تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة
مسيرة عداء لأحكام الإسلام
إن الحرب على الإسلام بدأت منذ ظهوره فمنذ أن نزل هذا الدّين العظيم على رسول الله e حاربته قريش، ثم تتالت عليه الحروب لكنه ظل قائما محكما بقيام دولة الإسلام أكثر من 13 قرنا.
ومن أهم المكائد التي نصبت لدولة الإسلام لإسقاطها في التاريخ ولمنع قيامها في الحاضر هي التلاعب بمفاهيم الإسلام وضرب صفائها ونقائها وإدخال الغموض والضبابية والمغالطات عليها مع صنع أفكار ما أنزل الله بها من سلطان وجعلها مفهوما في عقول المسلمين، وذلك بإدخال الطابع الإسلامي عليها بالتلبيس والتلفيق ليقبلها المسلمون، ثم إن هذا كان من أبرز خطط الغرب الحاقد على أمة الإسلام لإسقاط دولتها وإبعادها عن دينها وحضارتها بل ومنع عودتها من جديد.
ثم استمر الغرب في هذه الحرب وهذا الأسلوب حتى بعد إسقاط الدولة وذلك بإدخال ثقافته الغربية على المسلمين من خلال قوانين وأنظمة تحكمهم ومن خلال دمج هذه الثقافة بالإسلام مع تدهور فهم المسلمين لأسس دينهم، وذلك لإيجاد جيل ذي عقيدة إسلامية تقتصر على العبادات فلا تؤثر على الغرب ولا على أنظمته الفاسدة القائمة علينا.
وفي هذا نذكر مجلة الأحوال الشخصية الصادرة في 13 آب/أغسطس 1956 وهي من أهم المخططات الغربية لمحاربة الله ورسوله وتطويع الأحكام الشرعية للمعاهدات الدولية ولحقوق الإنسان والمرأة والطفل بما يفكك الأسرة وينسف حكم الزواج ويشيع الفاحشة والرذيلة في المجتمع ضمن مخطط الغرب، وتميزت كذلك صياغتها بالاضطراب والتلفيق والخلط والضبابية والغموض والتلاعب بالألفاظ مما مكنها من الالتفاف على الأحكام الشرعية ودس السمّ في الدسم وتمرير أحكام الكفر في جلباب الاجتهاد الشرعي، ورغم أن كليهما قد طفح بكمٍّ هائل من الجرأة والصفاقة إلا أن المجلة عجزت عن استهداف بعض المسائل القطعية تاركة غصة في حلق واضعها لم يستطع أن يكتمها حين قال بورقيبة لوزيره الأول محمد المزالي “إن قضية المساواة في الإرث بقيت في القلب ورغم محاولتي لم أجد آية قرآنية واحدة تمكنني من تحقيق حلمي”.
إن ما عجز عنه بورقيبة بالأمس يتجرأ عليه وريثه الباجي قايد السبسي اليوم من خلال مجلة الحقوق والحريات الفردية تحت إشراف لجنة الحريات الفردية والمساواة التي بثت سمومها من خلال قوانين تمس المسائل القطعية في الإسلام كقانون المساواة في الميراث بين المرأة والرجل وزواج المسلمة من غير المسلم. كما تضفي عليها بالمكر والخبث والمغالطات الطابع الديني ليقبلها المسلم وكأنها من الإسلام.
فنجد في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة الصادر في 1 حزيران/يونيو 2018 حججا من القرآن لتقنين حرية المعتقد، فقد جاء في التقرير على صفحته الثامنة ما يلي “هذه الحقيقة أكدها الإسلام بوضوح عندما رسخ حرية المعتقد ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ وفي صفحته التاسعة “تعتبر حرية المعتقد مدخلا في غاية الأهمية وذلك في مجتمع عقائدي مثل المجتمع الإسلامي”. فتقنن حرية المعتقد التي تسمح اعتناق أية عقيدة والتخلي عنها متى شاء مع ممارسة الإنسان شعائره الدينية دون خوف. كما تضمّن هذا التقرير في صفحته الثامنة ضربا لفكرة الخلافة (تم طمس معنى أساسي في القرآن ويتعلق بالخلافة فهذا المصطلح خص به الإنسان لتحديد دوره في الوجود ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾) ويضيف التقرير (وبدل الانطلاق من هذا المفهوم الشامل تم تحويل وجهة المصطلح نحو رسم صورة قاتمة تجعل من الحاكم خليفة للإله وتطلق يديه وإرادته في المجتمع والدولة كما تحول الخلافة إلى خلافة مطلقة وصفها الجاحظ بالملك العضوض) ليبين هذا التقرير عداء واضعيه الصريح مع نظام الخلافة القطعي والثابت في الإسلام في حرب معلنة على دعوة الخلافة ضمن سياق أمريكا والمنظمات الدولية الغربية الصليبي على مقدسات المسلمين وأحكام دينهم.
وقد عمد التقرير أيضا إلى ضرب مفاهيم قطعية في الإسلام من مثل الكفر والردة والخروج من الإسلام وذلك من منطلق الحرية التي يعتبرونها مقصدا أصليا من مقاصد الإسلام، ومما جاء في ذلك من تقرير اللّجنة في الصفحة التاسعة (وتأكيد مسؤولية الإنسان عن أفعاله ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ وأنه ليس مجرد آلة تنفيذ للإرادة الإلهية ولا يصح الحديث عن المسؤولية إلا إذا اقترنت بالحرية وبهذا المعنى بدأت تتأصل فكرة الحرية في الضمير وفي الوعي الإسلامي) ليطمس هذا التقرير مفهوم العبودية لله والتي هي أساس الإسلام العظيم ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ في اتباع أعمى لمبدأ العلمانية في فصل الدين عن الحياة وليعود بنا هذا التقرير في ما جاء فيه إلى عبادة العباد لا عبادة رب العباد!
إن ما تقوم به لجنة الحريات الفردية والمساواة ما هو إلا سير في طريق الحرب الصليبية التي تقودها دول الغرب وعلى رأسهم أمريكا على مقدسات المسلمين وأحكام دينهم، فهم لا يتعودون إلا أن يكونوا موظفين للاستعمار ركّز فيهم شخصيته وربّاهم على كُره كل ما هو إسلامي ليخرجوا على أمتهم ناطقين باسمه ومعلنين حربه على ديننا بالوكالة.
إن هذه الجرأة من هؤلاء الحكام على الإسلام العظيم ستظل قائمة بقيام هذا الدستور الذي صيغ على أعين الصهيوني نوح فيلدمان وتحت إشراف منظمة الأمم المتحدة الإنمائية واحتفل بصياغته رؤوس الكفر في العالم وعلى رأسهم أمريكا أعداء الإسلام والمسلمين والذين يكنون الحقد والبغض لأحكام الله وشريعته. فهذه المشاريع السامة ما هي إلا إفرازات دستور 2014 العلماني الذي وضع حجر الزاوية في الإعراض عن حكم الله… فدستور 2014 هو أصل هذه القوانين ورفض تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة بدون رفض الدستور وواضعيه والقائمين عليه لن يرد عدواناً على أحكام ديننا ولن ينتصر لشريعة الإسلام ولدين هذا الشعب المسلم.
وها نحن نرى رغم السموم التي بثّت في تقرير اللّجنة باسم الإسلام والفكر الإسلامي إلا أنها لقيت كل الرفض من الأهل في تونس. فبالرغم من التغريب الذي عاشه وسياسة الاستعمار الغربية التي مورست عليه إلا أن أفكار العقيدة الإسلامية لا زالت ضاربة جذورها في قلوب هذا الشعب الذي بيّن رفضه لهذا المشروع بل ولواضعيه ومؤسسيه وبأنه شعب يتطلع للتغيير والتحرير من عبودية العباد، لا ولكن ها هم يلهونه بمثل هذه القوانين التي تولد ميتة ليتسنى لهم تمرير مشاريع الاستعمار وبيع البلاد والعباد ورهنها لسياسة صندوق النقد الدولي ولمنظمات الغرب أس البلاء والحرب على الإسلام والمسلمين.
أيها الأهل في تونس! لن ينتهي عداء هؤلاء الأقزام الرويبضات على ديننا ما دمنا نحتكم إلى سياسة الغرب الرأسمالي ومناهجه ونرتهن لقروضه وشركاته، وما دمنا نعرض عن حكم ربنا كاملا ليكون المحدد للعلاقات في المجتمع…
نعم لن ينتهي هذا العداء ما دامت دولة المسلمين غائبة، فلنعمل على تحرير بلادنا من الاستعمار وعملائه ونسير مع المخلصين لإقامة دولة الإسلام؛ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فبها يعز الإسلام وأهله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة فاتن الشعري