Take a fresh look at your lifestyle.

مؤتمرات دولية أم مؤامرات لتفكيك العلاقات الأسرية؟ ضمن حملة “الأسرة: التحديات والمعالجات الإسلامية”

 

مؤتمرات دولية أم مؤامرات لتفكيك العلاقات الأسرية؟

ضمن حملة “الأسرة: التحديات والمعالجات الإسلامية”

 

لقد تسلل الغزو الفكري الغربي إلينا بكل أساليب الخداع والغش والتدليس في خلط المفاهيم ومضامين المصطلحات، وذلك حتى تتجرع الأمة الإسلامية سم العلمانية والليبرالية رويداً رويدا. ولكن ما لبثت أن تصاعدت موجات التغريب وزيادة الهيمنة الثقافية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، عندما بدأ الاقتحام الغربي لحرمات الأسرة المسلمة، وانتهاك منظومة قِيَمها التي حددها الإسلام وصاغتها الأحكام الشرعية.

 

فكانت المواثيق والمعاهدات الدولية بإشراف الأمم المتحدة التي أوجدت حشدا عالميا مع قضية المرأة التي أولوها اهتماماً لافتاً أكثر من باقي القضايا لما لها من تأثير مباشر على خرق الأسرة المسلمة التي تعتبر اللبنة الأولى في تأسيس وبناء الأمة في عالم يتخبط بمفاسد الليبرالية وبمادية الرأسمالية.

 

ولقد تُرجم هذا الاهتمام فعلياً عام 1979م باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، والتي اعتبرت أول وثيقة دولية ملزمة لكل الدول الموقعة عليها، تتشعب منها كل المواثيق، وتمثل الأسس لكل الاتفاقيات المتعلقة بالمرأة.

 

وإذا نحن أخذنا نموذجا واحداً من الوثائق التي صاغها الغرب تحت ستار الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، وكانت مكمّلة ومثبتة لمقررات اتفاقية سيداو، التي تتغيّا إحداث الفوضى في عالم الأسرة، من مثل وثيقة “مشروع برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية” والذي عقد في القاهرة من 5 حتى 15 أيلول/سبتمبر سنة 1994م، لرصدنا تداعيات اتفاقية سيداو، والمصطلحات الدولية، التي أحدثت تحولات خطيرة في العلاقات الأسرية، نتج عنها ارتفاع مخيف في نسب الطلاق والتفكك الأسري وغيرها من المشاكل التي استهدفت آخر حصون هذه الأمة وهو الأسرة.

 

ومن أهم الأفكار والمصطلحات التي تضمنتها هذه الوثيقة، والتي تمت ترجمتها بحيث تكون مقبولة لدى الشعوب الإسلامية التي تتميز بثقافتها الإسلامية واحترام القيم الأسرية والأخلاق الحميدة التي جاءت بها النصوص الشرعية، والتي تتمحور أيضاً حولها الاتفاقيات والمواثيق الدولية للمرأة والطفل وخطورتها على الأسرة، هي: الجندر، وتمكين المرأة، والصحة الإنجابية، والعنف ضد المرأة.

 

1- فمصطلح المساواة الجندرية تُرجم بـ”المساواة بين الجنسين” في حين إن المصطلح الأساسي للجندرية يعني (مساواة الأنواع)، أي أن تُلغى كافة الفوارق بين الرجل والمرأة وبين الأسوياء والشواذ، باعتبارهم أنواعاً مختلفة وشكلاً من أشكال هياكل الأسرة. فبحسب الفقرة 24 من الفصل الثاني عشر، دعت هذه الوثيقة الدولية بإلحاح كل الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية المعنية ووكالات التمويل والمؤسسات البحثية “لإعطاء الأولوية للبحوث الحيوية المتعلقة بتغيير هياكل الأسرة” بمعنى أن تنظم كل أنواع العلاقات المختلفة الشاذة، والتي تنشأ بين رجل وآخر أو بين امرأة وأخرى، وذلك لإدخالها ضمن إطار “الأسرة” التي يجب أن يعترف بها القانون ويحميها ويُرتب ويصوغ لها الحقوق اللازمة!!

 

2- ومصطلح “استقواء المرأة” تُرجم إلى “تمكين المرأة” في كافة الاتفاقيات الدولية والذي يوحي بأن المرأة تعيش في حلبة للصراع تحتاج فيها إلى التقوية لتتغلب على غريمها في ذلك الصراع، ألا وهو الرجل، لتصبح علاقتهما، علاقة ندية هجومية. وانطلاقاً أيضاً من الطابع المادي للحضارة الغربية، فقد حوّلت هذه الوثيقة العلاقة إلى علاقة تجارية مادية بشكل يجعل المرأة تستغني عن الرجل بل وعن الأسرة كلها، كما دعت في بنودها الفقرة 26 في الفصل الرابع “دمج المرأة بشكل تام في الحياة المجتمعية” أي يقتضي المشاركة الكاملة للرجل في رعاية الأطفال والأعمال المنزلية أسوة بالنساء، مما أدى إلى تضارب الأدوار من حقوق وواجبات بين الرجل والمرأة في الأسرة الواحدة، أي بين المعيل للأسرة “الرجل” وبين راعيتها “المرأة”.

 

3- أما مصطلح “الصحة الإنجابية” والذي كان الأكثر شيوعاً وتكراراً في هذه الوثيقة، فذُكر في الفصل السابع فقرات 1-5 “حالة الرفاهية البدنية والعقلية و(الاجتماعية) الكاملة التي تجعل الأفراد قادرين على التمتع بحياة جنسية مرضية ومأمونة” وفي الفصل الرابع فقرة 2 “والمتعة الجنسية والصحة التناسلية هي كالاحتياجات التغذوية، حق من حقوق البنات والفتيات المراهقات”. هذا المصطلح الذي يوحي في مظهره بالعناية بصحة المرأة في فترة الحمل والإنجاب، في حين إن هذه الوثيقة تطلب فقط أن يكون الجنس مأموناً، أي لا يؤدي إلى الأمراض، لذلك يجب تدريب المراهقين والشباب على استخدام وسائل منع الحمل، وخاصة في العلاقات الجنسية التي تمَّ إطلاقها وتحريرها من ضوابط الشرع الإسلامي، لتكون هذه العلاقات ووفق هذه الوثيقة حقاً من حقوق الجسد كالطعام والشراب ومباحاً لجميع الأفراد وليس فقط الأزواج، ومن كل الأعمار بما في ذلك المراهقون والمراهقات، الذين دائما ما يأخذون النصيب الأوفر في بنود اتفاقيات هذه المنظمات التي تُجرم الزواج المبكر ليستعيضوا عنه ببدائل منها الزنا المبكر!!

 

4- ويأتي مصطلح “العنف ضد المرأة” الذي نقل الأسرة المسلمة من جنة (السكن والمودة والرحمة) التي أرادها الله لها، إلى جحيم (المشاحنة والبغضاء والخيانة)؛ إذ اعتبروا وفق هذه المواثيق أن قوامة الرجل في بيته، وإنفاقه وريادته للأسرة، عنفاً، ولزوم طاعة الزوجة لزوجها بالإضافة إلى التعدد للرجل فقط، عنفاً أيضاً، كما أن ولاية الأب على ابنته في الزواج، والعدة للمرأة ونظام الإرث وغيرها من الفوارق بين الرجل والمرأة والتي تقرها الشريعة الإسلامية لتحقيق التكامل والتمايز بينهما داخل الأسرة، اعتبروها كلها عنفاً ضد المرأة.

 

وهكذا فإن هذه الأفكار والمصطلحات التي ذكرناها آنفاً من وثيقة “مؤتمر السكان” والتي هي مجرد وثيقة من وثائق عديدة، دعت صراحة إلى تقييد الحلال وإلى إطلاق الحرام، إذ خلت خلواً تاماً من أي مرجعية دينية، وهذا ما أتت به اتفاقية سيداو وأكملت مسيرتها كافة المواثيق من بعدها، إذ نصّت المادة الثانية من اتفاقية سيداو على “أنه يجب على الدول الموقعة إبطال كافة الأحكام واللوائح والأعراف التي تميز بين الرجل والمرأة من قوانينها، حتى تلك التي تقوم على أساس ديني” لتصبح جميع الأحكام الشرعية المتعلقة بالنساء باطلة ولا يصح الرجوع إليها أو التعويل عليها.

 

ونحن نذكر أبناء أمتنا الإسلامية أن ما نعانيه اليوم من تفكك أسري قد حصل تحت شعارات تتكرر اليوم في عالمنا الإسلامي والتي تدور حول حرية المرأة، عمل المرأة، تنظيم الأسرة، في مؤتمرات لم ترد بالمرأة ولا بأسرتها خيرا، وإنما هي أقرب إلى ما نصح به المبشر زويمر وغيره من أعداء هذه الأمة الكريمة، بأن إخراج المرأة المسلمة من بيتها هي أولى المعارك التي يجب كسبها في صراعنا مع المسلمين، فكانت هذه المؤتمرات الدولية بل المؤامرات التي عملت على تفكيك العلاقات الأسرية، وإبعادها عن المنظومة القيمية الربانية التي تحفظ حقوق الرجل والمرأة والأولاد، حتى تنتهي هذه الأسرة إلى الفوضى التي تعيشها الأسرة في الغرب.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رنا مصطفى

 

 

2018_10_12_Art_The_role_of_international_and_feminist_organisations_in_attacking_the_Islamic_family_laws_AR_OK.pdf