إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 90)
أحكام الأراضي
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة التسعين, وعنوانها: “أحكام الأراضي”. نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثامنة والعشرين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: “للأرض رقبة ومنفعة. فرقبتها هي أصلها، ومنفعتها هي استعمالها في الزراعة وغيرها. وقد أباح الإسلام ملكية رقبة الأرض، كما أباح ملكية منفعتها، ووضع أحكاما لكل منهما. أما ملكية رقبة الأرض، فينظر فيها: فإن كانت البلاد، التي منها هذه الأرض، قد فتحت بالحرب عنوة، كانت رقبة الأرض ملكا للدولة، واعتبرت أرضا خراجية، ما عدا جزيرة العرب. وإن فتحت صلحا ينظر، فإن كان الصلح على أن الأرض لنا، وأن نقر أهلها عليها مقابل خراج يدفعونه، فإن هذا الخراج يبقى أبديا على الأرض، وتبقى أرضه خراجية إلى يوم القيامة، ولو انتقلت إلى مسلمين بالإسلام، أو بالشراء، أو بغيره.
أما إن كان الصلح على أن الأرض لهم، وأن تبقى في أيديهم، وأن يقروا عليها بخراج معلوم يضرب عليهم، فهذا الخراج يكون بمقام الجزية، ويسقط بإسلامهم، أو ببيعهم الأرض إلى مسلم. أما إن باعوا الأرض إلى كافر، فإن الخراج يكون باقيا، ولا يسقط لأن الكافر من أهل الخراج والجزية. وإن كانت البلاد قد أسلم أهلها عليها، مثل إندونيسيا، أو كانت من جزيرة العرب، كانت رقبة الأرض ملكا لأهلها، واعتبرت أرضا عشرية. والسبب في ذلك أن الأرض بمنزلة المال، تعتبر غنيمة من الغنائم، التي تكسب في الحرب، فهي حلال، وهي ملك لبيت المال. فقد حدث حفص بن غياث عن أبي ذئب عن الزهري قال: “قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس البحرين. قال الزهري: فمن أسلم منهم قبل إسلامه، وأحرز له إسلامه نفسه وماله إلا الأرض، فإنها فيء للمسلمين، من أجل أنه لم يسلم أول مرة وهو في منعة”. والفرق بين الأرض وبين غيرها من الغنائم من الأموال، أن الأموال تقسم ويتصرف بها، وتعطى للناس، وأما الأرض فتبقى رقبتها تحت تصرف بيت المال حكما، ولكنها تظل تحت يد أهلها ينتفعون بها. وكون الأرض باقية لبيت المال لا تقسم رقبتها، وإنما يمكن الناس من الانتفاع بها، ظاهر في كونها غنائم عامة لجميع المسلمين، سواء من وجدوا حين الفتح، أم من وجد بعدهم. أما جزيرة العرب فإن أرضها كلها عشرية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة، وتركها لأهلها، ولم يوظف عليها الخراج، ولأن الخراج على الأرض بمنزلة الجزية على الرؤوس، فلا يثبت في أرض العرب، كما لا تثبت الجزية في رقابهم، وذلك لأن وضع الخراج على البلاد، من شرطه أن يترك أهلها، وما يعتقدون، وما يعبدون، كما في سواد العراق. ومشركو العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف. قال تعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم). وقال: (ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون). وما دام لم تؤخذ جزية منهم، فكذلك لا يؤخذ خراج على أرضهم”.
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: نتناول هذا الموضوع من جوانب عدة هي:
أولا: للأرض رقبة ومنفعة. فرقبتها هي أصلها، ومنفعتها هي استعمالها في الزراعة وغيرها.
ثانيا: أباح الإسلام ملكية رقبة الأرض، كما أباح ملكية منفعتها.
ثالثا: وضع الإسلام أحكاما لكل من ملكية رقبة الأرض وملكية منفعتها.
رابعا: أحكام ملكية رقبة الأرض إن كانت البلاد قد فتحت بالحرب عنوة:
1) رقبة الأرض تكون ملكا للدولة.
2) تعتبر الأرض أرضا خراجية، ما عدا جزيرة العرب.
خامسا: أحكام ملكية رقبة الأرض إن فتحت صلحا وكان الصلح على أن الأرض لنا:
1) يقر أهلها عليها مقابل خراج يدفعونه.
2) يبقى هذا الخراج أبديا على الأرض.
3) تبقى أرضه خراجية إلى يوم القيامة، ولو انتقلت إلى مسلمين بالإسلام، أو بالشراء، أو بغيره.
سادسا: أحكام ملكية رقبة الأرض إن كان الصلح على أن الأرض لهم:
1) تبقى الأرض في أيديهم.
2) يقروا عليها بخراج معلوم يضرب عليهم.
3) يكون هذا الخراج بمقام الجزية.
4) يسقط هذا الخراج بإسلامهم، أو ببيعهم الأرض إلى مسلم.
5) إن باعوا الأرض إلى كافر يظل الخراج باقيا، ولا يسقط لأن الكافر من أهل الخراج والجزية.
سابعا: أحكام ملكية رقبة الأرض إن كانت البلاد قد أسلم أهلها عليها، أو من جزيرة العرب:
1) رقبة الأرض تكون ملكا لأهلها.
2) تعتبر الأرض أرضا عشرية.
ثامنا: الأرض بمنزلة المال، تعتبر غنيمة من الغنائم، التي تكسب في الحرب، فهي حلال، وهي ملك لبيت المال.
تاسعا: الفرق بين الأرض وبين غيرها من الغنائم من الأموال:
1) الأموال تقسم ويتصرف بها، وتعطى للناس.
2) الأرض تبقى رقبتها تحت تصرف بيت المال حكما.
3) وتظل تحت يد أهلها ينتفعون بها.
4) وكون الأرض باقية لبيت المال لا تقسم رقبتها.
5) يمكن الناس من الانتفاع بها.
6) الأرض غنائم عامة لجميع المسلمين، سواء من وجدوا حين الفتح، أم من وجد بعدهم.
عاشرا: أرض جزيرة العرب كلها عشرية للأسباب الآتية:
1) لأن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة، وتركها لأهلها.
2) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوظف عليها الخراج.
3) لأن الخراج على الأرض بمنزلة الجزية على الرؤوس، فلا يثبت في أرض العرب.
4) لأن الجزية لا تثبت في رقابهم، وذلك لأن وضع الخراج على البلاد، من شرطه أن يترك أهلها، وما يعتقدون، وما يعبدون، كما في سواد العراق.
5) لأن مشركي العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, وللحديث بقية, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.