على المعالي نربي أطفالنا لا على الصغائر
ضمن حملة “الأسرة: التحديات والمعالجات الإسلامية”
روي أن ابن شهاب الزهري رحمه الله كان يشجع الأولاد الصغار ويقول لهم: “لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقولهم”. [حلية الأولياء + سنن البيهقي الكبرى] وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وَأَشْرَافَهَا وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا» [صحيح الجامع الصغير].
يُعاني المسلمون فوق الويلات والنكبات التي تنصب على رؤوسهم صبح مساء، محاولات اختطاف أطفالهم في بلاد الغرب خاصة من أوساط المهاجرين الذين لا يملكون أوراق إقامة رسمية من المسلمين في بلاد كالسويد والنرويج. وقد حصلت حوادث عدة موثقة بالفيديوهات منها اختطاف جهاز السوسيال السويدي لطفلة من أسرة سورية. هذه العمليات الإجرامية فوق كونها معاداة صارخة للمسلمين، فهي إشارة قوية على قلق الأوروبيين من انخفاض نسبة الأطفال والشباب في القارة العجوز، ودلالة صارخة يفقهها كل حيٍّ على أهمية الأطفال في تكوين المجتمعات بل بنائها.
وفي مسند الإمام أحمد في حديث طويل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا وَإِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَنْظُرُكُمْ، وَإِنِّي مُكَاثِرٌ بكُمْ الْأُمَمَ، فَلَا تُسَوِّدُوا وَجْهِي». إن التكاثر والإنجاب من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي شجَّع عليها، فهو صلى الله عليه وسلم يخبرنا أنَّه سيباهي بنا ويفاخر يوم القيامة الأنبياء بكثرتنا. لذلك نجد أن المسلمين هم الأكثر إخصاباً بين الأمم، وهم رغم كثرة القتل فيهم وتداعي الأمم على إبادتهم فهم الأسرع نمواً بين أي أمة أخرى من حيث عدد السكان، والأعلى من حيث عدد المواليد الجدد.
والإسلام مع توجيهه المسلمين للتكاثر والإنجاب، للإبقاء على المجتمع المسلم قوياً صحيَّاً – من ناحية ديموغرافية حيث لا يغلب عدد المسنين فيه الشباب – فهو يحرص أيضاً أن يكون هذا المجتمع مجتمعاً ناهضاً قوياً بفكره فتكون القوة فيه سمة ظاهرة كمَّاً ونوعاً. فإنَّ المسلمين كما يقول الفاروق لا يغلِبون عدوَّهم بكثرتهم، بل قد يُغلبون بها إذا نقصتهم قوة الإيمان والإعداد. لذلك كان حرص الإسلام على تربية الأطفال وزرع الخصال الحميدة فيهم كبيراً. فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجِّه أمته بنسائها ورجالها ويجعل الأطفال وتربيتهم مسؤولية عظيمة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا، وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ…» [صحيح البخاري]
فهذا سيدُّنا عليُ كرم الله وجهه يقول: “أشفقوا على أولادكم من كثرة إشفاقكم عليهم” فهو يعلم ما لخوف الأبوين على طفلهما، وما ينجم عن هذا الخوف من منعه من اللعب أو الخروج للطريق ومواجهة الصعاب، من تأثير على شخصية الأطفال.
وإننا لو نظرنا للتاريخ لوجدنا الأمم تنهض بأصحاب الهمم فيها، فلولا همَّة أبي بكر في محاربة المرتدين، لما ثبت لهذه الأمة أمرها. ولو أمعنَّا النظر في سِيَر عظمائنا لرأينا أن صغر سنِّهم لم يمنعهم عن الإقدام والتضحية ليسطروا أسماءهم خالدة في تاريخ هذه الأمة. فأسامة بن زيد قاد جيش المسلمين في اليرموك وعمره ثماني عشرة سنة، وعلي بن أبي طالب كان دون العاشرة لما آمن وكان عمره 21 سنة لما نام في فراش النبي عليه الصلاة والسلام عند هجرته، وأسماء بنت الصدِّيق كانت في العاشرة لمَّا أسلمت، والأرقم بن أبي الأرقم كان في الثالثة عشر من عمره حين فتح بيته للدعوة وآوى رسول الله، ومحمد الفاتح فتح القسطنطينية وهو في الثانية والعشرين… كانوا شباباً صغاراً حين آمنوا بالله ورسوله ونصروا دعوته. وما ذاك إلا لأنهم طلبوا المعالي فوصلوها، وحرصوا على أن يتركوا لهم أثراً في نصرة دين الله فقام الدين على أكتافهم.
“المَرءُ بَيْنَ همِّهِ وهِمَّتهِ، تَرفعُهُ هِمَّتُهُ ويُسقِطُهُ هَمُّهُ”. وهذا ما يجب على رجال المسلمين ونسائهم أن يزرعوه في نفوس أطفالهم بذرة، لتثمر هذه البذرة رجالاً أشداء أكفاء يحملون الدين على أكتافهم فينهضون وتنهض بهم الأمة. فإنه لولا صبر أم الشافعي واجتهادها في دفعه لطلب العلم وتحبيبه إليه منذ صغره لما حفظ كتاب الله في السابعة والموطأ في العاشرة حتى صار إمام المسلمين في الفقه. ولولا أم محمد الفاتح وتشجيعها له وذهابها به يومياً لتريه أسوار القسطنطينية وتسمعه بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم للجيش الذي يفتحها، لما فتحها وهو شاب فتيٌ. هكذا ربَّت أمهاتنا أبناءهن، على العظائم من الأمور وعلى طلب المعالي. فكانوا مصابيح هدى للأمة من بعدهم، وكُنَّ هن علامات يُهتدى بها في إعداد الأبطال وتربية القادة.
إنَّ أعظم ما تقدمه المرأة المسلمة لدين الله، ليس خروجها للميادين ومزاحمة الرجال في الشوارع، بل تربيتها لأطفالها منذ صغرهم ليكونوا قادة المستقبل وجنود دولة الإسلام القادمة. فهي لم تنجبهم لهذه الدُّنيا الفانية، ولا أطعمتهم وسقتهم واكتفت بذلك، بل هي تخلط لهم بطعامهم حب الله ورسوله، وتسقيهم مع الشراب معاني التضحية والفداء لهذه الأمة، وتُحملهم مع كتبهم وزادهم اليومي همَّ الأمة وهمَّ دين الله وحمله. لا تضنُّ بهم وهم فلذات كبدها وأغلى ما تملك، على الأغلى: الله ودينه. هم طريقها للجنة فتستثمر بهم لا لهم!
أجل على المرأة المسلمة خاصة – وهي المربية وذات الأثر الأكبر في أبنائها – أن تعدَّهم إعداد الرجال، فتربأ بهم أن يكونوا مثل غيرهم سائرين مع القطيع. أمتنا تحتاج نساء ترى في صلاة ولدها في البيت منقصة، وفي نومه عن قيام الله تخلفاً. ترى فيه الوقاص وتناديه تحبباً بالفاتح، وتزرع فيه همَّة تناطح السحاب. فأمتنا لا تريد مزيداً من النائمين. فقد اكتفت الأمة من المتهاونين في تطبيق أحكام الإسلام بحق أنفسهم وأبنائهم بحجة إشفاقهم عليهم، فكيف تشفق أمٌّ على ابنتها من ارتداء الجلباب بحجة أنها صغيرة ولا تشفق عليها وعلى نفسها من عذاب الله؟! كيف تشفق على قيام ولدها للوضوء في الشتاء فجراً ولا تشفق عليه من حساب الآخرة؟! كيف نريد من أمتنا نهضةً ونحن مشفقون على جيل الغد من تحميلهم تبعات النصر وضروراته؟؟
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ، بَلَغَ المَنْزلَ ألا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَاليةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعةَ اللَّهِ الجَنَّةُ» [رواه الترمذي بإسناد حسن].
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
بيان جمال
2018_10_18_Art_The_impact_of_the_family_in_preparing_children_to_take_responsibility_AR_OK_1.pdf