بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح170) دائرة الخارجية, ودائرة الصناعة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: “بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ”وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّبْعِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:”دَائِرَةُ الخَارِجِيَّةِ, وَدَائِرَةُ الصِّنَاعَةِ”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتين: التَّاسِعَةِ وَالعَاشِرَةِ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ “نظامُ الإسلام” لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 73: تتَوَلَّى دَائِرَةُ الخَارِجِيَّةِ جَمِيعَ الشُّؤُونِ الخَارِجيَّةِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِعَلَاقَةِ دَولَةِ الخِلَافَةِ بِالدُّوَلِ الأَجنَبِيَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِالنَّاحِيَةِ السِّيَاسِيَّةِ، أَمْ بِالنَّوَاحِي الاقتِصَادِيَّةِ وَالصِّنَاعِيَّةِ وَالزِّرَاعِيَّةِ وَالتِّجَارِيَّةِ، أَمْ الـمُوَاصَلَاتِ البَرِيدِيَّةِ وَالسِّلكِيَّةِ وَاللَّاسِلكِيَّةِ، وَنَحْوِهَا.
المادة 74: دَائِرَةُ الصِّنَاعَةِ هِيَ الدَّائِرَةُ الَّتِي تَتَوَلَّى جَمِيعَ الشُّؤُونِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِالصِّنَاعَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ صِنَاعَةً ثَقِيلَةً كَصِنَاعَةِ الـمُحَرِّكَاتِ وَالآلَاتِ، وَصِنَاعَةِ هَيَاكِلِ الـمَركَبَاتِ، وَصِنَاعَةِ الـمَوَادِّ وَالصِّنَاعَاتِ الإِلِكترُونِيَّةِ. أَمْ كَانَتْ صِنَاعَةً خَفِيفَةً. وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الـمَصَانِعُ هِيَ مِنْ نَوعِ الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ، أَمْ مِنَ الـمَصَانِعِ الَّتِي تَدخُلُ فِي الـمِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ, وَلَـهَا عَلَاقَةٌ بِالصِّنَاعَةِ الحَربِيَّةِ. وَالـمَصَانِعُ بِأَنْوَاعِهَا يَجبُ أَنْ تُقَامَ عَلَى أَسَاسِ السِّيَاسَةِ الحَربِيَّةِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا,وَهَاتَانِ هُمَا الـمَادَّتَانِ الثَّالِثَةُ وَالسَّبعُونَ, وَالرَّابِعَةُ وَالسَّبعُونَ.وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ الـمَادَّتَينِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولا: دائرة الخارجية: تَتَوَلَّى دَائِرَةُ الخَارِجيَّةِ جَمِيعَ الشُّؤُونِ الخَارجيَّةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِعَلَاقَةِ دَولَةِ الخِـلَافَةِ بِالدُّوَلِ الأَجنَبِيَّةِ، مَهْمَا كَانَتْ هَذِهِ الشُّؤُونُ, وَهَذِهِ العَلَاقَاتُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِالنَّاحِيَةِ السِّيَاسِيَّةِ، وَمَا يَتبَعُهَا مِنَ اتِّفَاقَاتٍ، وَمُصَالَحَاتٍ، وَهُدَنٍ، وَمُفَاوَضَاتٍ، وَتَبَادُلِ سُفَرَاءَ، وَإِرسَالِ رُسُلٍ وَمَندُوبِينَ، وَإِقَامَةِ سَفَارَاتٍ وَقُنصُلِيَّاتٍ، أَمْ كَانَتْ هَذِهِ العَلَاقَاتُ تَتَعَلَّقُ بِالنَّوَاحِي الاقتِصَادِيَّةِ، أَوِ الزِّرَاعِيَّةِ، أَوِ التِّجَارِيَّةِ، أَوِ الـمُوَاصَلَاتِ البَرِيدِيَّةِ، أَوِ السِّلْكيَّةِ، أَو اللَّاسِلْكِيَّةِ، وَنَحْوِهَا. فَكُلُّ هَذِهِ الأُمُورِ تَتَوَلَّاهَا دَائِرَةُ الخَارِجيَّةِ؛ لَأَنَّهَا تَمَسُّ عَلَاقَةَ الدَّولَةِ بِغَيرِهَا مِنَ الدُّوَلِ.
وَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يُقِيمُ العَلَاقَاتِ الخَارجيَّةَ مَعَ الدُّوَلِ وَالكَيَانَاتِ الأُخرَى، كَمَا بَيَّنَّا عِندَ بَحْثِ وَزِيرِ التَّنفِيذِ. فَقَدْ أَرْسَلَ صلى الله عليه وسلم عُثمَانَ بْنَ عَفَّانَ لِيُفَاوِضَ قُرَيشاً، كَمَا فَاوَضَ هُوَ صلى الله عليه وسلم رُسُلَ قُرَيشٍ، وَكَذَلِكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ إِلَى الـمُلُوكِ، كَمَا استَقْبَلَ رُسُلَ الـمُلُوكِ وَالأُمَرَاءِ، وَعَقَدَ الاتِّفَاقَاتِ وَالـمُصَالَـحَاتِ. وَكَذَلِكَ كَانَ خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعدِهِ يُقِيمُونَ العَلَاقَاتِ السِّيَاسِيَّةَ مَعَ غَيرِهِمْ مِنَ الدُّوَلِ وَالكَيَانَاتِ. كَمَا كَانُوا يُولُّونَ مَنْ يَقُومُ عَنهُمْ بِذَلِكَ، عَلَى أَسَاسِ أَنَّ مَا يَقُومُ بِهِ الشَّخْصُ بِنَفْسِهِ لَهُ أَنْ يُوكِلَ فِيهِ عَنهُ، وَأَنْ يُنِيبَ عَنهُ مَنْ يَقُومُ لَهُ بِهِ. وَلِتَعْقِيدَاتِ الحَيَاةِ السِّيَاسِيَّةِ الدَّولِيَّةِ، وَاتِّسَاعِ وَتَنَوُّعِ العَلَاقَاتِ السِّيَاسِيَّةِ الدَّولِيَّةِ، فَنَحْنُ نَتَبَنَّى أَنْ يُنِيبَ الخَلِيفَةُ عَنهُ جِهَازاً مِنْ أَجْهِزَةِ الدَّولَةِ خَاصّاً بِالعَلَاقَاتِ الدَّولِيَّةِ، يُتَابِعُهُ الخَلِيفَةُ كَمَا يُتَابِعُ أَيَّ جهَازٍ آخَرَ مِنْ أَجْهِزَةِ الحُكْمِ وَالإِدَارَةِ فِي الدَّولَةِ، مُبَاشَرَةً أَوْ بِوَسَاطَةِ وَزِيرِ التَّنفِيذِ، وَفْقَ الأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ.
ثانيا: دائرة الصناعة: دَائِرَةُ الصِّنَاعَةِ هِيَ الدَّائِرَةُ الَّتِي تَتَوَلَّى جَمِيعَ الشُّؤُونِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِالصِّنَاعَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ صِنَاعَةً ثَقِيلَةً كِصِنَاعَةِ الـمُحَرِّكَاتِ وَالآلَاتِ، وَصِنَاعَةِ هَيَاكِلِ الـمَركَبَاتِ، وَصِنَاعَةِ الـمَوَادِّ، وَالصِّنَاعَاتِ الإِلِكترُونِيَّةِ، أَمْ كَانَتْ صِنَاعَةً خَفِيفَةً. وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الـمَصَانِعُ مِنْ نَوعِ الـمَصَانِعِ الَّتِي تَدخُلُ فِي الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ، أَمْ مِنَ الـمَصَانِعِ الَّتِي تَدخُلُ فِي الـمِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ، وَلَـهَا عَلَاقَةٌ بِالصِّنَاعَاتِ الحَربِيَّةِ. وَالـمَصَانِعُ بِأَنْوَاعِهَا يَجب أن تُقام عَلَى أَسَاسِ السِّيَاسَةِ الحَربِيَّةِ؛ لِأَنَّ الجِهَادَ وَالقِتَالَ يَحتَاجُ إِلَى الجَيشِ، وَالجَيشُ حَتَّى يَستَطِيعَ أَنْ يُقَاتِلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سِلَاحٍ. وَالسِّلَاحُ حَتَّى يَتَوَفَّرَ لِلجَيشِ تَوَفُّراً تَامّاً عَلَى أَعْلَى مُستَوىً لَا بُدَّ لَهُ مِنْ صِنَاعَةٍ فِي دَاخِلِ الدَّولَةِ. وَبِخَاصَّةٍ الصِّنَاعَةِ الحَربِيَّةِ لِعَلَاقَتِهَا القَوِيَّةِ بِالجِهَادِ.
وَالدَّولَةُ حَتَّى تَكُونَ مَالِكَةً زِمَامَ أَمْرِهَا، بَعِيدَةً عَنْ تَأثِيرِ غَيرِهَا فِيهَا، لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَقُومَ هِيَ بِصِنَاعَةِ سِلَاحِهَا، وَتَطْوِيرِهِ بِنَفْسِهَا، حَتَّى تَكُونَ بِاستِمرَارٍ سَيِّدَةَ نَفْسِهَا، وَمَالِكَةً لِأَحْدَثِ الأَسْلِحَةِ وَأَقْوَاهَا، مَهْمَا تَقَدَّمَتِ الأَسلِحَةُ وَتَطَوَّرَتْ، وَحَتَّى يَكُونَ تَحْتَ تَصَرُّفِهَا كُلُّ مَا تَحتَاجُ إِلَيهِ مِنْ سِلَاحٍ، لِإِرهَابِ كُلِّ عَدُوٍّ ظَاهِرٍ لَـهَا، وَكُلُّ عَدُوٍّ مُحتَمَلٍ، كَمَا قَالَ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَأَعِدُّوا لَـهُمْ مَا استَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِـهِمْ لَا تَعلَمُونَـهُمُ اللهُ يَعلَمُهُمْ). (الأنفال 60) وَبِذَلِكَ تَكُونُ الدَّولَةُ مَالِكَةً إِرَادَتَهَا، تُنتِـِجُ السِّلَاحَ الَّذِي تَحتَاجُ إِلَيهِ وَتُطَوِّرُهُ، وَتَستَمِرُّ فِي تَطوِيرِهِ بِالشَّكْلِ الَّذِي يـُمَكِّنُهَا مِنْ أَنْ تَحُوزَ عَلَى أَعْلَى الأَسلِحَةِ وَأَقْوَاهَا، حَتَّى تَستَطِيعَ بِالفِعْلِ أَنْ تُرهِبَ جَمِيعَ الأَعدَاءِ الظَّاهِرِينَ وَالـمُحتَمَلِينَ. وَلِهَذَا يَجبُ عَلَى الدَّولَةِ أَنْ تَقُومَ بِصِنَاعَةِ أَسلِحَتِهَا بِنَفْسِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَعتَمِدَ عَلَى شِرَائِهِ مِنَ الدُّوَلِ الأُخرَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَيَجْعَلُ الدُّوَلَ الأُخرَى مُتَحَكِّمَةً بِهَا وَبِـمَشِيئَتِهَا، وَبِسِلَاحِهَا، وَبـِحَربـِهَا، وَقِتَالِـهَا.
وَالـمُشَاهَدُ الـمَحْسُوسُ فِي عَالَـمِ اليَومَ أَنَّ الدُّوَلَ الَّتِي تَبِيعُ السِّلَاحَ إِلَى الدُّوَلِ الأُخرَى لَا تَبِيعُ كُلَّ سِلَاحٍ، خَاصَّةً الـمُتَطَوِّرَ مِنهُ، وَلَا تَبِيعُهُ إِلَّا بِشُرُوطٍ مُعَيَّنَةٍ، تَشْمَلُ كَيفِيَّةَ استِعْمَالِهِ. وَلَا تَبِيعُهُ كَذَلِكَ إِلَّا بِـمِقْدَارٍ مُعيَّنٍ هِيَ تَرَاهُ، وَلَيسَ حَسَبَ طَلَبِ الدَّولَةِ الَّتِي تُرِيدُ شِرَاءَهُ، مِمَّا يَجعَلُ لِلدَّولَةِ الَّتِي تَبِيعُ السِّلَاحِ سَيطَرَةً وَنُفُوذاً عَلَى الدَّولَةِ الَّتِي تَشتَرِي السِّلَاحَ، مَا يُـمَكِّنُهَا مِنْ فَرْضِ إِرَادَتِـهَا عَلَيهَا، خَاصَّةً إِذَا مَا وَقَعَتِ الدَّولَةُ الَّتِي تَشْتَرِي السِّلَاحَ فِي حَرْبٍ، فَإِنَّهَا عِندَئِذٍ سَتَحْتَاجُ إِلَى مَزِيدٍ مِنَ السِّلَاحِ، وَمِنْ قِطَعِ الغَيَارِ، وَمِنَ الذَّخِيرَةِ، مَا سَيَجْعَلُ اعتِمَادَهَا عَلَى الدَّولَةِ الـمُصَدِّرَةِ لِلسِّلَاحِ أَكْثَر، وَخُضُوعَهَا لِطَلَبَاتِـهَا أَكْبَرَ. وَهَذَا يُتيحُ لِلدَّولَةِ الـمُصَدِّرَةِ أَنْ تَتَحَكَّمَ فِيهَا، وَفِي إِرَادَتِـهَا، خَاصَّةً وَهِيَ فِي حَالَةِ الحَرْبِ، وَفِي حَالَةِ شِدَّةِ احتِيَاجِهَا لِلسِّلَاحِ، وَإِلَى قِطَعِ الغَيَارِ. وَبِذَلِكَ تُرْهِنُ نَفْسَهَا، وَمَشِيئَتَهَا، وَحَربَهَا، وَكَيَانَـهَا، لِلدَّولَةِ الَّتِي تُصَدِّرُ إِلَيهَا السِّلَاحَ.لِذَلِكَ كُلِّهِ يَجبُ أَنْ تَقُومَ الدَّولَةُ بِنَفسِهَا بِصُنْعِ سِلَاحِهَا، وَكُلِّ مَا تَحتَاجُ إِلَيهِ مِنْ آلَةِ الحَرْبِ، وَمِنْ قِطَعِ الغَيَارِ. وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى لِلدَّولَةِ إِلَّا إِذَا تَبَنَّتِ الصِّنَاعَةَ الثَّقِيلَةَ، وَأَخَذَتْ تُنتِجُ أَوَّلاً الـمَصَانِعَ الَّتِي تُنتِجُ الصِّنَاعَاتِ الثَّقِيلَةَ، الحَربِيَّةَ مِنهَا وَغَيرَ الحَربِيَّةِ. فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَدَيهَا مَصَانِعُ لِإِنتَاجِ السِّلَاحِ الذَّرِيِّ، وَالـمَركَبَاتِ الفَضَائِيَّةِ، وَلِإنتَاجِ الصَّوَارِيخِ، وَالأَقْمَارِ، وَالطَّائِرَاتِ، وَالدَّبَابَاتِ، وَالـمَدَافِعِ، وَالسُّفُنِ الحَربِيَّةِ، وَالـمَركَبَاتِ الـمُصَفَّحَةِ بِأَنوَاعِهَا، وَالأَسلِحَةِ الثَّقِيلَةِ وَالخَفِيفَةِ بِأَنوَاعِهَا. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَدَيهَا مَصَانِعُ لِإِنتَاجِ الآلَاتِ، وَالـمُحَرِّكَاتِ، وَالـمَوَادِّ، وَالصِّنَاعَةِ الإِلِكترُونِيَّة،ِ وَكَذَلِكَ الـمَصَانِعِ الَّتِي لَـهَا عَلَاقَةٌ بِالـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ، وَالـمَصَانِعِ الخَفِيفَةِ الَّتِي لَـهَا عَلَاقَةٌ بِالصِّنَاعَاتِ الحَربِيَّةِ. كُلُ ذَلِكَ يَقتَضِيهِ وُجُوبُ الإِعْدَادِ الـمَفرُوضِ عَلَى الـمُسلِمِينَ، قَالَ تَعَالَى: (وَأَعِدُّوا لَـهُمْ مَا استَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ). (الأنفال 60) وَبِمَا أَنَّ الدَّولَةَ الإِسلَامِيَّةَ دَولَةٌ حَامِلَةٌ لِلدَّعْوَةِ الإِسلَامِيَّةِ، بِطَرِيقَةِ الدَّعْوَةِ وَالجِهَادِ، فَإِنَّهَا سَتَكُونُ دَولَةً دَائِمَةَ الاستِعدَادِ لِلقِيَامِ بِالجِهَادِ، وَهَذَا يَقتَضِي أَنْ تَكُونَ الصِّنَاعَةُ فِيهَا، ثَقِيلَةً أَو خَفِيفَةً، مَبنيَّةً عَلَى أَسَاسِ السِّيَاسَةِ الحَربِيَّةِ، حَتَّى إِذَا مَا احتَاجَتْ إِلَى تَحويِلِهَا إِلَى مَصَانِعَ تُنتِجُ الصِّنَاعَةَ الحَربِيَّةَ بِأَنوَاعِهَا سَهُلَ عَلَيهَا ذَلِكَ فِي أَيِّ وَقْتٍ تُرِيدُ؛ وَلِذَلِكَ يَجبُ أَنْ تُبْنَى الصِّنَاعَةُ كُلُّهَا فِي دَولَةِ الخِـلَافَةِ عَلَى أَسَاسِ السِّيَاسَةِ الحَرْبِيَّةِ، وَأَنْ تُبْنَى جَمِيعُ الـمَصَانِعِ، سَوَاءٌ الَّتِي تُنتِجُ الصِّنَاعَاتِ الثَّقِيلَةَ، أَوِ الَّتِي تُنتِجُ الصِّنَاعَاتِ الخَفِيفَةَ، عَلَى أَسَاسِ هَذِهِ السِّيَاسَةِ، لِيَسهُلَ تَحْوِيلُ إِنتَاجهَا إِلَى الإِنتَاجِ الحَربِيِّ فِي أَيِّ وَقْتٍ تَحتَاجُ الدَّولَةُ إِلَى ذَلِكَ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.