Take a fresh look at your lifestyle.

الدراما التلفزيونية: صناعة تلقي بظلالها الخبيثة على الأسرة والمجتمع!

 

الدراما التلفزيونية: صناعة تلقي بظلالها الخبيثة على الأسرة والمجتمع!

 

تحظى الدراما التلفزيونية بإقبال كبير من الناس على اختلاف فئاتهم العمرية وتنوع مشاربهم، وتحرص قنوات الدراما على بث أشكال متنوعة منها بحيث تجد كل فئة مطلبها من الأفلام القديمة إلى الأفلام الحديثة إلى أفلام المغامرات، ومن المسلسلات التي تسمى اجتماعية إلى الفكاهية، إلى مسلسلات الحب والغرام، إلى البرامج والمسلسلات الخاصة بالأطفال، حتى أصبحت شاشات التلفزة بمثل هذه المسلسلات صديقة كل فرد في العائلة بحسب ما يهواه ويتمناه، بل إنه في ظل التطور التكنولوجي لم يعد الأمر مقتصراً على شاشات التلفزة، بل أصبح بالإمكان مشاهدتها إلكترونياً.

 

ولا تخلو هذه الدراما والمسلسلات التلفزيونية – ولا سيما المدبلج منها – من الأفكار والقيم الدَّخيلة على ثقافتنا الإسلامية، التي تضرب القيم والمبادئ الإسلاميَّة في الصَّميم، وتسعى إلى برمجة الذوق العام في بلاد المسلمين ليتوافق مع الأفكار والمفاهيم الغربية وتلقّف كل منتن منها، ليروَّج له في أوساط مجتمعاتنا على أنه طبيعي وعادي، وهو أمر لا يخرج عن سياسة الإعلام المتبعة في بلاد المسلمين، والتي تستهدف الأسرة والمجتمع في بلاد المسلمين.

 

فنجد هذه المسلسلات مثلاً تُزيِّن الاختلاط بين الذكور والإناث، وتجعله من رُوح العصر ومتطلَّباته، ونجدها تشجع ثقافة العُري والتبرج عند المرأة المسلمة، وتجعل من ذلك مواكبة للموضة وانفتاحاً على العالم، كما نجد فيها ترويجاً للعلاقات المحرَّمة بين الشباب والفتيات والتساهل في إقامتها بدافع “الحب”، ونجد فيها إظهاراً للمنكرات والمحرمات كشرب الخمر على أنها أمر عادي، إضافة إلى الدعوة للحريَّة المطلقة والانفلات من القيود والضوابط الشرعية، هذا عدا الطقوس وعادات الشرك والعبادات الوثنية التي تتخللها هذه المسلسلات والأفلام ولا سيما الهندية منها.

 

ولم يقتصر تأثير هذه الأفلام والمسلسلات على الأفكار والمفاهيم، بل انعكس أيضاً على السلوك من ناحية المأكل والملبس وكذلك العلاقات بين أفراد المجتمع والأسرة، حيث أصبح بعض أبناء المسلمين للأسف يتخذون من أبطال هذه المسلسلات قدوة لهم، فيقلدونهم في لباسهم وقصات شعرهم، وفي حركاتهم وتصرفاتهم، وحتى في أسمائهم فيسمون أبناءهم بها!!

 

وإذا ما نظرنا إلى حال المرأة في الأعمال الدرامية نجد أنها تقدمها لنا في إحدى هاتين الصورتين: إما أنها عاجزة مضطهدة ولا تملك من زمام أمرها شيئاً ولا قيمة لها في المجتمع، وفي هذا الإطار تمت مهاجمة دور المرأة الرئيسي من كونها أماً وربة بيت وأُظهر أنه سبب تعاستها، فصورت أنها مظلومة وتعاني لكونها امرأة محبوسة في بيتها لا عمل لها غير العناية في بيتها وتربية أولادها، وزرع في أذهان النساء أن الحل لمشاكلهن يكمن في التمرد على هذا الدور ومسؤولياتهن فيه. وفي الصورة الثانية قُدِّمت على أنها قادرة على الاستغناء عن الرجل وعلى تدبر أمورها وكفاية احتياجاتها بنفسها واتخاذها لقراراتها فهي حرَّة في تصرُّفاتها مستقلة بذاتها تعمل ما تريد دون قيدٍ، ليس لتحرُّكاتها ضوابط، وتضع كل ما يحدُّ من حريَّتها وراء ظهرها غير مبالية به.

والمتتبع للدراما التلفزيونية يرى أنها تجعل من الحب وقصص الهوى والغرام خطاً عاماً لها، وتقدمها بشكل يبعد كل البعد عن الواقع، وترسم لها صوراً خيالية، وهو أمر أدى إلى تكوين تصور مغلوط لدى المقبلين على الزواج عن الحياة الزوجية، حيث تصور الحياة الزوجية مثالية جدا، ويغلب عليها الطابع الرومانسي من دون الالتفات لما يترتب على الزواج من مسؤوليات، ولما تحمله الحياة من متاعب وصعوبات، فالزوج في هذه الأفلام والمسلسلات شاب وسيم أنيق غني مترف يحضر الهدايا لزوجته بمناسبة وبلا مناسبة، والزوجة امرأة جميلة حسناء فاتنة جذابة، متفرغة للحفلات والنوادي والسفر مع زوجها، وكأن هذه المرأة لا يقع على عاتقها أيٌّ من المسؤوليات والواجبات الأسرية، وكأن هذا الزوج لا يعرف نفقة ولا مسؤولية ولا تربية أبناء، وسرعان ما يصطدم هؤلاء الشباب بالواقع وبالمسؤوليات والواجبات الملقاة على عاتقهم، وهو أمر فتح عليهم باب المشاكل والخلافات الزوجية التي قد ينتهي بها الأمر في نهاية المطاف إلى الطلاق. هذا من جانب.

 

ومن جانب آخر فقد أخذ بعض الشباب والفتيات يبحثون عن مواصفات مَن سيتزوجون بهم وفقا للمقاييس الجسدية والإمكانات المادية التي تعرضها هذه المسلسلات، فكان هذا التفكير مقدمة للفشل في الحياة الزوجية، لأن كل طرف يبحث عن المظهر دون الجوهر، وكل طرف يبحث عن شخص يعيش معه “قصة حب” خيالية كما في المسلسلات، ولا يبحث عن شخص ذي دين وخلق، شخص تتحقق في الحياة معه المودة والرحمة والسكينة كما قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

 

ولم يقتصر هذا التفكير على المقبلين على الزواج، بل طال أيضاً المتزوجين، فمتابعو هذه الأعمال الدرامية وخصوصا النساء بِتْنَ يجدن حياتهن رتيبة وأصبحن يشعرن بالهوس تجاه نمط الحياة المعروض في الدراما، وهو أمر حمل الخلافات الزوجية والمشاكل للبيوت.

 

هذا غيض من فيض السموم والأفكار الخبيثة التي تبثها الدراما التلفزيونية بين أبناء المسلمين، والتي يُسعى لإفساد الأمة بواسطتها بزرع مفاهيم غربية وتشويه مفاهيم إسلامية متعلقة بمختلف العلاقات كعلاقة الرجل بالمرأة، وبتناول مواضيع من منظور الغرب والأنظمة الحاكمة كموضوع (الإرهاب)، وبتقديم النموذج الغربي على أنه طراز عيش مميز يجب أن يُحتذى به، ويتعمد القائمون على إنتاج هذه المسلسلات إخراجها بشكل جيد وتصويرها في مناظر طبيعية خلابة وإنشاءات فارهة وجميلة، وبأزياء وموسيقى جذابة، وكذلك يلعبون على وتر كل ما هو جميل من الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، من أجل التأثير على المتابعين وخاصة فئة الشباب.

 

ولهذا فلا بد لنا من أن نتعامل مع الإعلام وما يبثه سواء الدراما أو غيرها بكل جدية وحذر ولا نترك أبناء وبنات المسلمين ألعوبة بين يديه ولا لقمة سائغة بين فكّيه. ولذلك فإننا ندعو الوالدين ليقوما بدورهما في رعاية أسرهم وحمايتها من كل ما يفسدها ويسممها، ونذكرهم بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

براءة مناصرة

 

 

2018_10_09_Art_How_the_Media_has_eroded_marriage_and_fuelled_family_breakdown_AR_OK.pdf