موطئ قدم في بلادنا. هؤلاء الحكّام الّذين أقاموا فينا الفساد بدل الصّلاة وأوغلوا في دمائنا بدل حسن رعايتنا وأعطوا للغرب السّلطان بدل أن يعطوه للأمّة وجعلوا السّيادة للديمقراطيّة بدل أن تكون للشرع.
فالسّبيل إلى التّقوى والإيمان في شهر رمضان شهر القرآن هو بتحكيم شرع الله في حياة المسلمين والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر حتّى يقوم هذا الدّين وتعود الخلافة الرّاشدة على منهاج النّبوّة ليعمّ العدل والأمان وتعود أمّة الإسلام إلى الرّيادة من جديد.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى
2018_05_20_Art_The_Path_to_Taqwa_is_by_judging_by_Allahs_Law_AR_OK.pdf