قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق
الخبر:
نفذ جهاز حماية الأراضي حملة إزالة قسرية، لسوق الكلاكلة الوحدة شرق، بمحلية جبل أولياء، دونما مراعاة للأوضاع المأساوية التي خلقتها إزالة أكشاك، يعتمد عليها مواطنون في معاشهم، سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي تمر بها البلاد، ولم يكتف موظفو الجهاز عند هذا الحد، بل وحسب مواطنين، فإن من يعترض أو يصور بهاتفه، لتوثيق الحدث، يعرض للتوقيف من قبل الشرطة، علاوة على التهديد والغرامة. (صحيفة الجريدة السودانية).
التعليق:
قبل أن نعلق على الخبر، دعونا نقف على روايات بعض المتضررين، لندرك حجم المأساة، التي خلفتها تلك الإجراءات حسب ما ورد في الصحيفة؛ أحد المتضررين، وهو يعمل في الحدادة، قد أصر على العمل بالرغم من إزالة (كشكه)، تحت لهيب الشمس المحرقة، نسبة للحاجة الماسة للعمل، حيث قال: (أعمل في هذا السوق منذ تسع سنين مع ابن أخي، وهو خريج امتياز من جامعة الخرطوم… تفاجأنا بالإزالة القسرية، والتعامل بالقسوة على طريقة “إما أن تخلي مكانك وإما تخسر ممتلكاتك”). وهذه بائعة شاي تقول: (أعمل بهذا السوق منذ ست سنوات، أزيل مكاني من غير إنذار، وأضافت، أنها تتحصل على رزق اليوم باليوم، وتعول أبناءها الصغار، طلاب بالمدارس، وكشفت زينب أنها تدفع رسوماً قدرها “280 جنيهاً” أسبوعياً للمحلية)… وقال آخر إنه تمت إزالة كشكه رغم أنه يدفع 100 جنيه رسوما شهرية للمحلية، وقال ثالث إن الإزالة قد تمت بالرغم من تعاقده مع المحلية، بعقد لم تنته مدته بعد… لقد تمت إزالة مائتي محل، وهذا يعني قطع مصادر الرزق الحلال لمائتي أسرة أو أكثر قد يدفعون دفعاً للتكسب الحرام، أو ممارسة التسول، ليعولوا مَن خلفهم مِن العيال، نعم إنه قتل بطيء لذلك كان أشد وقعاً على الناس من قطع الأعناق.
إن الإسلام لا يحرم إشراف الدولة على الأسواق، ومراقبة ما يعرض، للتأكد من سلامة البضائع وخلوها من الأمراض والفساد، وقد أنشأ الرسول r سوق المدينة بديلا لسوق يهود الذي كان يتاجر فيه أهل المدينة، وكان r يقوم بأمر الحسبة، وقد عين سعيد بن سعيد بن العاص على سوق مكة، كما استعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على سوق المدينة.. وما إن جاء عهد بني أمية حتى تطورت الأسواق، وكان يعين لكل سوق محتسب… وبنيت الأسواق في كل المدن في الدولة، وكان يتم تخطيطها وتنظيمها وفتح الطرقات، وإنشاء الحمامات، وتصنيف السوق لتسهيل عملية البيع والشراء، فيكون أصحاب الحبوب في جانب من السوق و(البزازين) بائعي الأقمشة على جانب، وكذا الخرازين وأصحاب الحرف، وجعلوا لكل تجارة مكاناً لا يخالطهم فيه غيرهم… وكانت الدولة تعين مشرفاً على السوق، وكان يسمى أيام الخلافة (عامل السوق)، بحيث يكون من أهل العدل، والمهابة، والصلاح، والعفة في أموال الناس، والمعرفة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعالماً بفقه البيوع. وقد بنى هشام بن عبد الملك الأسواق في كل مدن دولة الخلافة، وجعل السوق التي بناها في المدينة المنورة تتألف من طابقين، حوانيت في أسفلها تكرى للتجار وأعلاها تكرى للسكن، وأيضاً أحدث الأسواق المغطاة. وكان خالد بن عبد الله القسري، أول من بنى الأسواق، وسقفها بالجبص. وقد درجت دولة الخلافة في الأزمنة المختلفة على الاهتمام بالأسواق، وذلك من باب رعاية شئون الناس، والحرص على مصالحهم، وهذا من أوجب واجبات الإسلام على الدولة، لا كما نرى هذه الدول (الوطنية) التي جعلت السوق باباً من أبواب الجبايات للحكام!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس/ حسب الله النور – الخرطوم