إعلان ترامب حول الجولان: المواقف والمخاطر
الخبر:
أعلن الرئيس الأمريكي ترامب يوم 2019/3/21 أن “الوقت حان لاعتراف أمريكا بسيادة (إسرائيل) على هضبة الجولان”. وفي اليوم التالي نقلت وكالة رويترز عن مسؤول أمريكي كبير قوله: “إن مسؤولين أمريكيين يعدون وثيقة رسمية باعتراف واشنطن بسيادة (إسرائيل) على الجولان. ومن المرجح أن يوقعها ترامب الأسبوع المقبل أثناء زيارة رئيس الوزراء (الإسرائيلي) نتنياهو إلى واشنطن”.
التعليق:
لننظر أولا إلى موقف وردة فعل جبهة المقاومة والممانعة! حيث أعلن النظام السوري في بيان لخارجيته قائلا: “الجولان جزء من سوريا، وإن استعادته من الاحتلال (الإسرائيلي) بكل الوسائل التي يكفلها القانون الدولي لا تزال أولوية في السياسة السورية”! ومعنى ذلك أنه لا توجد لدى النظام مجرد نية للقيام بعمل عسكري لتحرير الجولان، وإنما الالتزام بالقانون الدولي الذي ركز كيان يهود وشرعنه وحماه ورعاه. وقد احتلها كيان يهود عام 1967، بل سلمها حافظ أسد والد طاغية الشام الحالي بشار أسد، حيث أعلن سقوط القنيطرة ببيان رقم 66 ولم يأتها أي جندي يهودي بعد، وذلك حتى ينسحب الجنود السوريون الذين تقدموا نحو فلسطين لتحريرها من براثن يهود، فأعلن سقوط الجولان من خلفهم في خيانة مكشوفة.
وقد أصدر مجلس الأمن قراراته، منها 242 و243 تطلب انسحاب يهود من الأراضي التي احتلوها ومنها الجولان ولكن المجلس لم يجبر يهود على الانسحاب رغم مرور خمسة عقود، ولم يقم النظام السوري بأي عمل جاد لتحريرها، وحرب تشرين عام 1973 كانت مسرحية لتعزيز مكانة حافظ أسد ليجد ذريعة لارتكاب خيانة أخرى بالتفاوض مع يهود وعقد اتفاق صلح معهم، فلم يسمح للقوات السورية بالتقدم سوى بضعة كيلومترات في الجولان، وأعلن كيان يهود ضمها عام 1981. وكاد أن يتحقق الاتفاق بين النظام السوري وبين كيان يهود عام 1994 لولا مقتل رئيس وزرائه رابين، وكذلك كاد أن يتحقق عام 2008 بسمسرة أردوغان لولا اعتداء يهود على غزة. وما زال النظام السوري يترامى على الصلح مع العدو ولم يحاربه حربا جادة. ولكن عندما ثار أهل سوريا المسلمون على الخيانة وأصحابها قام النظام بشن حرب شعواء عليهم، فقتل وشرد وسجن الملايين منهم ودمر البيوت فوق رؤوسهم، فهذا النظام برئاسة الأسد الوالد والولد وجد من أجل حماية كيان يهود ومنع تحرير فلسطين ومنع تحرر الأمة من ربقة الاستعمار.
وأما حليفته إيران فقد نددت على لسان المتحدث باسم خارجيتها بهرام قاسمي قائلا: “هذا الاعتراف غير المشروع وغير المقبول لا يغير حقيقة أنها تنتمي لسوريا”. وماذا يعني هذا الكلام؟! لا شيء، إذ لم تعلن الحرب لتحرير الجولان، بل لم تطلق أية طلقة على كيان يهود، ولكنها وأشياعها الذين أعمتهم العصبية المذهبية الجاهلية شنوا حربا شعواء على أهل سوريا المسلمين لتحمي النظام الذي يحمي كيان يهود ويحارب الله ورسوله والمؤمنين. وقد هاجم كيان يهود مرات عديدة مواقعها ومواقع النظام السوري ومواقع أشياعها فلم تشن الحرب على كيان يهود، بل كلهم نكسوا رؤوسهم خزيا وتذرعوا بذرائع واهية. فأثبتوا أنهم جبهة ممانعة ومقاومة كاذبة تجاه يهود، وأنهم جبهة مقاومة وممانعة ضد مشروع الأمة لعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
وأما مواقف الأنظمة في بلاد المسلمين فكلها تؤخر ولا تقدم، فأصدروا تصريحات تنديد لرفع العتب، وقد جمعهم كثير الكلام وقليل الأفعال أردوغان في مؤتمر لمنظمة التعاون الإسلامي بإسطنبول، كما فعل أول مرة عندما جمعهم بعد إعلان ترامب القدس عاصمة لكيان يهود يوم 2017/12/6. بل أكدوا حق يهود في اغتصاب فلسطين عندما طالبوا بدول فلسطينية تشمل القدس الشرقية والأراضي التي احتلها يهود عام 1967 فقط، وفي مؤتمرهم لم يدعو لتحرير الجولان وإنما للاحتكام للشرعية الدولية!
وقد رفضت روسيا وأوروبا قرار ترامب بضم الجولان كما رفضت إعلان القدس عاصمة لكيان يهود. لأن هذه الدول ترى أن ذلك سيعزز الإدراك لدى الأمة الإسلامية بأنها كلها دول داعمة لكيان يهود وأنها تخدع المسلمين بكل القرارات التي اتخذها مجلس الأمن الذي تسيطر عليه، ولا تنفذ القرارات ضد يهود، بل تتركها في أرشيف الأمم المتحدة للتاريخ، فيشعر المسلمون بالظلم والضيم فتسقط مصداقية الشرعية الدولية! وقد سقطت في أعينهم، فكل ذلك يعزز نهضة الأمة وثورتها ضد الأنظمة التي ترعاها تلك الدول، وتدرك أنه لا حل لقضية فلسطين إلا القتال وكل المفاوضات والقرارات الدولية هي للخداع وكسب الوقت حتى يتركز كيان يهود. وهذا مكمن الخطر الذي تدركه أوروبا وروسيا ويهددهما إذا ما تحركت الأمة للقتال فإنها ستدرك بدلالة الالتزام وبالأحكام الشرعية أنه لا بد من دولة مخلصة تعد العدة والعتاد للتحرير، ومعنى ذلك قيام الخلافة الراشدة التي ستكون على حدود روسيا وأوروبا.
وأما أمريكا ترامب فإن غطرستها وعنجهيتها قد أعمتها فلم تعد ترى أبعد من أرنبة أنفها، فلم تعد تحسب حسابا للمسلمين، فترى حكامهم أذلاء أذنابا يتوسلون إليها ويحتكمون لمجلس الأمن الذي تتحكم فيه وينصاعون لقراراته، بينما ترفض كل قرار يدين كيان يهود، وتراهم يسحقون شعوبهم لحسابها منعا لنهضتهم متعاونين معها في حربهم على الإسلام باسم محاربة (الإرهاب والتطرف). فعندما اعترف ترامب بالقدس عاصمة ليهود وتعتبر مسألة مهمة تمادى عندما لم ير ردة فعل حقيقية فاعترف بسيادة يهود على الجولان لتقوية هذا الكيان وحمايته. فصرح جيسون جرينبلات مستشار ترامب على تويتر قائلا: “(إسرائيل) لا يمكن أن تتخلى عن الجولان تحت أي ظرف من الظروف التي يمكن تصورها.. إذا فعلت ذلك فإنه سيعرض وجودها للخطر”. وأعلن كيان يهود أن “الحرب السورية أكدت ضرورة الاحتفاظ بالهضبة الغنية بموارد المياه فضلا عن تربتها الخصبة لتكون منطقة تفصل البلدات (الإسرائيلية) عن الاضطرابات السورية”. وهذا يظهر مدى أهمية الجولان لكيان يهود، وقد سلمها نظام آل الأسد خدمة لمواليهم يهود وطاعة لسيدتهم أمريكا.
والخطوة الثالثة لترامب هي الضفة الغربية، فقد سربت أخبار أن صفقة قرنه تقضي الاعتراف بالأراضي التي اغتصبها يهود في الضفة وأقاموا عليها مستوطنات وتعوضهم بأراض من سيناء أو من الأردن وتعويض الأردن بأراض من السعودية. ويعلم ترامب أن الأنظمة في بلاد المسلمين لن تفعل شيئا سوى التنديد الذي لا يعيره قيمة.
ولكن تصرفات أمريكا المتغطرسة ستنقلب عليها بإذن الله وستكون وسيلة لزيادة وعي الأمة وكفاحها لإسقاط الأنظمة من جذورها وليس الحكام العملاء فقط، وتجعلها تهتدي للقيادة السياسية الواعية المخلصة التي تعمل على وحدتها وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسعد منصور