الشريعة: حصن للأسرة الإسلامية ومنهاج للحياة البشرية
يسعى الغرب جاهدا على تكريس فكره ومبدئه الرخيص في كل مستعمراته، ولكل مستعمرة أسلوب حسب وضع شعبها وتبعية حكامها وأعوانهم، وإن ما يحصل في تونس على يد بائعي الذمم المتاجرين بالدين أعضاء لجنة الحريات الفردية والمساواة لهو دليل على ذلك.
أصدرت هذه اللجنة تقريراً لم يسبق له مثيل، لا يهدف إلا لتفكيك الأسرة وهدم المجتمع وذلك بالتلاعب بالأحكام الشرعية الثابتة كأحكام الميراث، والنفقة، والمهر، والنسب، والعدة… وبإشاعة الفاحشة بإباحة الزنى والشذوذ والعياذ بالله، وهذا ما يطابق تماما النظرة الرأسمالية للصلات بين الرجل والمرأة المسلطة على الذكورة والأنوثة أي على الصلة الجنسية، وبالتالي يعمل أصحاب هذا الفكر على إيجاد الواقع المادي والفكر الجنسي المترديَّيْن، وهذا لا يطابق مطلقا الفطرة السليمة والمبدأ الإسلامي الذي ينظر للصلات بين المرأة والرجل نظرة لبقاء النوع البشري لا نظرة للناحية الجنسية وإن كانت أمرا حتميا في الإشباع لكن لا توجهه. وحتى لا تشيع الفاحشة ضمن الإسلام للمرأة والرجل نظام الصلة بينهما؛ نظاما صحيحا أساسه الناحية الروحية ومقياسه الأحكام الشرعية حيث حصر صلة الجنس، أي صلة الذكورة والأنوثة بين الرجل والمرأة بالزواج إذ يقول عز وجل شأنه في محكم تنزيله ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فجعل الإسلام أسساً وضوابط للزوجين وجب الالتزام بها لتعيش الأسرة هانئة مطمئنة؛ فأوجب عليهما الصحبة التامة من جميع وجوهها حتى يطمئن أحدهما للآخر؛ إذ الأصل في الزواج الاطمئنان، كما بين أن لكل منهما الحقَّ على الآخر من الحقوق الزوجية كحسن الصحبة والمعاشرة.
كما نجده اختص كل واحد منهما ببعض الواجبات؛ فمثلا على الرجل إيفاء الزوجة حقها من المهر والنفقة وحسن المعاشرة تقيداً بما ورد في القرآن وتأسياً بالرسول عليه الصلاة والسلام، أما المرأة فوجب عليها طاعة زوجها وخدمته وخدمة بيتها ورعاية أولادها… وجعل كل صلة تخرج عن الزواج جريمة يعاقب عليها بأشد العقوبات كجريمة الزنى والشذوذ…
أما قضية المساواة التي منها انبثقت قضايا هدامة كالميراث فهي ليست قضيّة تبحث، ولا هي قضية ذات موضوع في النظام الاجتماعي لأن الإسلام أقام نظامه الاجتماعي على أساس متين يضمن تماسك الجماعة والمجتمع ورقيهما ويوفر للإنسان الذي كرمه الله العيش الكريم والسعادة الحقيقية؛ فالإسلام حين جعل للمرأة والرجل حقوقا وواجبات تتعلق بمصالحهما ومعالجات لأفعالهما جعلها واحدة حين تقتضي طبيعتهما الإنسانية، ومتنوعة حين تقتضي طبيعة كل منهما هذا التنوع. فحين تكون الحقوق والواجبات تتعلق بالإنسان كإنسان تجد الوحدة في هذه الحقوق والواجبات، إلا أن ذلك لا يعتبر مساواة بين الرجل والمرأة وإنما هي أحكام شرعت للإنسان، وحين تكون هذه الحقوق والواجبات، وهذه التكاليف الشرعية تتعلق بطبيعة الأنثى بوصفها أنثى أو بالذكر بوصفه ذكرًا تكون هذه الحقوق والواجبات متنوعة بينهما. وهذا التخصيص في الأحكام ليس معناه عدم مساواة، وإنما هو علاج لأفعال الأنثى باعتبارها أنثى، وعلاج لأفعال الذكر باعتباره ذكرًا.
إن حسن تدبير الخالق أحاط بكل صغيرة وكبيرة، ومهما حاول صناع الظلام والضلال فلن يستطيعوا حجب نوره؛ فبشريعته الغراء وحكمه العادل يتم الخلاص من الفتنة والعداوة بين أفراد الأسر والفساد الذي تفحّش في مجتمعنا، وهذا لا يتم إلا تحت ظل دولة ذات سيادة وعلى يد إمام عادل يحسن الرعاية ويحكم بالعدل، وعلى المسلمين وخاصة منهم الشيوخ والعلماء أن يعوا خطورة الوضع ويحثوا الخطا لمحاربة الاستعمار بأشكاله وإعادة دولة الخلافة على منهاج النبوة المنقذة للبشرية من براثن الرأسمالية.
قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾. وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
بدر الدجى – تونس
2018_07_18_Art_Sharia_A_fortress_for_the_Islamic_family_and_a_platform_for_human_life_AR_OK.pdf