النهج المطلوب
إن إقامة الدولة الإسلامية فرض على المسلمين وقد ثبت ذلك بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة، ولا يكون للإسلام وجود فاعل مؤثر إلا إذا تمثل في دولة تنفذ أحكامه، فالإسلام دين ومبدأ والحكم جزء منه والدولة هي الطريقة الشرعية التي وضعها الإسلام لتطبيق أحكامه وتنفيذها في الحياة العامة لتنظيم شؤون حياة الناس وإحقاق الحق والإنصاف والعدل بينهم وتحقيق مصالحهم.
والدولة الإسلامية دولة بشرية وليست دولة إلهية روحية، وليس لها قداسة، ولا لرئيسها صفة العصمة أو القداسة، ورئيس الدولة صاحب السلطان مأمور ومقيد بالحكم بما أنزل الله (الكتاب والسنة وما دلا عليه). وقد عاش المسلمون في ظل حكم الشريعة الإسلامية لأكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان، وكانت الدولة الإسلامية من أعظم الدول التي حكمت البشرية وأعدلها وأكثرها تحقيقا للعدل والإنصاف بين الناس.
وحين انقلب مصطفى كمال على المجتمع الإسلامي وتعاون مع الكفار على قلب الحكم في تركيا من حكم الإسلام إلى الحكم العلماني المقيت المستبد الظالم وحارب الإسلام والمسلمين وغير نهج حياتهم بالقوة والخديعة والبطش وذلك في أيام قليلة وبقوانين جائرة ظالمة، وقد خالف نهج الأمة وطريقة حياتها بدون أن يلوي على شيء سوى افتتانه بالعدو الكافر وطريقة عيشه والولاء له، فكانت الدولة التركية العلمانية الفقيرة البائسة. في مقابل ذلك فقد أخذ أردوغان ثقة الشعب التركي لأكثر من ثلاثة عشر استحقاقاً انتخابيا، ولا ينكر أحد محاربته للفساد المالي ولا لتحسينه الاقتصاد ومضاعفة الناتج القومي لثلاثة أضعاف أو أكثر وأنه قيد شراسة العلمانيين وكبح سطوتهم على الإسلام والمسلمين.
فماذا ينتظر أردوغان ليغير نهج الحكم في تركيا من حكم رأسمالي عفن إلى حكم إسلامي راشد على نهج سيدنا محمد r، ولا يكون مثل من سبقوه من حكام بلاد المسلمين سيئي النية والقصد أصحاب الشعارات الجوفاء الرنانة المغامرين أمثال عبد الناصر وصدام والسيسي وغيرهم الذين كان ديدنهم وما زال محاربة الإسلام والمسلمين والبطش بهم ومتخذين الخديعة والكذب والتضليل السياسي ونشر الوهم بين المسلمين ودغدغة عواطفهم لأخذ قيادتهم إلى المجهول والسراب، هؤلاء الزعماء لم ينشئ أحد منهم دولة قانون ومؤسسات تبقى ما بقيت الدولة قائمة لحماية وتحقيق مصلحة الناس، بل أقاموا حكما دكتاتوريا عسكريا غاشما مرهونا بأهوائهم وبقائهم في السلطة.
وبقيت بلاد المسلمين تخضع للاستعمار السياسي والثقافي، وعاد الاحتلال العسكري والقواعد العسكرية والهيمنة الاقتصادية تحت مسمى الشريك والحليف الاستراتيجي، وأصبح أقصى أماني حكام بلاد المسلمين المطالبة بتطبيق الشرعة الدولية، والتي تعني تثبيت وهيمنة وشرعنة الاستعمار، وتحقيق مصالحه وهيمنته على بلاد المسلمين بما يتماشى مع مصالحه وتحكمه في بلادهم.
أردوغان ليس دكتاتورا ولكنه يتعمد مزج شعاراته وخطاباته وبعض تصرفاته بخلفية إسلامية توحي لبعض سامعيه أنه يسعى لنصرة الإسلام، وهذا يذكّر بمن سبقه من حكام بلاد المسلمين سالفي الذكر – الذين لعبوا على وتر التحرر والقومية – مع أن حزب العدالة والتنمية هو نموذج للإسلام الذي يريده الغرب الذي لا يتدخل بالسياسة ويهتم بالتنمية والاقتصاد على الطريقة الرأسمالية، ويبتعد عن تحكيم الإسلام وتدخله في تنظيم شؤون حياة الناس، فهو يدعو إلى وقوف الدولة على المسافة نفسها من جميع الأديان، ويصرح بأن حزبه حزب علماني فهو مسلم كما أن ميركل نصرانية، فهو يفصل بين الدين والسياسة، ورغم ذلك ينخدع بأردوغان بعض المسلمين على أمل أنه يعمل لحكم الإسلام.
أما آن للمسلمين أن يصحوا ويرفعوا سقف مطالبهم ولا يقبلوا بأنصاف الحلول ولا بما هو أفضل الموجود ويدركوا أن الحل الصحيح والجذري والذي فيه خلاصهم وسعادتهم هو الحكم بما أنزل الله تبارك وتعالى على سيدنا محمد r؟! وأن الأمر لا يتعلق بشخص الحاكم الفلاني مهما كان هذا الحاكم، وأن العلة بمنهج الحكم الذي يطبق على الناس أيحكم بأم رأسه أو بالنظام الرأسمالي الاستعماري العفن، أم يحكم بالإسلام كما حكم رسول الله r وكما تبعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، واستمر المسلمون بين ضعف وقوة يحكمون بالإسلام إلى أن جاء مصطفى كمال وقام بأعظم خدمة للكفار وقضى على الدولة العثمانية، وتنصل من معظم أجزاء الدولة حتى إنه تنازل عن جزر أمام الشواطئ التركية في المياه الضحلة ووصى السفير البريطاني ليخلفه بحكم تركيا بعد موته!
المطلوب هو الحكم بما أنزل الله تبارك وتعالى على رسوله e لأن هذا طاعة لله ولرسوله، كما أنه لمصلحة الناس كافة؛ مؤمنهم وكافرهم، وقد قال رسول الله r: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، فالنهج المطلوب هو نهج رسول الله r، ويقاس عمل العاملين وإخلاصهم في خدمة المسلمين بطاعتهم لله تبارك وتعالى وطاعتهم لرسول الله r، ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم سلامة