صناعة الأبطال واغتيال حلم الأمة
الخبر:
ساهم أحمد موسى، نجم هجوم منتخب نيجيريا، في تحقيق الفوز الإفريقي الثاني بمونديال روسيا بعد فوز السنغال، بعدما أحرز هدفي النسور الخضر في انتصارهم على منتخب أيسلندا. ودخل المهاجم صاحب الـ 25 عاما، تاريخ منتخب بلاده بعد هذا الفوز الثمين وقد اتصل الرئيس النيجيري بخاري ليهنئ ويبارك ويؤكد للاعبين مدى فخره بهم وقال “إن الإرادة تحقق المستحيل”.
التعليق:
وثبة كبيرة هي تلك التي نقلت أحمد موسى من شاب عادي إلى بطل، هدفان في مرمى أيسلندا جعلاه اسما يتردد في كل منزل في نيجيريا وخرجت الجماهير إلى الشوارع تردد اسم أحمد وتشكره على إدخال البهجة لبيوت نيجيريا وأفريقيا.. هدفان حوّلا أحمد لبطل يشار له بالبنان كما حدث مع محمد ومجدي وماجد وغيرهم من أبطال من ورق صنعوا بين ليلة وضحاها.
إنها بطولة من نوع جديد، بطولة الهجوم وترهيب العدو تعني الركض السريع والتصويب والمراوغة وحسن استلام الكرة… وشجاعة الدفاع تعني حماية حِمى المرمى والذود عن هيبة الشبكة البيضاء ووضع خطة دفاع ينفذها خط فولاذي لا يمكن اختراقه… وتحولت صورة البطل الفارس المغوار لكاريكاتور شاب منعم يرفع الأعلام الملونة ويتباهي بخفة حركته، يحرك مشاعر الجماهير ويمنيهم بالتتويج في مونديال الكرة… والغرض من هذا اللهو المنظم في هذا التوقيت لا يقتصر على صرف أنظار شباب الأمة عن القضايا المصيرية والتطبيع مع أعداء الأمة وقتلة أطفال الشام في عقر دارهم.
الغرض من صناعة البطولة المزيفة هو تمييع قيمة القيادة والبطولة لدى الأمة. أصبحت البطولة متنازعة بين أبطال الملاعب وأبطال المسلسلات بينما ينعت من يذود على حمى الأمة ويحمي مقدساستها بالتطرف والغلو وربما الخيانة!! ويقدم أمراء وقادة وفرسان المسلمين بأشكال هزلية وجدلية عبر الدراما المتلفزة حيث تسلط الأضواء على سلبيات شخصيات القادة المسلمين. فيظهر البطل القائد كشخصية باهتة لها ما عليها تستحق الكثير من النقد وشيئا من الثناء، وحتى هذا الثناء منقوص وتحيط به علامات استفهام بذريعة البحث عن المصداقية والطرح المتوازن! يضعون الأمة الإسلامية تحت المجهر بينما لا نرى لفرسان الملاعب سوى البطولة المطلقة، فرسان متوجون وإن لم يحققوا أي فوز يذكر.
لم يخلق هذا الهذيان من فراغ فالحكومات تجيش ترسانتها الإعلامية لشحذ الهمم ومحاولة توحيد الشعب بأطيافه ولو مؤقتا وراء البطل الشاب والابن البار الذي سيحقق النصر، فيستقبل الرئيس اللاعبين المميزين وتخصص الطائرات الخاصة لنقل الأندية والمشجعين ويظهر البذخ ويدلل اللاعبين. بينما حقيقة الحال على الأرض أزمات اقتصادية طاحنة وسياسات تقشف وتبعية فكرية وسياسية… حقيقة الحال سراب بطل وأمة مكلومة تتوق إلى النصر والعلا.
نشأنا على مسلسلات أطفال تحمل اسم أبطال الكرة وأخرى تصف لاعبي الكرة بالفرسان الشجعان غزاة الملاعب الخضراء وتمجد أفعالهم وهم يركضون خلف الكرة الساحرة!! إنهم أشباه أبطال يصنعون في ظل حكومات أدمنت التبعية والعيش على الهامش، تهدر المليارات لتنفس عن رغبة الأمة في أن يكون لها أبطال حقيقيون ورموز نفخر بهم… أبطال سلم وأبطال حرب يتحلون بعلو الهمة وقوة العزيمة ووضوح الرؤية، يعبدون الله على بصيرة وينصرون الله فينصرهم ويسدد رميهم.
إن الخطر الكامن في هذه البطولات المزيفة هي أنها تسلب من الأمة قيمة البطولة والقيادة الحقيقية، واستبدلت ببسالة خالد بن الوليد، وحنكة طارق بن زياد، ووعي قطز، وشجاعة الظاهر بيبرس، صبيةً يركضون خلف كرة، صبية يتلاعبون بأحلام الشعوب وتحفهم جماهير مغيبة تبحث عن الفوز وتحفزها غريزة البقاء عند شعوب طال بها الزمن في القاع وتبحث عن النصر والقيادة وإن كان نصر ساعة في عالم افتراضي وهزلي!!
البطولة مواقف وليست أهدافا في مرمى العدو… البطولة تستدعي رجالا يحملون هموم شعوبهم وليست أمجادا شخصية لأفراد يتربحون من الدعاية ويُباعون ويُشترون بمزادات علنية وصفقات تنظمها مؤسسات رأسمالية بعيدة كل البعد عن الرقي والرياضة والاهتمام بالصحة.
إن الأبطال الذين ننشدهم هم رجال ونساء يحملون همَّ هذه الأمة العظيمة ويعملون جادين لتغيير واقعها المرير.
أين نحن من سيف الله خالد وصلاح الدين الأيوبي وعبد الحميد الثاني…؟
أين الثرى من الثريا… ما لكم كيف تعقلون؟!
﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر: 92-93]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد (أم يحيى)