إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 82) السبب الخامس من أسباب التملك الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد (ج2) استحقاق ورثة المقتول الدية
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 82)
السبب الخامس من أسباب التملك
الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد (ج2) استحقاق ورثة المقتول الدية
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الثانية والثمانين, وعنوانها تتمة لما سبق: “الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد: استحقاق ورثة المقتول الدية”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الحادية والعشرين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني. يقول رحمه الله:
ثانيا: استحقاق المال عوضا عن ضرر من الأضرار التي لحقته، وذلك كدية القتيل، وديات الجراح. قال تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله). وروى النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا، وبعث به مع عمرو بن حزم وجاء فيه: “وإن في النفس الدية مائة من الإبل”. وفي دية المقتول يستحق ورثته ديته على القاتل في القتل العمد، قال عليه الصلاة والسلام: “لا يجني جان إلا على نفسه”. رواه ابن ماجه من طريق عمرو بن الأحوص. وأما في غير العمد، كشبه العمد، والخطأ، فيستحق ورثة المقتول الدية على عاقلة القاتل. فقد روى البخاري عن أبي هريرة قال: “اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة، وقضى أن دية المرأة على عاقلتها”. والعاقلة من يحمل العقل، والعقل هنا هو الدية.
والعاقلة هي كل العصبة، ويدخل فيها إخوته، وعمومته، وأبناؤهم، وإن سفلوا. وإذا لم تكن للقاتل عاقلة أخذت الدية من بيت المال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودى الأنصاري، الذي قتل بخيبر من بيت المال. وروي أن رجلا قتل في زحام في زمان عمر فلم يعرف قاتله فقال علي لعمر: يا أمير المؤمنين لا يطل دم أمرئ مسلم فأد ديته من بيت المال.
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: قال تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا). (النساء 92) الدية هي: “المال الواجب بجناية على الحر في نفس أو فيما دونها”. وهي في الأصل واجبة بقوله تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا). (النساء 93) وقد جاءت أحاديث كثيرة في وجوبها وبيانها. والدية تكون على نوعين: النوع الأول: دية النفس. والنوع الثاني: دية ما دون النفس. وموجب الدية في النفس أنواع هي: دية القتل العمد إذا تنازل أهلها عن القصاص إلى الدية. ودية القتل العمد إذا كان غير مكلف كالمجنون. ودية القتل شبه العمد. ودية الخطأ.
أولا: القتل العمد: لقد حذر الله تعالى وهدد وتوعد كل من قتل مؤمنا متعمدا, وبين عاقبته الوخيمة, فقال عز من قائل: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما). (النساء 93) والقتل العمد هو قصد الفعل والشخص بما يقتل غالبا، سواء أكان جارحا كالسيف، أم مثقلا كالحجر. وهذا النوع من القتل الأصل فيه وجوب القصاص، فإن عفي عن القاتل في القصاص إلى الدية، وجبت الدية مغلظة، وتغليظ الدية يكون بثلاثة أمور: بكونها مثلثة، وكونها على الجاني, وكونها حالة من غير تأخير, وهي مائة من الإبل, وتثليثها أن يكون ثلاثون منها حقة، وهي الإبل ما أكملت ثلاث سنين وطعنت في الرابعة، وثلاثون منها جذعة، وهي ما أكملت من الإبل أربع سنين وطعنت في الخامسة، وأربعون منها خلفة وهي الناقة الحامل. أما إذا لم يعف آل الدية فالواجب القصاص، ويكون بالآلة التي حدث بها القتل وذلك عند الجمهور، وأما عند الحنفية فلا يكون القصاص عندهم إلا بالسيف. وهذه الدية مما لا يستطيع الجاني وعاقلته أداءها, بل يعجزون عن أدائها بسبب شحها, وعدم توفرها حين الطلب!! وهذه الدية هي ما يحلو لبعض الناس أن يسميها: “الدية المحمدية”. والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على القيمة العالية والمنزلة الرفيعة لابن آدم, ذلك الإنسان, وتلك النفس البشرية عند الله تعالى وعند رسوله, فما ظنكم إذا كان هذا الإنسان عبدا مؤمنا بالله تعالى حق الإيمان!!
في غياب دولة الخلافة وفي أيامنا هذه على وجه الخصوص استهان الناس بالدماء والأرواح والأعراض والمقدسات, فصار قتل الناس شيئا سهلا وهينا حتى بين المسلمين أنفسهم, يقول أحدهم للآخر مهددا إياه بالقتل: “إن ديتك فنجان من القهوة!!”. ويقوم بقتله لأتفه الأسباب!! ولم يسلم حتى حملة الدعوة من القتل على أيدي من ينتسبون إلى الإسلام, ويتسمون بأسماء المسلمين زورا وبهتانا!! والشواهد على ذلك كثيرة, فمن أعدم سيد قطب صاحب كتاب “معالم في الطريق” وكتاب “في ظلال القرآن” من أعدمه غير عبد الناصر؟ ومن أعدم عبد العزيز البدري صاحب كتاب “الإسلام بين العلماء والحكام” غير صدام حسين زمن حسن البكر؟ ومن أعدم أعضاء وفد حزب التحرير الثلاثة عشر الذين جاءوه ليقولوا له كلمة الحق حين أنكر سنة النبي صلى الله عليه وسلم, من أعدمهم غير معمر القذافي؟ هؤلاء الحكام المجرمون أخذهم الله نكال الآخرة والأولى!! جزاء وفاقا على ما اقترفوه, إن في ذلك لعبرة لمن يخشى. وفي هذه الأيام خرج علينا تنظيم باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام, فقتلوا ولا زالوا يقتلون الأنفس الزكية كما فعل الحكام الظلمة، بل إن جريمة هذا التنظيم أكبر، فالحكام الظلمة كانوا يقتلون حملة الدعوة باسم العلمانية، وهؤلاء يقتلون حملة الدعوة باسم الخلافة تشويها لها, ففرح الغرب وعلى رأسه أمريكا أن وجدوا من يكفيهم تشويه الخلافة وقتل دعاتها، وكل ذلك باسم الإسلام، عدوانا عليه قاتلهم الله أنى يؤفكون!!
لقد قتلت تلك العصابة الغاشمة المجرمة أخانا مصطفى خيال رحمه الله؛ لأنه جهر أمامهم بكلمة الحق، وصدع في وجههم بأنهم ليسوا على هدى، ونصحهم للتكفير عن ذنوبهم بالإقلاع عن جرائمهم ضد المسلمين، فثقل عليهم أن يسمعوا كلمة الحق، وكانت عليهم أحد من السيف فقتلوه، وباءوا بغضب من الله ورسوله والمؤمنين!!
ثانيا: القتل شبه العمد: وهو قصد الفعل والشخص بما لا يقتل غالبا، كالضرب بسوط أو عصا بشرط أن يكونا خفيفين. وهذا النوع من القتل يوجب الدية المغلظة كدية العمد وهي مثلثة إلا أنها تكون على العاقلة، والعاقلة كما قال صاحب مختار الصحاح هم عصبته وهم القرابة من قبل الأب الذين يعطون دية من قتله خطأ، وتكون أيضا مؤجلة.
ثالثا: القتل الخطأ: أن يقصد الفعل, ولا يقصد الشخص كأن يرمي إلى شيء كصيد فيصيب رجلا فيقتله، أو لا يقصد الفعل أصلا كأن زلقت رجله فوقع على شخص فمات. ودية هذا النوع من القتل: مائة من الإبل إلا أنها تكون مخمسة: عشرون بنات مخاض، والمخاض: النوق التي أتى على حملها عشرة أشهر أو سنة ودخلت في الثانية، وعشرون بنات لبون، وهي ما لها سنتان ودخلت الثالثة، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة.
ودية الخطأ تكون على العاقلة مؤجلة عليهم في ثلاث سنين، يؤخذ آخر كل سنة ثلث الدية. هذا في دية الذكر الحر المسلم. أما دية المرأة فعلى النصف من دية الرجل نفسا وجرحا. ودية اليهودي والنصراني ذهب مالك إلى أن ديتهم على النصف من دية المسلم ذكورهم كذكورهم وإناثهم كإناثهم، وذهب الشافعي إلى أن ديتهم ثلث دية المسلم، وذهب أبو حنيفة إلى أن ديتهم مثل دية المسلمين، لا فرق عنده في ذلك. وهذا الأمر متروك لخليفة المسلمين ليحسم الخلاف فيه قريبا بإذن الله تعالى.
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
1. في دية المقتول يستحق ورثته ديته على القاتل في القتل العمد. وعلى العاقلة في شبه العمد.
2. القتل العمد الأصل فيه وجوب القصاص، فإن عفي عن القاتل وجبت الدية مغلظة.
3. الدية المغلظة تدل على القيمة العالية والمنزلة الرفيعة لابن آدم عند الله تعالى.
4. من قتل مؤمنا متعمدا جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, وللحديث بقية, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.