التوكل على الله
بسم الله والحمد لله ولا إله إلا الله والصلاة والسلام على رسول الله، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: 2].
التوكل على الله سبحانه وتعالى يتعلق بالعقيدة الإسلامية، بأن الله هو الخالق المدبر لا إله إلا هو الواحد الأحد، الرازق وحده المسيطر والمدبر وحده ولا خالق ولا رازق ولا مدبر غيره سبحانه وتعالى، ويعتمد عليه المسلم بجلب الخير ودفع الضرر.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً﴾ [النساء: 136]. من لا يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى ويعمل بمقتضاها فلا مفهوم للتوكل عنده، فليس بمؤمن من يخالف الله ورسوله ولا يتبع ما أنزل في كتابه من حدود وفروض ولا ينقاد لحكمه…
المؤمن من إذا ذكر الله وَجِلَ قلبُه وارتعدت فرائصه خوفا ورجاء لله وانقيادا لأمره ونهيه، وآمن وصدق وأيقن بما أنزل الله وبما أمر، وأن قضاء الله ماض، فلا يرجو غيره ولا يرهب سواه ويتوكل عليه، قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة: 129].
بمعنى أن من تولى عن الإسلام وهجره وهمشه وأبعده عن تنظيم شؤون حياة الناس، ولم يحكم بما أنزل الله عن ترصد وسبق إصرار، وصد عن سبيل الله، وحارب الله ورسوله والمؤمنين، وتولى أعداء الله وأعداء المسلمين من الكفار، ليس لديه مفهوم التوكل على الله.
والحكم بما أنزل الله هو ثمرة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله. فكيف يرضى المؤمن الحكم بغير ما أنزل الله، ويستكين لمن يحرم ويحلل من عند نفسه ولا يحكم بشرع الله، ولا يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية على منهاج رسول الله e؟!
قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الشعراء: 217-220].
فحين يهم العبد بالقيام بما أمره الله فهو يعتمد عليه ويستعين به للقيام بما أمر…
والتوكل هو اعتماد القلب على الله في القيام بالعمل وبجلب المنافع ودفع الضرر والثقة وحسن الظن بالله، ويجب على العبد أن يتوكل على الله في شأنه كله صغر الأمر بعينه أم كبر، والتوكل من أعمال القلب ولا يصلح إلا من قلب صادق مصدق وقر الإيمان فيه ويعمل بمقتضى إيمانه ويلتزم بطاعة الله ورسوله فينفذ أمره وينتهي عن نهيه، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ آل عمران: 173]
والتوكل غير الأخذ بالأسباب وهما مسألتان مختلفتان، فقد كان رسول الله e يتوكل على الله ويأخذ بالأسباب، فكان يعد ما يستطيع من قوة كتغوير آبار بدر، وحفر الخندق، وقطع الماء عن خيبر، وتعمية الأخبار عن قريش عندما سار لفتح مكة، وليلة الهجرة أمر علياً كرم الله وجهه أن ينام في فراشه e، ونام في الغار ثلاثة أيام، واستأجر رجلا من بني الدئل دليلا يدلهم على الطريق، وهذا كله أخذاً بالأسباب ولا ينافي التوكل، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت: يا رسول الله: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» متفق عليه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أن النبي e قال: «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟» رواه أبو داود في سننه. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله e قال: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً» رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد.
أيها الإخوة الكرام هذه بعض أدلة التوكل على الله تبارك وتعالى من القرآن الكريم والسنة الشريفة.
وصحة التوكل منبثقة من صحة العقيدة وإخلاص العمل في التوجه لله تبارك وتعالى، ولا بد من أن يرى أثر ذلك في الحياة العملية؛ في سلوك الأفراد وفي النظام العام المهيمن على تنظيم حياة الناس فلا يعقل أن تكون الأنظمة والقوانين في بلاد المسلمين مستمدة من أنظمة الكفار وقوانينهم، وتهمش الشريعة الإسلامية وتمنع من تنظيم شؤون حياة المسلمين لتحقق لهم العدل والإنصاف، وتجمع أمرهم على طاعة الله ورسوله… أيها الإخوة الكرام وطنوا أنفسكم على طاعة الله ورسوله، واعملوا لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية، الخلافة على منهاج رسول الله e والخلفاء الراشدين من بعده. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم سلامة (أبو موسى)