الأسرة المسلمة: نموذج يجب أن يحتذى به
بعث الله رسوله بالهدى… بعثه ليكون الإسلام الدّين الذي رضيه الله لعباده فنظّم بأحكامه حياتهم وسيّرها بها. اهتمّ بكلّ كبيرة وصغيرة ووفّر المعالجات لكلّ المشاكل التي تعترض الإنسان في أسرته وفي مجتمعه، فعاش مطمئنّا تحيطه رعاية الإسلام وأحكامه من كلّ جانب. فالإسلام عقيدة انبثق عنها نظامها، وحين ساد العالم حكَمَه فأحسن حُكمَه وقاده فكان أفضل قيادة جمعت الإنسانيّة تحت راية لا إله إلّا الله، وطبّقت فيها أحكام الخالق فعمّ العدل وحلّت الطّمأنينة.
لكن مع غياب الإسلام وأحكامه عن حياة المسلمين توالت المصائب عليهم وصاروا كالأيتام على مأدبة اللّئام تتقاذفهم مصالح الدّول الاستعماريّة الجشعة التي تتكالب على الفوز بثروات أراضي المسلمين والتي تسعى جاهدة لإقصاء الإسلام تماما عن الحياة لتحلّ محلّه حضارتها المادّيّة العفنة.
غاب الإسلام فصار الإنسان “ميّتا” تسيّره الغرائز والحاجات، لا همّ له سوى إشباعها وبأيّ طريقة كانت. يسير في هذه الدّنيا بلا هدى بعد أن كان الإسلام نوره ونبراسه يحيا به حياة طيّبة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
غاب الإسلام فتحوّلت الأسرة المسلمة المطمئنّة التي يحفّها التّفاهم والحبّ والانسجام إلى حلبة صراع كلّ فرد فيها يحسب أنّه على صواب والآخر يناقضه ويتسبّب في إزعاجه وقلقه. فحين نتأمّل حال الأسرة المسلمة اليوم وما آلت إليه نراها مشتّتة مفكّكة يتخبّط أفرادها في واقع يحكمه نظام رأسماليّ فاسد ينشر مفاهيم غربيّة تتعارض مع ما جاءت به عقيدتهم الإسلاميّة من مفاهيم، فباتوا غرباء منفصلين عن أحكام دينهم تتقاذفهم مفاهيم هذا النّظام الرّأسماليّ المطبّق عليهم والمطْبِق على أنفاسهم، تتلهّف أنفسهم لدينهم وأحكامه التي حصّنت الأسرة وصانتها لتصنع أجيالا متوازنة ثابتة قويّة تدافع عن دينها وتنصره وتنشره في العالم ليخرجه من ظلمات الأنظمة الوضعيّة النّاقصة إلى نور الإسلام الكامل.
لإقامة بيت مسلم وضع الإسلام أحكامه ليؤسّسه على ركائز متينة وثابتة: وأوّلها أن يبنى البيت وقد جمع بين زوجين مسلمين صالحين، وقد حثّ الله عباده على اختيار الزّوج الصّالح والزّوجة الصّالحة «اخْتَارُوا لِنُطَفِكُمُ الْمَوَاضِعَ الصَّالِحَةَ» إذ إنّ البيت قلعة لا بدّ من تحصينها ولا بدّ أن تكون قويّة متينة متماسكة تقف أمام الهزّات والتّحدّيات.
تقوم الأسرة في الإسلام على العشرة الطّيّبة والخلق الحسن… قال أبو الدّرداء لامرأته “إذا رأيتني غضبا فارضيني وإذا رأيتك غضبى راضيتك وإلّا لم نصطحب”. وحثّ أفرادها على الطّاعة والعبادة، فعلى المسلم أن يحسن معاملة أهله وينصحهم ويذكّرهم بالأعمال الصّالحة ويغرس فيهم التّنافس على الخيرات والسّعي للفوز بالحسنات ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾.
يعتصم الوالدان بالله ويلتزمان بما فرضه من أحكام فيربّيان أبناءهما عليها ويرعيانهم خير رعاية. يعلّمانهم دينهم ويرغّبانهم في الجنّة وما قرّب إليها من أعمال ويرهّبانهم ويخوّفانهم من النّار ومن الأعمال التي تقذف بهم فيها.
فالأسرة المسلمة بنيت على طاعة الله، جمع بين الزّوجين رباط وثيق قويّ ومتين فسعى كلّ منهما للبحث عن شريك يعينه على أمر دينه يقوّمه إن أخطأ ويحثّه على القيام بالطّاعات ونيل رضا ربّ السّماوات. أخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله e: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ».
هكذا هي حياة الزّوجين؛ يعملان ليرضيا ربّهما ويعين الواحد منهما الآخر على الطّاعة، وعلى هذا يقومان برعاية الأبناء وعلى هذه الأسس يربّيانهم. أخرج مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنّه سمع النّبيّ e يقول: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ».
على الزّوجين أن يقسّما ويوزّعا المسؤوليّات حتّى تسير السّفينة بتعاون بين ركّابها، كلّ له دوره يقوم به بحبّ ورضا ومودّة ورحمة. عن الأسود قال: سألت عائشة: ما كان النّبيّ e يصنع في بيته؟ قالت: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ». (رواه البخاري)، هكذا كان خير من أرسله ربّ العالمين رحمة لهم خيرهم لأهله. كان رحيما ودودا لزوجاته معينا لهنّ. هكذا ربّى المسلمين وهكذا أرسى دعائم الأسرة المسلمة فبدأ بالزّوجين اللّذين يقومان على الأبناء ويربّيانهم فحدّد لهما المسار الشّرعيّ لبناء شخصيّات الأبناء.
عليهما أن يعلّما أبناءهما أنّ لله الخلق والأمر وأنّ له الحكم كلّه لا شريك له. يرسّخان فيهم الاعتزاز بدينهم والعمل على نصرته وإعلاء كلمته. يعلّمانهم الكلمات الطّيّبة التي علّمها رسولنا وقدوتنا لابن عمّه عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما «يَا غُلامُ، إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فاَسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ».
يجمع بين أفراد الأسرة المسلمة الحبّ في الله يجتمعون عليه ويتعاونون فيما بينهم على البرّ والتّقوى فيتنافسون على القيام بالطّاعات ويُؤْثِر كلُّ فرد الآخرينَ على نفسه فيحيا محبّا لهم عاملا لإرضائهم ما دام في ذلك إرضاء لربّه. هذا ما تكون عليه الأسرة المسلمة ما دام الإسلام يسيّرها ويضبطها ويحميها ويصونها فإذا غاب عنها الإسلام تحوّلت إلى أسرة مفكّكة أوصالها تخيّم عليها الأنانيّة وحبّ الذّات.
هذا هو النّموذج الذي يجب أن يُحتذى به! هذه هي الأسرة التي يجب أن تكون في بلاد المسلمين! إنّ الاقتداء بهذا النّموذج يقتضي تغييرا جذريّا للأفكار والمفاهيم السّائدة… يستوجب اجتثاث هذه الحضارة العفنة التي قبعت على أنفاس المسلمين وجعلتهم يحيون منبتّين غرباء مذبذبين!! على المسلمين إعادة مفاهيمهم النّقيّة الصّافية التي زيّنت حياتهم وجعلتهم يحيون مطمئنّين أعزّاء أقوياء قادة سادة لهذا العالم!
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التّحرير
زينة الصّامت
2018_10_22_Art_Muslim_family_a_model_to_be_emulated_AR_OK.pdf