العلمانية الشرسة تدبر ضرب آخر حصن للإسلام: نواة الأسرة المسلمة…
فمن يذود عن أحكام الله؟
إن صدور تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة التي تشرف عليها بشرى بلحاج حميدة يوم 1 حزيران/يونيو 2018 يكشف تفصيليا المخطط الغربي الكامل لضرب ما تبقى من النظام الاجتماعي الإسلامي في تونس، حيث غطى التقرير المكتوب بأقلام عربية تفوح منها رائحة حبر الخبث الرأسمالي العلماني، غطى كل جوانب ودقائق المفاهيم الإسلامية المتبقية والتي لم يمسها سمّهم بعد، وإنه وإن كان تقريرا له زوايا عدة تحتاج الكثير من البحث إلا أن بعض المحاور الأساسية البارزة فيه تستدعي الانتباه والتدقيق أكثر من غيرها: فقد ركز التقرير في مقدمته على إعطاء السياق التاريخي للمشروع حيث تعمد إبراز فكرة أن المشروع هو نتاج منطقي في بلد له سلسلة من السوابق المماثلة جعلته الحاضنة الطبيعية لهكذا مشروع، حيث ذكر فيه أن مسيرة ما سموه بالإصلاح في بلادنا لم تنقطع… انطلقت محطتها السياسية مع عهد الأمان الصادر في 10 أيلول/سبتمبر 1857 لتصل ولم تنته إلى دستور 26 نيسان/أبريل 1861 ودستور الاستقلال المؤرخ في أول حزيران/يونيو 1959 ثم مجلة الأحوال الشخصية آب/أغسطس 1956 والتي ركزت أساسا على ضرب القيم الإسلامية والأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة كونها اللّبنة المركزية للمجتمع والنّشء كنزع ولاية الأمر وحق التطليق من الرجل وغيره… ويظهر هنا بشكل صارخ مدى غرق بلادنا في مستنقع الحضارة الغربية لدرجة تحولها لمختبر مصغر منذ أكثر من قرنين تجرب فيه مشاريعهم قبل أن تأخذ شكلها الناضج والأخير لتتحول إلى سلعة جاهزة للتسويق في باقي العالم الإسلامي، وهو أمر يكشف مدى غرق البلاد في وحل العمالة التي تكبلنا من السماسرة في أوساطنا السياسية النخبوية والشعبية الذين يسهلون تحضير الأرضية الخصبة لهم.
ثم استرسل التقرير من سرد السياق التاريخي للمؤامرة نحو وضع أوراق الغرب الأخيرة على الطاولة وهي أنه قد حان زمن استكمال المشروع إلى النهاية وذلك بالإجهاز على البقية الباقية من أحكام الإسلام، وقد برز عنوان المساواة في الميراث واختيار الزوج من ملة غير ملة الإسلام بقوة في هذا التقرير، وهو أمر يقودنا مباشرة إلى مسألة أن الغرب يتابع دقائق شريعتنا بتفصيلاتها ودارسٌ لها بعمق مكّنه من معرفة من أين تؤكل الكتف وكيف تفصل الشاة وتسلخ بعد ذبحها… يعني خطوات دقيقة مدروسة من حيث الإطار والتسلسل أولا ثم من حيث الضرب في العمق ثانيا مترجما نفسية مريضة حاقدة أشدّ الحقد على الإسلام.
إن التقرير قد قسم محتواه إلى جزئين أساسيين؛ الحريات الفردية والمساواة، إلا أننا إذا ألقينا نظرة فاحصة شاملة نجد أن كل القوانين والتشريعات المقترحة من حرية الرأي والمعتقد والشخصية والملكية والمساواة في الميراث تصب في جوهرها نحو ضرب مفهوم الجماعة في الإسلام، وهو مسألة غاية في الخطورة فالكل يعلم أن الغرب ومنذ سنين استطاع أن يضرب حكم الإسلام في السياسة بإسقاط الخلافة وتقسيمنا إلى دويلات تحكمها عمالات علمانية، وبزرع النظام الاقتصادي في مؤسساتنا وتربية نفسية الشارع عليه ليصبح مستساغا… غير أنه لم يقدر في ما مضى على اجتياز العقبة الأقوى والأخطر ألا وهي الأسرة المسلمة والتي ظلت القلعة الأخيرة للمقاومة والممانعة في حرب الشطرنج العلمانية القذرة؛ فإنه ورغم كل ما فرض علينا من قوانين جائرة انتهكت أحكام ديننا وتعسّفت على الإسلام بقي الناس يملكون بعض طمأنينة أنه في عمقهم وفي داخلهم محصنين بأحكام الإسلام من خلال تلك التركيبة البنيوية التي أكرمتنا بها رحمة الخالق جلّ وعلا في فرض حق الولاية والمشورة للرجل كقائد للعائلة، وفي المقابل جعل النفقة والرعاية والحماية واجبا في رقبته وحقا مكتسبا منذ الولادة للمرأة أماً أو زوجة أو ابنة، ثم فرض طاعة الأبناء والبر بآبائهم، وكل الأحكام الشرعية التي تنظم الأسرة في الإسلام.
إذن الهدف الحقيقي اليوم من هذا المشروع هو القضاء على القيم الإسلامية الباقية في نفوسنا ومفاهيمنا ومعاملاتنا لضرب وتفكيك نواة الأسرة آخر فرسان الإسلام التي تقاوم عفونة الرأسمالية الأنانية.
فعلى المسلمين عامة والعلماء والشيوخ والأئمة خاصة أن يعوا الدّرس ويقوموا بواجبهم نحو دينهم ويعتبروا مما حدث أيام بورقيبة حين استطاع اللّعب وتدجين علماء الزيتونة الذين ظنوا أن كون الأفراد مسلمين فلا خوف عليهم من قوانين العلمانية الجائرة، فها هي اليوم استطاعت أن تتمدد وتتفرع لتزيد في التطاول ولا من حسيب ولا رقيب…
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هاجر بلحاج حسن
2018_07_02_Art_Committee_on_Equality_and_Individual_Freedoms_AR_OK.pdf