تسارع محموم لإخراج صفقة ترامب لحيز الوجود
الخبر:
انعقد في عمان يوم الخميس 2018/6/21 اجتماع ضم وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي ومدير المخابرات الأردني مع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات ومدير مخابرات السلطة الفلسطينية.
التعليق:
يأتي هذا اللقاء ضمن سلسلة من لقاءات واجتماعات جميعها تتحرك باتجاه إخراج خطة أمريكا للسلام المسماة بصفقة القرن إلى الواقع العملي. فقد سبق هذا الاجتماع زيارة كوشنر والمبعوث الخاص للاتفاقات الدولية جيسون غرينبلات للأردن، وزيارة نتنياهو، وزيارة المستشارة الألمانية ميركل، وزيارة الملك عبد الله لأمريكا، ومن قبلها مؤتمر مكة الرباعي الذي ضم السعودية والأردن والكويت والإمارات. ومن ثم بدأ الإعلام يسرب بعضا من خيوط صفقة القرن كما أوردتها صحيفة هآرتس اليهودية.
لا شك أن ما يطلق عليه صفقة القرن هو عينه المشروع الأمريكي المتعلق بقضية الشرق الأوسط، فهو ليس بمشروع جديد. ولكنه يكسب اسما جديدا مع كل إدارة أمريكية، فمرة سمي باسم الرئيس الأمريكي مثل مبادئ ريغان، ومرة خارطة الطريق عند أوباما، واليوم صفقة القرن عند ترامب، فهو عينه المشروع الأمريكي الذي تبنته منذ سبعينات القرن الماضي. والذي يقضي بإيجاد سلام دائم بين كيان يهود والدول العربية، بدءاً باتفاقية سلام بين مصر ويهود، ثم اتفاقيات وادي عربة وأوسلو، وبقي منها اتفاق بين سوريا ويهود ولبنان ويهود ثم إنشاء دولة فلسطين وربطها بكونفدرالية مع الأردن. وفي النهاية إحكام هيمنة أمريكا على الشرق الأوسط.
وكل هذا ليس بجديد. ولكن اللافت للنظر هذه المرة هو التسارع الشديد للأحداث ومحاولة إخراج هذا المشروع لحيز الوجود بأقصى سرعة، وكأنه يحدث غدا. وقد تم استخدام الأزمة التي جرت في الأردن قبل بضعة أيام لتحريك عجلة السياسة باتجاه تنفيذ صفقة القرن الأمريكية. وهذا التسارع يختلف عن طريقة أمريكا وأساليبها المعتادة بالتنفيذ ببطء وترك الأمور تنضج على نار هادئة.
ولعل أحد أسباب الإسراع والضغط الشديد لإنجاز ما لم يتم إنجازه من قبل هو ما وصلت إليه حالة الدول العربية من وهن شديد وتحطيم لمقدراتها المالية والعسكرية والبشرية عوضا عن تبعيتها السياسية المزمنة. فسوريا قد جرى تدمير مقدراتها وإنهاكها تماما. ومن قبلها العراق قد فقدت مقدراتها العسكرية والبشرية بعد تمزيقها طائفيا وعرقيا. ومصر كذلك أصبحت ترزح تحت طائلة الديون الهائلة والضعف العام، إضافة إلى التبعية المطلقة للسيادة الأمريكية. أضف إلى ذلك ما آلت إليه السعودية من تبعية للمصالح الأمريكية في المنطقة، وكذلك الأردن الذي زاد ضعفه ووهنه بعد أن كثرت ديونه وقلت موارده واستنزفت طاقاته. وبالتالي فإنه وبالنسبة لأمريكا وكيان يهود ومصالحهم ليس هناك من ظرف أكثر مناسبة من إخراج مشروع أمريكا الشرق أوسطي للوجود، والبدء بتنفيذه.
أما السبب الثاني الذي يدعو للإسراع المحموم فهو الوضع الداخلي في أمريكا والخاص برئاسة ترامب. فالتحقيق الجاري حول انتخابات أمريكا السابقة والتي يحاول فيها المحقق الفيدرالي مولر إثبات تورط حملة ترامب مع الاستخبارات الروسية والتي يفترض أنها ساعدت ترامب بالوصول إلى الرئاسة. ولعل إدارة ترامب تسعى وبشكل حثيث لتحقيق إنجازات سياسية مهمة تعمل على صرف النظر عن تورطه في أعمال قد تؤدي إلى إزاحته عن الحكم.
ولكن السبب الأهم والذي يؤرق أمريكا وكيان يهود وحكام العرب معهم هو الهاجس الذي ما انفك يلاحقهم دوما بعودة الإسلام السياسي المتمثل بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة، والتي ستقلب كل المعايير والسياسات والمشاريع فلا تبقي من شرورهم شيئا ولا تذر.
ومهما كان مكرهم الذي تزول منه الجبال فإن الله تعالى بالمرصاد لمكائدهم وشرورهم ﴿حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد جيلاني