الأسرة من أزمة وعي إلى وعي الأزمة
أوْلت الشرائع الإلهية، وبخاصة الشريعة الإسلامية التي بُعث بها خاتم النبيين محمد بن عبد لله عليه الصلاة والسلام للناس كافة، أولت اهتماما كبيرا بالأسرة؛ فقد قرر الإسلام المبادئ والقواعد التي تؤسس عليها الأسرة والتي تكفل لها حياة فاضلة تقوم على معاني المودة والرحمة والسكن والوئام والسلام… قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
عندما كانت للإسلام دولة تمثله وتفرض أحكامه وتطبق شرائعه، كانت الأسرة متماسكة قوية ذات شكل خاص لا يماثل أي نظام آخر. إنّ الأسرة في الإسلام هي مدرسة تخرجّ الأجيال المؤمنة بعقيدتها الملتزمة بشرعتها وبقيم أمّتها ودينها ليكونوا قادرين على الدّفاع عنها في الملمات والشدائد؛ ذلك بأنّ الوالدين في الأسرة يزرعان في أبنائهم باستمرار معاني وجودهم في هذه الحياة ويبيّنون لهم واجبات المسلم تجاه أمته ودينه، وما ينبغي عليه فعله وما لا ينبغي، وبالتّالي تكون أهميّة الأسرة كونها المرشد الحقيقي والمرجع الأصيل للأجيال القادمة، لذلك كنا مثلاً لجميع الأمم وكنا القدوة.
جاء الحاقدون على الإسلام وأنهوا هذه الدولة التي كانت تمثل المبدأ الرباني القويم وغرسوا أنيابهم في أجساد أبنائنا واحداً تلو الآخر حتى أصبحوا غير قادرين على التمييز واتبعوا النظام الرأسمالي الذي فرض عليهم أن يتماشوا مع عجلة الحياة السريعة التي إذا ما لحق بها الأبوان تركتهم للفقر.
هذا النظام الذي جعل الأب غير قادر على تغطية مصاريف الحياة وألغت وجوده في تلك الأسرة ثم لعبت دورا مع الأم بأن تساعد الأب في المعيشة وظل الأبناء تحت وطأة أفكار الغرب ووسائله لتفكيك هذه الأسرة.
فالرأسمالية الغربية التي تسود أفكارها جميع أنحاء العالم تكشف عن الواقع الذي تعيشه المرأة من الظلم والقهر، والأفكار الغربية غير قادرة على فهم وحل القضايا الرئيسية المتعلقة بدور الرجل ودور المرأة في المجتمع والعلاقة بينهما، وحقوق وواجبات كل منهما تجاه الآخر، وقد أدى ذلك إلى تفكك الأسر المستقرة، وتدهور الأوضاع في المجتمعات الغربية، وقد أثرت هذه المفاهيم الفاسدة على جميع قطاعات المجتمع، على الأغنياء والفقراء، وعلى الرغم من الفشل الذريع للفكر الغربي في إنصاف المرأة، فإنّ المنظمات الدولية تخصص مئات الملايين من الدولارات لتعزيز القيم الغربية في بلاد المسلمين والتي تنتهجها وتروج لها الأنظمة الحاكمة والعلمانيون في بلاد المسلمين من خلال المنابر الإعلامية والمؤتمرات الدولية المتعددة، لنشر المفاهيم الفاسدة بأنّ اضطهاد المرأة وتخلفها هو نتيجة تمسكها بالدين، ودعوتها للحرية ومساواتها بالرجل…!!
فعمل على هدم الأسر لأنه تعرّف على الإسلام عن طريق دخوله إلى الأسر الإسلاميّة فانبهر من شدّة الرّوابط بين أفرادها، وتعرف على معاني الرّحمة والألفة والمودة والتّناصح التي تسود بين أفرادها، فهو يُعاني من أُسَره المتفكّكة التي تشبه بيت العنكبوت في هشاشتها وضعف العلاقات بين أفرادها، ومن غياب القيم والأخلاقيّات فيها. فتركّز اهتمامه الأول والأخير على المرأة فكان الباب الذي خرجت من خلاله المرأة خارج نطاق الأسرة، لتشارك الرجل تحت دعاوى المساواة التي لا يمكن التصالح معها دائما؛ لأن الاختلاف بين الرجل والمرأة حقيقة جلية، وليس الحديث عنه إلا تحصيل حاصل لا يحتاج إلى إثبات ولا إلى تدليل، نعم فالإسلام أكرم المرأة أما وبنتا وأختا وزوجة؛
أكرمها أماً: فعن عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِى؟ قَالَ: (أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَبُوكَ)».
وأكرمها بنتاً: فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ».
وأكرمها زوجةً: فعن عن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي».
فيا نساء الأمة يا صانعات الأجيال:
الأمور التي وضعها الإسلام حفاظا لاستقرار الأسرة والمجتمع الإسلامي كله أكثر من أن تعد أو تحصى للحفاظ على كيان الأسرة من التفكك، وحرصاً على وحدة المجتمع المسلم، وصموده أمام التحديات الجسام التي تواجهها أمتنا الإسلامية كلها، والتي تواجهها بالأخص الأسرة المسلمة والتي باتت هدفاً واضحاً لمخططات التغريب والإفساد التي يقودها أعداء الإسلام من اليهود وأعوانهم.
ومع هذا الواقع المؤلم، فإن الفجر قادم، والأمل يتجدد، فكثير من الأسر المسلمة بدأت تنتقل من أزمة الوعي إلى وعي الأزمة، نرى ذلك في هذه الصحوة التي بدأت تتنزل في كل بقاع الأرض تقريباً، إن وعد الله قائم بنصرة هذا الدين، وبالتمكين لسنة سيد النبيين محمد ﷺ.
قال الله جل وعلا: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾
#أنقذوا_الأسرة
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
دارين الشنطي
2018_10_07_Art_Family_from_crisis_awareness_to_the_awareness_of_the_crisis_AR_OK.pdf