السبق التاريخي في الإصلاح أم في الانسلاخ؟
تحدثت لجنة الحريات الفردية والمساواة في تقريرها حول مشروع “المساواة والحقوق الفردية” عن السبق التاريخي لمسيرة الإصلاح في تونس والتي انطلقت منذ الإعلان عن قانون عهد الأمان في عام 1857 وانتهت إلى دستور 2014، مرورا بدستور 1861 ودستور الاستقلال 1956، مع الوقوف عند أهم محطة إصلاحية على حد تعبيرهم وهي مجلة الأحوال الشخصية التي خاضت فيها البلاد ثورة اجتماعية تراجعت في خضمها مكانة المجموعة مقابل صعود الفرد.
وها هي اليوم تستكمل المسيرة وتسلط الاهتمام على الحقوق الفردية لتحمل من جديد لقب الإصلاح المستعار متجاهلة حجم النكبات التي تكبدتها البلاد على وتيرة القرن أو أكثر.
فحين نستعرض محتوى هذه التشريعات البشرية وحيثياتها ومنفذيها نكتشف حقيقة ملموسة وهي الانبطاح أمام السياسات الغربية المتعاقبة على حكم البلاد والانسلاخ “الناعم” والمتدرج عن مبدأ أمتها وحضارتها وأحيانا التنكر لتاريخها.
فبدءاً بقانون عهد الأمان كوثيقة تعهد فيها الباي بحماية الرعايا الأوروبيين ومنحهم كل سبل الثراء الاقتصادي والنفوذ الاجتماعي وهو أمر نعتبره “الأمان” الفعلي للكافر الغربي لا لأهل البلاد، ثم وصولا إلى دستور 2014 الذي يوغل في التبعية للنظام الرأسمالي الغربي ويكرس علمنة البلاد متخذا من الديمقراطية مطية لتحقيق مآربه عن طريق وكلائه من الأحزاب والشخصيات الذين اجتمعوا على إقصاء الإسلام كرهاً عن الحكم رغم اختلافاتهم الأيديولوجية.
فمسيرة الانبطاح للغرب والانسلاخ عن مبدأ الأمة في الرعاية الشاملة تجسدت بالفعل طوال عقود، ولعل الحيثيات المتشابهة بين عهد الأمان ودستور 2014 أفضل برهان على ترابط هذه المسيرة؛ فقانون عهد الأمان مثلما أشرنا الذي يحمي الأجنبي ويمكنه من الثروات تم إقراره نتيجة جريمة ارتكبها أحد الرعايا اليهود وقضت فيها المحاكم الشرعية آنذاك الأمر الذي أثار حفيظة القنصلين الفرنسي والبريطاني وتدخلهما لفرض قوانين على الباي مستمدة من دساتيرهم.
أما دستور 2014 فقد تكررت معه قضية اليهودي ولكن بأكثر بشاعة؛ فبعد أن كان سببا في استبدال الأدنى بالخير أصبح طرفا فاعلا في تقرير مصائرنا؛ فنوح فيلدمان هو الذي أشرف على صياغة هذا الدستور وبانت مفضوحة محادثاتُه مع النواب بالتوجيه والنصح أو المؤامرة والمساومة، فهل من محض الصدفة أن تتشابه كل الحيثيات في تقرير مصائر الأمة وسن قوانينها؟ وأي مسيرة إصلاح هذه في ظل مستعمر ووكلائه وأكاديمييه ومشايخه ينفثون سمومهم لجني مصالح مادية بحتة وأهل البلاد يتحملون الأعباء والجرم المترتب عنها؟ وأي إصلاح هذا والبلاد غارقة في مستنقع من الأزمات؟ وأي سبق إصلاحي وبلادنا في الدرك الأسفل على مختلف التصنيفات من تعليم وصحة وارتفاع نسبة الجريمة ومعدلات الطلاق والعنوسة…؟!
أم إن السبق الإصلاحي في نظرهم يتحقق بقدر علمنة البلاد ومحاربة أحكام دينها بتوظيف شرذمة من المضبوعين بثقافة الغرب لتمرير مخططاته وقوانينه من أمثال ألفت يوسف وسلوى الشرفي وهم يتهكمون على الصحابة والفقهاء ويحرفون الآيات ويتهجمون على النبي e… بل وأخطرهم ممن يدعون مشايخ تونس وهم يسبحون بحمد ترامب ومن التف حوله من أذناب الكفر أمثال الغنوشي الذي اعتبر الشريعة فتنة وأنه يجب فصلها عن السياسة والحكم منذ أول وصوله إلى سدة الحكم.
فليعلم هؤلاء الرويبضات الذين يستميتون في خدمة مصالح الغرب من أعلى هرم خادم المسؤول الكبير إلى أسفله كالمنظمات والأحزاب: إن أهل تونس يذودون عن أحكام الله مهما تغولت علمانيتهم وتوحشت جرائمهم فالنفايات التي يسوقونها بمقاصدها ومفاسدها مآلها الهلاك لأن الله متم نوره إذ يقول تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إيمان بوظافري
2018_07_02_Art_The_historical_precedence_of_reform_or_dissolution_AR_OK.pdf