من وحي النقاش حول لغات التدريس
عوج القلب والفكر يثمر عوج اللسان
الخبر:
نشرت جريدة الصباح ليوم 08/04/2019 خبرا بعنوان (اللغات تبعثر المجلس الحكومي) تحدث عن النقاش الدائر بين الأغلبية الحكومية واختلافهم حول اعتماد لغات أجنبية لتدريس المواد العلمية.
التعليق:
إن السياسي الذي يحمل الجنسية الفرنسية ومتزوج من أجنبية ويتداوى إنْ مرض في فرنسا ويقضي فيها وقتا أكثر مما يقضي في المغرب، لا ينتظر منه إلا أن يقترح تدريس العلوم باللغة الفرنسية، فقلبه وفكره تابع لفرنسا.
ولهذا وفي غياب أي دراسة لتقييم سنوات اعتماد تدريس العلوم باللغة العربية وهل كانت داعمة للتحصيل عند التلاميذ أم لا؟ وهل كانت محفزة للتميز أم لا؟ جاء مشروع القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الذي ما هو إلا فرع لأصل هو الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015 – 2030، يقنن التناوب اللغوي من خلال تدريس بعض المواد لا سيما العلمية والتقنية منها أو بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد بلغة أو بلغات أجنبية، وكل هذا بتعلة تحسين التحصيل الدراسي في هذه المواد.
فهل اللغة العربية عائق أمام التحصيل العلمي؟ وهل التدريس باللغة الفرنسية هو مفتاح الفلاح والنجاح للدراسيين؟ إنه لو أعمل السياسيون المتصارعون عقولهم لوجدوا أن الأمم المتطورة علميا من حولهم والمتقدمة في الاختراع والابتكار تدرس في كل مراحل التعليم بلغاتها الوطنية والقومية، ولو نظروا بعين بصرهم وبصيرتهم في تاريخ أمتهم لوجدوا أن اللغة العربية هي لغة العلم والمعرفة ووعاء الفكر والابتكار وأن نهضة أوروبا العلمية في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والطب والهندسة مدينة لمؤلفات كتبت بلسان عربي وابتدأت بحمد الله والثناء عليه والصلاة على أشرف الخلق والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
فيوم كان للإسلام دولة تفرض طريقة عيشه وتطبق أنظمته وتجعل العقيدة الإسلامية أساسا لكل شأن من شؤونها بنى حضارة وبعث مدنية كانت اللغة العربية جزءا جوهريا فيها لا لأنها لغة العرب ولأن الإسلام دين قومي بل لأنها لغة القرآن، ولأن الله اصطفاها لتكون لغة خطاب الشارع في الرسالة الخاتمة للناس أجمعين. فالإسلام ذم العصبية الجاهلية ولم يعل شأن العرب أمام الأقوام الأخرى، فلا فرق لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى. ففرض على كل مسلم تعلم اللغة العربية لأنه لا تصح الصلاة إلا بها، فمن لم يقرأ بأم الكتاب فلا صلاة له، والقرآن ومنه أم الكتاب نزل بلسان عربي مبين، ثم إن لغة الدولة في الإسلام هي اللغة العربية، فقد راسل الرسول عليه الصلاة والسلام قيصر وكسرى والمقوقس يدعوهم إلى الإسلام وكانت كتبه باللغة العربية ولم يترجمها رغم الحاجة إلى ذلك مما يدل على أن لغة الدولة هي اللغة العربية. فلا يجوز أن تستعمل الدولة تكلما وكتابة في كل ما يتعلق بها وفي كل ما يتعلق بعلاقتها بالرعية أيَّ لغة غير اللغة العربية. وبناء عليه لا يكون في برنامج الدولة التعليمي مكان لجعل لغات غير اللغة العربية لغة للتدريس، لا لغات الشعوب غير العربية التي تعيش في ظل الدولة الإسلامية، ولا الشعوب التي تعيش خارج سلطان الدولة الإسلامية.
لكن لما غابت دولة الإسلام عن الوجود وتأثرت طريقة عيش المسلمين بالأجنبي وأصبح السياسيون تُبعاً ثقافيا وسياسيا وجنسية للمحتل الذي احتل بلادنا ونشر ثقافته وصاغ مناهجها التعليمية وجعل شخصيته هي محور الاقتداء وأعلى من شأن تاريخه وحضارته ونسب لهما كل مزية ونسب للإسلام وحضارته ولغته كل نقيصة، أصبح تدريس العلوم باللغة العربية محل بحث ونظر، ولم يخف السياسيون والمضبوعون بالثقافة الأجنبية اتهامها بالفشل والنقص، بل منهم من دعا لتطويرها وتبسيط قواعدها الصعبة والعصية على الفهم!
إن هذا النقاش كشف:
1- أن الإسلام ليس الحكم في تصرفات السياسيين وأن العقيدة الإسلامية ليست الأساس في صياغة سياسات الدولة ومنها سياسة التعليم.
2- أن الديمقراطية نظام عقيم وفاشل يبنى على التوافقات وليس على الحق، فالحق الأبلج أن الدول المتطورة صناعيا والمتقدمة علميا تعتمد لغتها الوطنية والقومية في التدريس، ومع ذلك ستمكن الديمقراطية الأغلبية في البرلمان من سن قانون يلزم تدريس المواد العلمية والتقنية بلغة المحتل الفرنسي!
3- أن نقاشات السياسيين والزخم الإعلامي حولها يضخم قضايا ويخفي أخرى، فبالنسبة للقانون الإطار جرى تضخيم النقاش حول لغات التدريس وجرى ربطه بالتحصيل والتشغيل لاستدرار عطف الناس، وقامت أطراف سياسية تدعو لمعارضة القانون، وتحركت أقلام إعلامية تلفت الانتباه إلى تدريس المعارضين للمشروع لأبنائهم بالبعثات الأجنبية، وضجت وسائل التواصل بين مؤيد ومعارض وأصبح الموضوع حديث الآباء والأبناء لأنه متعلق بمستقبلهم، بينما هناك قضيتان مهمتان أتى بهما القانون الإطار ونصت عليهما الرؤية الاستراتيجية يمران بصمت ويقننان في غفلة من الناس وهما التمويل والتعليم الأولي. فبالنسبة لتمويل التعليم فقد نصت الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التي اعتبرته العمود الفقري للمنظومة، على تفعيل مبدأ التضامن الوطني في تحمل التكاليف العمومية، وسواء صرح القانون الإطار في المادة 4 منه بأن الأسر ستساهم في تمويل المنظومة، أو اقتصر على الإشارة على مواصلة الدعم للأسر المعوزة، فإن مجانية التعليم قد أُجهز عليها وقد أصبحت من الماضي وأن تطبيقها سيخضع فقط لمبدأ التدرج في تنزيل رسوم التسجيل.
أما بالنسبة للتعليم الأولي فإنه سيصبح تحت إشراف الدولة وسيصبح إلزاميا وسيدمج مع التعليم الابتدائي بحيث سيصبح التعليم إلزاميا ابتداء من بلوغ التلميذ سن أربع سنوات. إنَّ سن هذا القانون يحيلنا إلى نقاش كان قبل سنوات أثاره بعض العلمانيين واتهموا فيه التعليم الأولي التقليدي بنشر التطرف ودعوا الدولة للإشراف عليه. فالإشراف على التعليم الأولي من الدولة هو استجابة لمطالب العلمانيين بمحاربة (التطرف) والذي هو في حقيقته حرب على الإسلام. لكن القانون لم يقف فقط على إشراف الدولة على التعليم الأولي بل جعله إلزاميا مما يجعل أبناءنا تحت رحمة المدرسة فكرا وسلوكا كأداة للضبط المخزي ولمحاربة الفكر (المتطرف) ولتعليم قيم التسامح والإسلام الوسطي على وزن دمج الأذان بترانيم النصارى واليهود، فإذا أضفنا إكراهات تعميم التمدرس وإلزاميته بالعالم القروي فإنا نتساءل، وحق لنا أن نتساءل، كيف سيؤتى بأطفال سنهم 4 سنوات لقسم قد يبعد عشرات الكيلومترات عن محل سكناهم إلا إذا كان هناك مسؤول أحمق سيقترح انتزاع الأطفال من آبائهم ووضعهم بداخليات حتى يتسنى لهم الاستفادة من التعليم الأولي الإلزامي في ظل مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص؟!
إن تدريس العلوم باللغة الفرنسية هو أمر واقع في ظل ثنائية المسالك؛ خيار عربي أو خيار فرنسي، وإن القانون فقط سيجهز على البقية الباقية لإلزام الأسر والتلاميذ الذين اختاروا الدراسة باللغة العربية على الدراسة بالفرنسية، ففي الأخير ستتوافق الأغلبية الحكومية وسيصوَّت على القانون لأن إرادة التدريس باللغات الأجنبية ليست للحكومة بل هي مفروضة من خارجها وما هي إلا لتنفيذ المطلوب بصيغة ديمقراطية عبثية.
وإن التصويت على هذا القانون ضربٌ لمجانية التعليم استجابة لتوصيات البنك الدولي، ومنطلق لعملية تغيير ستطال المناهج التعليمية وجهتها كشفت عنه اعتماد إلزامية التعليم من سن أربع سنوات الذي دعت إليه وجوه علمانية بحجة محاربة (التطرف) أي الإسلام.
فقانون عوج اللسان هذا وما يصاحبه هو ثمرة عوج قلب يعظّم الأجنبي المحتل ويخشى أن تصيبه دائرة من البنك الدولي وعوج فكر علماني.
إنه لا خلاص من هذا النكد في العيش ولا تقدم لنا ولا رقي إلا باتخاذ العقيدة الإسلامية مقياسا لأفكارنا وسلوكنا وبجعل الإسلام طريقة للعيش تطبقه دولة الخلافة على منهاج النبوة في الحكم والاقتصاد والاجتماع والتعليم، فيرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض ويطمئن الآباء على مستقبل الأبناء، ويكون ساستنا منا يعبرون بصدق عن أفكارنا وأحاسيسنا لا مفصولين عنا يلهجون بمدح عدونا ويتبعون سننه!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مناجي محمد