كل إناء بما فيه ينضح
الخبر:
وصف وزير خارجية بريطانيا السابق بوريس جونسون، في مقال نشرته صحيفة ديلي تلغراف الاثنين 2018/8/6، النقاب بأنه “سخيف” و”غريب” قائلا إن النساء اللواتي يرتدينه يشبهن “صناديق البريد” و”لصوص البنوك”.
وقد أثارت المقالة ردود أفعال في الوسط السياسي في بريطانيا بينما طالب رئيس حزب المحافظين ورئيسة وزراء بريطانيا بالاعتذار. إلا أن جونسون رفض التراجع عما كتبه، وقال “من السخف أن تتعرض هذه الآراء للهجوم ويجب أن لا نقع في فخ إغلاق النقاش حول مختلف القضايا” بحسب ما صرح مصدر مقرب منه للصحفيين. وأضاف “يجب أن نواجه الأمر. إذا أخفقنا في الدفاع عن قيمنا الليبرالية، فإننا بذلك نفسح الطريق أمام الرجعيين والمتطرفين”. وذكر جونسون في مقاله أنه على كل منقبة خلع نقابها قبل أن تدخل مكتب عمله كعضو في البرلمان.
ومما ورد في المقال المثير للجدل والذي كتبه جونسون ليعارض فرض حظر النقاب في الدنمارك “من السخيف تماماً أن يختار الناس السير وهم يشبهون صناديق البريد”. (2018/8/7 وكالة فرانس برس).
التعليق:
بداية سنترفع عن الرد عما تقيأ به وزير خارجية بريطانيا السابق ويكفي أن نقول كما قالت العرب سابقا “كل إناء بما فيه ينضح”.
اللافت في مقالة جونسون في الديلي تيلغراف أنها تحمل جملة من التناقضات المزرية، فهو تارة يدافع عن الحرية الشخصية والقيم الليبرالية وحق المرأة في العري أو الحجاب كل حسب اختيارها، وتارة أخرى يكيل الشتائم ويتهكم على من اختارت لنفسها الحجاب! وهذا التناقض منبعه ضعف الأسس التي قام عليها المبدأ الرأسمالي الذي فصل الدين عن الحياة وترك الإنسان عبداً لهواه. نادت الرأسمالية إلى قيم لم تتحقق وحريات وهمية ليست سوى سراب يحسبه الظمآن ماء. تناقضات صارخة تثير الشفقة وتدل على حال من يحمل فكرة تدفعه إلى النفاق دفعاً، تراه يدافع عن المساواة والعدالة بينما هو يحمل موروثا من العنصرية وازدراء الشعوب!
إن تصريحات السياسي البريطاني أبعد ما تكون عن رقي السياسة كرعاية شؤون للبشر وإدارة العلاقات بين أفراد الشعب، وهي أقرب ما تكون للداروينية الاجتماعية التي تحكمت في الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر. تلك النظريات العنصرية البغيضة حول الارتقاء المجتمعي والارتقاء الحضاري التي تطبق نظريات داروين حول علم الأحياء على الدراسات المجتمعية. استغل أصحاب هذه النظريات العلم ليدّعوا أن الرجل الأبيض وصل لقمة الرقي بينما تسير الأعراق الأخرى خلفه. ويعتقد أصحاب وأتباع هذا الفكر المنحط أن الرجل الأبيض يحمل عبء الارتقاء بباقي الشعوب “المتخلفة” فعليه أن يحمل حضارته ومدنيته لتلك الشعوب “البدائية” وهذا ما يسمونه “بعبء الرجل الأبيض”!
انقلب السحر على الساحر وتحول عبء الرجل الأبيض إلى عبء على المجتمعات الرأسمالية يظهر رجعيتها وتدني قيمها وعدم صلاحيتها لقيادة العالم. وبلغت تناقضات المجتمع الغربي حدا يثير الشفقة حيث تتوالى تصريحات ساسته التي تظهر عوار أفكاره وتصدع أركانه. لقد ولى زمن الحديث المنمق والعبارات الرنانة التي تدغدغ المشاعر، وظهر قبح النظام الرأسمالي وعداؤه لشعوب كل من يخالف ثقافته وأفقه الضيق.
الغرب الكافر يترنح ورأسماليته تنفضح بوجود أمثال ترامب وجونسون على سدة الحكم وقد أظل زمان عدل رب العالمين وبزوغ شمس خلافة المسلمين بإذن الله.
﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْض كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد (أم يحيى)