لا إله إلّا الله معناها الاستسلام لأوامر الله وطاعته فبأيّ حرّيّات فرديّة ينادون وبأيّ حقوق يطالبون؟!
لا إله إلّا الله معناها الاستسلام لأوامر الله وطاعته
فبأيّ حرّيّات فرديّة ينادون وبأيّ حقوق يطالبون؟!
يقول سبحانه وتعالى ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾، ومعنى الآية – حسب تفسير ابن كثير – أخلص العمل لربّه عزّ وجلَّ فعمل إيماناً واحتسابًا ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ أي اتّبع في عمله ما شرعه اللّه له وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحقّ، وهذان الشّرطان لا يصحّ عمل عامل بدونهما أي يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون له، والصواب أن يكون متابعاً للشّريعة فيصحّ ظاهره بالمتابعة، وباطنه بالإخلاص، فمتى فقد العمل أحد هذين الشّرطين فسد، فمن فقد الإخلاص كان منافقاً وهم الذين يراؤون النّاس، ومن فقد المتابعة كان ضالاً جاهلاً، ومتى جمعهما كان عمل المؤمنين ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ﴾.
فأن يسلِم المرءُ ويوحّد بالله ويقول “لا إله إلّا الله” معناه أن يسلّم ويستسلم لله خالقه ومدبّر أموره فيطيعه في كلّ ما أمر بفعله وينتهي عن كلّ ما نهى عنه. فالاستسلام لله هو الطّاعة والانقياد ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ [النّساء: 65] فأن نعبد الله ونرضى به ربّا يعني أن نعبده وحده لا شريك له وعلينا التّسليم بأحكامه فلا نعترض على واحد منها، فنقول “سمعنا وأطعنا”؛ نتّبع في ذلك منهج نبيّنا سيّد المرسلين ونسير على درب أصحابه الميامين. فبالاستسلام لأمر الله ملك الصّحابة الدّنيا، وفتح الله عليهم كنوز الأرض… اتّبعوا ملّة أبيهم إبراهيم ولم يحيدوا عنها، حنفاء لا يشركون بربّهم شيئا، والحنيف هو المائل عن الشّرك قصدا أي تاركاً له عن بصيرة ومقبلا على الحقّ بكلّيته لا يصدّه عنه صادّ، ولا يردّه عنه رادّ. ذلك هو السّبيل للخلاص والفوز برضا الرّحمن، فإن حاد واتّبع هواه وأعرض عن ذكر الله فقد سلك طريق الشّيطان.
طريقان لا ثالث لهما: طريق الحقّ ويقبل عليه المسلم راجيا أن يلقى ربّه وهو راض عنه يعمل بأوامره ويطيعه لا يخالف له أمرا، وطريق الباطل ويسلكه من يرى غير الله خالقا ومسيّرا لحياته فيرضى بغيره يسنّ له الأحكام! فمن أراد الجنّة ورضوان ربّه فعليه أن يسلم وجهه له لا يعارض أحكامه ويعمل بها راضياً عن طواعية، ومن أراد غير ذلك فقد خسر خسرانا مبينا وأغضب ربّه وباء بجهنّم سعيرا. ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾.
لا زالت حرب الكافرين وأوليائهم ممّن ضعفت نفوسهم للفوز بمنصب أو جاه مستعرةً، وما زالوا يكيدون باللّيل والنّهار حتّى يردّوا المسلمين عن دينهم ويصرفوهم عنه وعن السعي لإعادته نظاما لحياتهم. فلم يكتف هؤلاء بفرض نظامهم الرّأسماليّ الفاسد على أمّة الإسلام وإقصاء النّظام المنبثق عن عقيدتهم، بل يعملون جاهدين حتّى يبيدوا كلّ مفهوم وكلّ حكم يوحي به وتجرّؤوا على المساس بأحكام قطعيّة للنّيل من الأسرة وكيانها ونشر الفاحشة في المجتمع تحت شعار “الحرّيّات الفرديّة والحقوق”… فعن أيّ حقوق يتحدّثون؟! وبأيّ حرّيات يطالبون؟! وضدّ من يقفون؟!
هل يعقل أن يقف المسلم الذي أسلم وجهه لله حنيفا أمام أحكام خالقه يزنها ويقيسها ويعدّلها بل وينقضها ويقيّضها ويأتي بما يخالفها؟!! هل يمكن أن يتجرّأ المسلم ويرفع شعارات تناقض عقيدته وتضرب أحكامها؟!! كلّا، وإلّا فإنّه سيسلك الطّريق الآخر ويحيد عن الأوّل!!
حين نزلت آية تحريم الخمر ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ أسرع الصّحابة وكسروا دنان الخمر وأراقوها مباشرة دون تردّد ولا تململ ولا تفكير ،فالأمر أمر الله وعليهم الاستسلام والطّاعة، وحين نزلت آية الخمار ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ ونزلت الآيات: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ﴾،… ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ عمدت نساء المسلمين إلى مروطهنّ فشققنها، وجعلنها خمرًا، احتجبن بها. عن صفيّة بنت شيبة أنّ عائشة رضي الله عنها كانت تقول: لمّا نزلت هذه الآية ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ أخذن أُزُرَهنّ (نوع من الثياب) فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها. رواه البخاري وأبو داود
يقول ابن القيم رحمه الله في الوابل الصَّيِّب: “إنّ من علامات تعظيم الأمر والنّهي أن لا يحمل الأمرَ على عِلّةٍ تُضعِف الانقياد والتّسليم لأمر الله عزّ وجلّ، بل يُسَلِّمُ لأمرِ الله تعالى وحُكمه، ممتثلا ما أمر به، سواء ظهرت له حكمة الشّرع في أمره ونهيه أو لم تظهر، فإن ظهرت له حكمة الشّرع في أمره ونهيه حمله ذلك على مزيد الانقياد بالبذل والتّسليم لأمر الله”.
فالاستسلام لله ولرسوله والانقياد للشّريعة سبب للنّجاة من عذاب الله؛ قال تعالى: ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾.
هكذا يتعامل المسلم تجاه أحكام ربّه ينفّذها راجيا أن يتقبّلها منه القبول الحسن، أمّا وقد تغيّر واقعه وصار النّظام الرّأسماليّ يتحكّم في حياته ويسنّ له القوانين الوضعيّة فقد تلبّس على الكثير من النّاس الأمر خاصّة بعد أن فُصِل دينُهم عن حياتهم وساء فهمهم له وصاروا يحيون بما يسنّه ويشرّعه البشر… تاه الكثيرون وسط هذه الشّعارات البرّاقة وحسبوا أنّها خير، ولكنّ المسلم الفطن تنبّه لدسائس هؤلاء وتبيّن له أنّها حرب على دينه وأحكامه، ونحمد الله كثيرا أنّ أمّة الإسلام بخير – رغم ما اعتراها من ضعف – فقد كانت يقظة أمام ما يحوك هؤلاء للنّيل من أحكام دينها.
إنّ هذا النّظام العلمانيّ المتهاوي ما كان ليجرؤ على أحكام الإسلام لو لم يجد له معاونين يغالطون أبناء الأمّة ويلبّسون عليهم الحقائق… ما كان هذا النّظام الفاسد لينال من شرع الله لولا هؤلاء المنافقون الذين توعّدهم الله بالدّرك الأسفل من النّار… ولن يطول بقاؤهم، وقد بان واضحاً مكرُهم وخبثهم وسيلقون من العذاب ألوانا في الدّنيا (سيلزمون جحورهم مذعورين ممّا سيلقون من عقاب في دولة الإسلام) وفي الآخرة (حين يلقون ربّهم وجلين خائفين من نار جهنّم التي وعدهم بها).
يا أبناء خير أمّة أخرجت للنّاس! لقد تطاول هؤلاء على أحكام الله يريدون تشكيككم في صلاحها ويسعون إلى أن تلفظوها وتعملوا بما يسنّون من أحكام علمانيّة أملاها عليهم الغرب حتّى يردّوكم من بعد إيمانكم كفّارا، فلا تمكّنوهم من ذلك ولا تسمحوا لهم بالتّلاعب بها والتّجرّؤ على دين الله وأحكامه، ولا تنخدعوا بكلماتهم المنمّقة المعسولة، وخذوا مواقعكم وذودوا عن أحكام دينكم ولا تخشوا في ذلك لومة لائم.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التّحرير
زينة الصّامت
2018_07_28_Art_Surrender_to_Allah_commands_and_obedience_AR_OK.pdf