الاحتجاجات في فرنسا وأزمة الرأسمالية
الخبر:
الاحتجاجات الشعبية في فرنسا تحولت إلى صدامات عنيفة مع الشرطة وآلاف المحتجين اشتبكوا مع الشرطة في الشوارع المحيطة بقوس النصر في باريس.
أكثر من مائة جريح لغاية الآن على خلفية هذه الاحتجاجات وإلقاء القبض على 265 شخصا من المحتجين حسب وكالة رويترز للأنباء.
المحلات التجارية سُرقت وأُحرقت والعديد من محطات المترو تم إغلاقها بسبب هذه الاحتجاجات. وفي تصريح لها لتلفزيون بي إم إف من إحدى المناطق في باريس قالت عمدة باريس: نحن في حالة تمرد، لم أر في حياتي ما يشبه هذا.
التعليق:
احتجاجات باريس هذه، أطلقتها “حركة السترات الصفراء” احتجاجا على رفع الضريبة على أسعار البنزين والديزل، التي فرضها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ففي الأسبوعين الماضيين خرج مئات الآلاف من المحتجين الغاضبين يرتدون السترات الصفراء، واحتلوا الساحات الدائرية والجسور وحواجز دفع رسوم الطرق الدولية، ومكاتب الضرائب في المدن. هذه الاحتجاجات والتي امتدت إلى أكثر من 1000 موقع في فرنسا، هي احتجاجات موجهة ضد الرئيس الفرنسي، الذي ينتقده خصومه بأنه خيب آمال الطبقة الفقيرة في المجتمع. فوفقاً لأحد استطلاعات الرأي أُجري حديثاً في فرنسا فإن 66% من الفرنسيين يدعمون هذه الاحتجاجات، وللمقارنة فقد هبطت شعبية الرئيس الفرنسي إلى 25%.
ما يحصل الآن في فرنسا، يتعدى إلى ما هو أبعد من أسعار الوقود، فالشعب قد تعب من البطالة ومن عدم المساواة اقتصاديا، ومن تدني الأجور وكذلك من التخفيف الضريبي الذي يستفيد منه الأغنياء فقط. فإيمانويل ماكرون فاز بمنصب الرئاسة في عام 2017 مُلحِقا الهزيمة بالأحزاب السياسية الأخرى، فاز على خلفية أجندة الإصلاح والوعود بتحسين سوق العمل الفرنسي وإعادة الثقة بالنظام. ومنذ تسلمه الرئاسة، ينعم الأغنياء والشركات الكبرى بسياسات التخفيف الضريبي، لذلك أُطلق عليه لقب رئيس الأغنياء.
فالصدامات في باريس والتعامل العنيف من قبل الشرطة مع المحتجين، ليست حدثا عابرا، بل تُظهر للعلن الأزمة العميقة التي تواجهها الرأسمالية، والتي كانت سببا لبطالة قسم كبير من الناس أو جعلهم عبيداً للحد الأدنى للأجور، والذي بدوره دمر الحياة المعيشية لتلك الفئات.
شوارع باريس تحولت إلى ساحة حرب حيث السيارات والمحلات التجارية المحروقة، وحيث الحواجز منتشرة في كل مكان.
شرارة جديدة انطلقت، ويمكن أن تنتشر إلى مكان آخر ويخرج الحريق عن السيطرة. فاحتجاجات أصحاب السترات الصفراء قد امتدت الآن إلى بلجيكا حيث مقر الاتحاد الأوروبي.
الظلم الشديد الذي ترزح الشعوب تحته في ظل النظام الرأسمالي، يدفع الناس إلى التمرد والتخريب. فثقة الشعوب الغربية بالنظام الديمقراطي الرأسمالي وصلت إلى درجة الحضيض؛ وكذلك الحال في بقية دول العالم، حيث تتطلع الشعوب إلى البديل الذي يحقق لهم العدل.
فالتوزيع العادل للثروات في المجتمع، والحياة الاقتصادية المستقرة، التي لا تدمر علاقات البشر، يمكن تحقيقها فقط من خلال تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي، الذي يأخذ بعين الاعتبار إشباع الحاجات الأساسية للناس، وليست تلك الأنظمة التي تتبنى سياسات اقتصادية توسع الفارق بين الأغنياء والفقراء. فالعالم بأسره، بحاجة إلى نظام الإسلام الذي سيعيد له التوازن من جديد. ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سليمان المرابط