Take a fresh look at your lifestyle.

مع الحديث الشريف – أهل الجنة وأهل النار

 

مع الحديث الشريف
أهل الجنة وأهل النار
 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كلم كان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْتَجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتْ النَّار: فِيَّ الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ، وَقَالَتْ الْجَنَّةُ فِيَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَمَسَاكِينُهُمْ، فَقَضَى اللهُ بَيْنَهُمَا: إنَّكِ الجَنَّةُ رَحْمَتِي أرْحَمُ بِكِ مَنْ أشَاءُ، وَإنَّكِ النَّارُ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أشَاءُ، وَلِكلَيْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا» رواه مسلم

شرح الحديث:

«احْتَجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ»: أي اختصمت. «فَقَالَتْ النَّار: فِيَّ الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ» بتشديد الياء ففيّ أي الذين يقهرون الغير على حسب أهوائهم. «وَقَالَتْ الْجَنَّةُ فِيَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ» بتشديد الياء أيضًا ففيّ أي المتواضعون منهم أو المستضعفون فيهم لفقرهم وعدو ثروتهم, وقال عمر بن الخطاب عز الدنيا بالمال, وعز الآخرة بالأعمال. «وَمَسَاكِينُهُمْ»: أي والمحتاجون منهم الصابرون على الضرار من غير تضجر ولا تبرم من القضاء رضا بتدبير المولى ورضاء بما قسم لهم. «فَقَضَى اللهُ بَيْنَهُمَا»: أي أخبر عما أراده لهم مما سبقت به إرادته قائل. «إنَّكِ الجَنَّةُ» في اللغة: عبارة عن البستان من النخيل والأعناب، والمراد منها هنا مقابل النار. «رَحْمَتِي» قال الطيبي: سمّاها رحمة لأن بها تظهر رحمة الله كما قال. «أرْحَمُ بِكِ مَنْ أشَاءُ»، «وَإنَّكِ النَّارُ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أشَاءُ»: ممن تعلقت الإرادة الإلهية بتعذيبهم. «وَلِكلَيْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا» فمن يدخل الجنة لا يخرج منها البتة، وكذا من يدخل النار من الكفرة، أما ذوو المعاصي من المؤمنين إذا دخلوها فلا بد من خروجهم منها ودخولهم الجنة بوعد الله الذي لا يخلف وعدًا، قال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وفى قلبه مثقال ذرة من إيمان دخل الجنة» رواه مسلم.

التعليق:

كثير من الأحاديث تصور لنا حديثًا يجري بين الخالق والمخلوق، ترينا كيف تتحاور المخلوقات مع الله عز وجل بالحقيقة والمجاز. إنه من إبداع الله سبحانه وتعالى في خلقه، خلقه للأضداد، فكما خلق الله سبحانه وتعالى الجنة، وفيها ما لا يخطر على قلب بشر، فكذلك خلق النار، وأخبرنا بجزء من عذابها، مما تدمع الأعين خشية منه، وتقشعر له الأبدان، لما فيها من عذاب يوجب الخوف.

وهنا في هذا الحديث، يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن للنار والجنة أصحاب يتمايزون، فكما أن الجنة والنار أضداد، فكذلك أصحابها، لا يمكن أن يتشابهوا. وهذا الحديث يخبرنا أن الله وحده هو من يدخل الناس في الجنة أو النار، وهو وحده من بيده إخراج الناس منهما، ويخبرنا أننا نحن من نختار سلوك الطريق الذي يؤدي بنا إلى النار، والعياذ بالله منها، أو الطريق المنجي من الهلاك، والمؤدي إلى الفوز بالجنة، التي خلقها الله لمن استضعفوا في الحياة الدنيا على أيدي المتكبرين الجبابرة، الذين استضعفوا وهم الأعلون، وسُلبوا ما يستحقون من عزة ومنعة على أيدي ظلّام الدنيا، هؤلاء لهم الجنة، وأعدها الله لأمثالهم.

وهذا الحديث يخبر أن الله سوف يملأ الجنة بأهلها، كما سيملأ النار بأهلها، وإنه لأمر مخيف أن نعلم أن الجنة تمتلئ فلا يبقى مكان لأحد يستحق الدخول إليها، أما النار فإنها تستمر بالقول هل من مزيد، (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ). فكيف لنا بعد هذا العلم اليقين، أن نكون من العصاة، المنكرين، المتكبرين، المتجبرين، أصحاب الخسران العظيم؟ من لم يكن منهم كان بإذن الله من الفائزين.

إن العمل للفوز بالجنة صعب، والعمل للنار سهل، وللمرء أن يختار، وإن الجائزة الكبرى تستحق العناء والصبر، والبعد عن جهنم يستحق وصل الليل بالنهار عبادة، حتى لا يبقى في أنفسنا شعور بالتقصير أمام أوامر الله. فالله نسأل أن نكون من أهل الجنة، وأن يبعدنا عن أهل النار في الدنيا والآخرة.

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

كتبه للإذاعة: د. ماهر صالح