مع الحديث الشريف
باب فتنة المال
عن عياض بن عبد الله أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال: “لا والله ما أخشى عليكم أيها الناس إلا ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا” فقال له رجل “يا رسول الله أيأتي الخير بالشر فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم قال: “كيف قلت؟” قال قلت وهل يأتي الخير بالشر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الخير لا يأتي إلا بخير أو خير هو إن كل ما ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضر أكلت حتى إذا امتلأت امتدت خاصرتاها استقبلت الشمس فثلطت وبالت ثم اجترت فعادت فأكلت فمن يأخذ مالا بحقه يبارك له ومن يأخذ مالا بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع“
الشروح
الحاصل أن ما ينبته الربيع خير، لكن مع ذلك يضر إذا لم يستعمل الأكلة على وجهه وإذ استعمله على وجهه لا يضر فكذا المال والله أعلم بحقيقة الحال (إذا امتدت خاصرتاها) أي: شبعت (استقبلت الشمس) تستمرئ بذلك (فثلطت) بفتح المثلثة واللام، أي: ألقت رجيعها سهلا رقيقا (ثم اجترت) بتشديد الراء.
أحبتنا الكرام: يخاف عليكم نبي الرحمة من الدنيا وزينتها، أو التمسك بزينتها حتى ينسى أحدنا الغاية الذي خُلق لأجلها (عبادة الله)، فالأمر هنا لا يعني أن لا ننتفع بزهرة الدنيا، ولا أن نعيش حياة فقر لندعي الزهد، بل المقصود أن لا تشغلنا زهرة الدنيا عن الغاية من وجودنا (العبادة)، فاعملوا لآخرتكم كأن أحدكم يموت غدا، ولا تجعلوا الدنيا وزهرتها كل همكم، في الوقت نفسه أروا الله أثر نعمته عليكم بتنعمكم بها بالكيفية التي أمر بها لا حسب أهوائكم فتنجرفوا وراء زهرة الدنيا وتنسوا الغاية من خلقكم.